التعايش مع فيروس كورونا | جامعة حمد بن خليفة
Hamad Bin Khalifa University

التميز التعايش مع فيروس كورونا

رؤية مقدمة من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

بدأت قطر كما في بقية دول العالم تخفيف القيود الاحترازية لمكافحة الوباء العالمي كورونا بشكل تدريجي، بما في ذلك تخفيف القيود على السفر و الأنشطة الدراسية. وفي حين لم تنجح الجهود العالمية في القضاء على جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) بشكل كامل حتى الآن، تتزايد الحاجة إلى العودة إلى أنماط الحياة الطبيعية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستهدفة. ويعني ذلك الحاجة إلى تعلّم كيفية التعايش مع فيروس كوفيد-19 بطريقة آمنة ومدروسة. في حلقة هذا الأسبوع، يناقش خبراء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي التجربة العالمية بشأن تخفيف قيود الإغلاق العام والاستخدام السليم للأقنعة كأحد التدابير الوقائية اللازمة للحد من تفشي الفيروس.

الدروس المستفادة من تخفيف قيود الإغلاق

مثّل الاقتصاد المتعثر على مستوى العالم القوة الدافعة الرئيسية وراء تخفيف قيود الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19. ومع ذلك، فإن إعادة الفتح تشبه السير على حبل مشدود، فإذا تسارعت الخطوات، يمكن أن ترتفع معدلات الإصابة بالفيروس، في حين أن الاستمرار في تطبيق تدابير الإغلاق إلى أجل غير مسمى قد يتسبب في أضرار اقتصادية لا يمكن علاجها.

وتواجه العديد من البلدان التي سارعت برفع قيود الإغلاق بشكل غير مدروس ارتفاعًا في حالات الإصابة بكوفيد-19. لذلك، تحتاج الدول إلى اتخاذ خطوات حذرة نحو تخفيف التدابير الصارمة التي اتخذتها ضد تفشي الفيروس، مثل التوسع في إجراء الفحوصات للأفراد، ومتابعة المخالطين للمرضى، بالإضافة إلى دراسة استراتيجيات تدابير الإغلاق.

نحو إنعاش الاقتصاد وإعادة الحياة اليومية إلى طبيعتها السابقة للجائحة قد جرى تخفيف قيود  السفر إلى قرابة 40٪ من مجمل وجهات السفر حول العالم.  كما يُسمح الآن لعدد من مراكز التسوق و المكاتب التجارية والمطاعم والمتاحف بإعادة العمل لساعات محددة و بسعة محدّدة مع مواصلة تطبيق إرشادات التباعد الاجتماعي. 

وتمثل إعادة فتح المدارس أمرًا أساسيًا لتجاوز التعطيل الاقتصادي، فمعظم العائلات تجد صعوبة في العودة إلى العمل مع استمرار إغلاق المدارس ومراكز الرعاية اليومية. وعلى الرغم من أن الأطفال لا يعانون في العموم من أمراض خطيرة مرتبطة بفيروس كوفيد-19 مثل كبار السِن، إلا أنه من الضروري اتباع نهج حذر في استراتيجيات العودة إلى المدارس. وقد نفذت العديد من البلدان مثل اليونان خطة عودة إلى المدارس تتقيد بأعداد محدّدة من الطلاب في كل فصل دراسي، والمزج بين الحضور إلى المدرسة والتعلم عن بعد، وهو ما يسمى بالتعلّم "المختلط" أو "المدمج".

وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، فإن حوالي ثلث أطفال المدارس في العالم، أي قرابة 463 مليون طفل على مستوى العالم، لا يمكنهم الوصول إلى مرافق التعليم عن بُعد. وفي مثل هذه البلدان، قد يظهر التأثير المدمر لتوقف التعليم في هذه المجتمعات لعقود قادمة.

إن  المبادرة بالإسراع في تعلم كيفية التنبؤ بالفيروس وتطوير سبل تتبعه وإدارته حتما سيحقق قفزة نوعية في السيطرة عليه، لذلك وجب ألا نفقد زخم مواصلة إجراء "الفحوصات وتتبع المخالطين."

ونظرًا لعدم وجود حل وحيد للتصدي لهذه الجائحة، يتوجب على الدول إعادة تشكيل أنظمة الصحة العامة لديها، وتحضير مجتمعاتها للتكيّف مع الوضع الجديد. وبالرغم من تزايد  الاختبارات التشخيصية، وتقدم الطرق العلاجية وتقنيات تتبع المخالطين و فرض التباعد الاجتماعي، لا تزال الحاجة إلى نهج شامل يجمع بين مختلف التكتيكات لمكافحة كوفيد–19  أمرًا أساسيًا إلى حين الوصول إلى مرحلة مناعة القطيع، أو اكتشاف لقاح فعال للفيروس(الشكل 1).

الشكل (1) الدروس الرئيسية المستفادة من رفع قيود كوفيد–19 عالميًا

الشكل (1) الدروس الرئيسية المستفادة من رفع قيود كوفيد–19 عالميًا

أقنعة الوجه لمواجهة كوفيد-19 

إن كوفيد-19 هو في المقام الأول مرض تنفسي، تصاحبه عدوى تتراوح بين أعراض غير تنفسية خفيفة للغاية، إلى مشاكل تنفسية حادة ووخيمة. وينتقل هذا المرض المعدي عن طريق الرذاذ التنفسي من خلال (السعال والعطاس)، أو طرق التلامس، وقد تبين أن انتقال العدوى يحدث في معظم الأحيان من الأفراد الذين تظهر عليهم الأعراض إلى الآخرين، في حال عدم ارتداء أدوات الوقاية الشخصية المناسبة. وبالتالي، تتمثل المسؤولية الجماعية للمجتمع في الالتزام بالإرشادات الصارمة التي وضعتها وزارة الصحة العامة لمنع انتقال المرض.

ومن بين أدوات الوقاية الشخصية المختلفة، يُوصى باستخدام الأقنعة، بوصفها وسيلة فعالة لمواجهة تفشّي جائحة كوفيد-19. ففي دراسة حديثة أُجريت برعاية منظمة الصحة العالمية، وجد أن استخدام الأقنعة يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في نسبة الإصابة. علاوة على ذلك، أفادت دراسة سابقة عن المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس)، أن استخدام الأقنعة كان له تأثير وقائي قوي، وقلل المخاطر بنسبة 70٪ لأولئك الذين كانوا يرتدون القناع دائمًا عند الخروج. وقد أجريت أبحاث مكثفة لدراسة دور أقنعة الوجه في الحد من انتقال كوفيد–19.

وتُظهر الأدلة التي تستخدم النماذج الحسابية بوضوح أنه إذا ارتدى معظم الأفراد الأقنعة في الأماكن العامة، فيمكن بالفعل منع انتشار العدوى إلى حد كبير (الشكل 2). وتشير توقعات حديثة لمعهد القياسات الصحية والتقييم في واشنطن إلى أن عدد الوفيات في الولايات المتحدة سيبلغ 300,000 وفاة بحلول ديسمبر 2020، ولكن يمكن تخفيض هذا الرقم بشكل كبير، وإنقاذ حوالي 000,70 شخص إذا التزم 95٪ من السكان بارتداء الأقنعة كما ينبغي. علاوة على ذلك، قدمت البيانات الوبائية القادمة من 198 دولة أدلة على أن البلدان التي تفرض ارتداء الأقنعة بشكل صارم، لديها معدل وفيات أقل ناتجة عن الإصابة بكوفيد–19.

    الشكل (2) محاكاة انتقال كوفيد-19 على أساس الالتزام بارتداء القناع وفاعليته

    الشكل (2) محاكاة انتقال كوفيد-19 على أساس الالتزام بارتداء القناع وفاعليته

مع أن الدور الرئيسي للأقنعة هو منع الشخص المصاب من نقل قطرات الرذاذ المعدية الكبيرة، فإن ارتداء الأقنعة كإجراء وقائي مفيد أيضًا في تقليل مخاطر الإصابة. إذًا، ما هي أنواع الأقنعة المختلفة التي يمكن للمرء استخدامها؟ تتسم الأقنعة بقدرات  ترشيح وتنقية متفاوتة وذلك يعتمد على المواد المستخدمة في صنعها. وهنالك اعتباران أساسيان مهمان عند النظر في فعالية القناع: 1) قدرة المواد المستخدمة على التنقية و2) ملاءمة التصميم. وقد نشرت منظمة الصحة العالمية في الآونة الأخيرة أيضًا مقالاً بعنوان "نصيحة حول استخدام الأقنعة في سياق كوفيد–19". ووفقًا لهذه المعايير، يمكن تقسيم الأقنعة إلى ثلاثة أنواع رئيسية (الشكل 3).

قناع إن95

صمم هذا النوع من الأقنعة لضمان ملاصقتها للوجه بالشكل المطلوب، وتنقية وترشيح الجسيمات التي يحملها الهواء بفاعلية. تصنع أقنعة إن95 من مادة خاصة تزيل 95٪ على الأقل من حتى أصغر قطرات الرذاذ (0.3 ميكرون). كما صممت حواف القناع بحيث تشكل سدادة محكمة حول مجرى الهواء (الأنف والفم). ويشيع استخدام هذا النوع في أماكن الرعاية الصحية، ويمكن إعادة استخدام هذا النوع من الأقنعة عدة مرات، ما لم تكن رطبة أو متسخة. 

الأقنعة الطبية / الجراحية للاستخدام مرة واحدة

تعمل الأقنعة الطبية، ذات الاستخدام الواحد، كحاجز بين الشخص الذي يرتدي القناع والهواء المحيط به، مما يمنع مرتديها من إطلاق الملوثات المحتملة في الهواء. إنها فضفاضة نسبيًا، ولا تشكل الحواف سدادة حول الممرات الهوائية. وهي مصنوعة من مادة خاصة تحمي مرتديها من قطرات الرذاذ الكبيرة، الناجمة عن السعال والعطاس، مع أنها لا تشكل سدادة محكمة حول الأنف والفم، وتمنع مرتديها من نشر الرذاذ في محيطهم. وعادة ما تستخدم هذه الأقنعة لمرة واحدة، وهي فعالة في إزالة الجسيمات بنسبة 50 إلى 75٪.

الأقنعة الخاصة

تختلف الأقنعة الخاصة المصنوعة من القماش عن تلك النماذج المصنّعة بشكل احترافي. وتتميز بأنها أكثر ملاءمة ومرونة حول الفم والأنف. ويمكن أيضًا إعادة استخدامها بعد الغسيل. وتزيل بعض قطرات الرذاذ الأكبر حجمًا، وتلك التي تلتقطها أقنعة إن95. وتتمتع هذه الأقنعة بفاعلية متفاوتة لإزالة الجسيمات، تتراوح بين 30 إلى 90٪، اعتمادًا على نوعيتها والمادة المصنوعة منها.

الشكل (3) أنواع الأقنعة

الشكل (3) أنواع الأقنعة

لم تكن الفاعلية هي مبعث القلق الرئيسي حول ارتداء العامة للأقنعة، بل كيفية استخدامها. إن الاستخدام الصحيح والإدارة الصحيحة هما مفتاحا ضمان فاعلية الأقنعة (الشكل 4).

الشكل (4) إرشادات خاصة بأقنعة الوجه

الشكل (4) إرشادات خاصة بأقنعة الوجه

بسبب هذه الجائحة غير المسبوقة الناجمة عن كوفيد–19، يوجد حاليًا نقص في أقنعة إن95 والأقنعة الطبية في المستشفيات على مستوى العالم. وتبحث العديد من الدراسات الآن في إمكانية تعقيم أقنعة إن95 بأساليب تعتمد على الأشعة الميكرومغناطسية والحرارة، مع الحفاظ على سلامتها المادية والوظيفية.

ويعد أحد أكثر الحلول عملية هو أن يستخدم العامة أقنعة بسيطة من القماش. ومع ذلك، فإن فعاليتها تعتمد إلى حد كبير على تصميمها. ولكن من الواضح أن الأقنعة القماشية يمكن أن توفر - بصفة عامة - ملاءمة وتنقيةً جيدةً بوصفها إحدى أدوات الحماية الشخصية في بعض السياقات المجتمعية، ولكن النتائج تختلف حسب المادة، والتصميم، وطريقة استخدامها، والأجواء التي تستخدم فيها.

إن استخدام الأقنعة وحدها لا يمكن أن يكون فعالاً في وقف انتشار فيروس كوفيد-19. ولكن عند استخدامها مع الالتزام بالإرشادات الصارمة المتعلقة بالتباعد الاجتماعي والنظافة الشخصية، التي تفرضها السلطات المعنية، فإن الامتثال التام لاشتراطات ارتداء الأقنعة سيكون في هذه الحالة أداة قيّمة للحد من انتقال العدوى بين أفراد المجتمع، وبالتالي منع اندلاع موجة ثانية من العدوى بالفيروس.

المشاركون في هذه الدراسة:

الدروس المستفادة من تخفيف قيود الإغلاق: د. فيجاي جوبتا (باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
أقنعة الوجه لمواجهة كوفيد-19: د. نيشانت فايكات (باحث مشارك، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
مراجعة النسخة العربية: د.نور مجبور (باحث مشارك، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
المحررون: د. أدفيتي نايك (باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي) ود. ألكسندرا باتلر (باحث رئيسي، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)

لتصفح المراجع، يُرجى الضغط هنا.

 

أخبار متعلقة

تسلط الضوء على اليوم العالمي للسكري 2020

في خضم الجائحة العالمية الحالية التي نتجت عن تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، من المهم أن نركز على الحالات الطبية الشائعة والمعقدة الأخرى مثل مرضى السكري.

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة ينشران دراسة مشتركة حول أداة لتقييم خطورة فحص مقدمات السكري

اشترك علماء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة، التابعَين  لجامعة حمد بن خليفة، في نشر أول تقييم للخطورة لفحص مقدمات السكري في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد واحدةً من أعلى معدلات الإصابة بهذا المرض في العالم.