نماذج السياسة العامة وضرورياتها في العالم العربي

نماذج السياسة العامة وضرورياتها في العالم العربي

06 أكتوبر 2019

تخصص السياسة العامة سيشهد إقبالًا كبيرًا خلال العقد المقبل لأنه نقطة ارتكار للتخصصات الأكاديمية، ولكن هل لدينا معلومات كافية عنه في منطقتنا؟

نماذج السياسة العامة وضرورياتها في العالم العربي

عندما نتحدث عن السياسة العامة في العالم العربي، سيكتشف عددٌ كبيرٌ من الأشخاص أنهم قد سمعوا بالفعل عن هذا الفرع من المعرفة، ولكن ربما يتمكن عدد أقل من الارتباط به.

ولكن هذا التوجه آخذ في التغير على نحوٍ سريعٍ، حيث أصبحت الدول في جميع أنحاء العالم على درايةٍ متنامية بالخدمات التي تقدمها السياسة العامة على مستوى المجتمع المحلي والمستوى الوطني. ويحظى هذا المجال، الذي يكتسب زخمًا متزايدًا في إطار المساعي العالمية الرامية لتحقيق السلام والرخاء، بأهمية حيوية للحكومات التي لا تسعى إلى توفيق سياساتها العامة مع بوصلتها الأخلاقية فحسب، ولكنها تحاول كذلك تنفيذ أُطر عملية وشاملة لتحسين الأوضاع في مجتمعاتها.

ولا ينفصل الجانب النظري عن الممارسة العملية في هذا المجال بالنسبة للطلاب المسجلين في كلية السياسات العامة. يقول نور الدين رضوائي، الطالب في برنامج ماجستير السياسة العامة بكلية السياسات العامة في جامعة حمد بن خليفة: "القيم الأخلاقية للخدمة العامة من أهم العوامل التي يجب دراستها عند تصميم مختلف السياسات وتنفيذها. فعندما يتفهم مسؤولو السياسة العامة أن دورهم يكمن في خدمة كل فرد في المجتمع، وليس خدمة أنفسهم أو الجماعات التابعة لهم، ستكون أوضاع المجتمعات أفضل حالًا. ويجب أن يصبح موظفو الخدمة العامة قدوةً فيما يتعلق بتبني أساليب الإيثار لمساعدة مواطنيهم."

وتُعدُ القيم الأخلاقية عنصرًا حيويًا لتطوير السياسات الناجحة لأنها تُشَكل المبادئ الأساسية لأي نموذج للإدارة. تقول أسماء الفوري، الطالبة ببرنامج ماجستير السياسة العامة: "يجب أن يضع صانعو السياسات العديد من الاتجاهات في اعتبارهم عند تنفيذ السياسات، بما في ذلك الحفاظ على المعايير الأخلاقية، وضمان الشفافية، والإنصاف، والمصداقية. وهذه الاتجاهات أساسية لأي صياغة سليمة للسياسات، ويجب ألا يُنظر إليها مطلقًا باعتبارها عناصر منفصلة."

النموذج العربي: أين توجد الثغرات؟

أسماء الفوريرغم أن العالم العربي كثيرًا ما يُشار إليه باعتباره كيانًا واحدًا، إلا أنه يضم في الواقع العديد من الهويات والنماذج الإدارية المختلفة. ومن غير الوارد أن تعكس نجاحات إحدى الدول أو إخفاقاتها أوضاع الدول الأخرى. وبالنسبة لطلاب كلية السياسات العامة، يطرح تحديد العالم العربي باعتباره كيانًا متجانسًا تمامًا إشكاليةً كبيرةً.

يقول رضوائي: "لدى كل دولة من الدول العربية خصائصها الاجتماعية والاقتصادية المميزة، وهو ما يطرح تحديات مختلفة في كل دولة، ويتطلب بالتالي تبني مجموعات مختلفة من السياسات. ورغم ذلك يمكننا عمومًا أن نلاحظ أن قضايا الحكم الرشيد، والاستدامة، والتنمية الاقتصادية تُطرح للنقاش بشكلٍ متكررٍ نسبيًا. ففي منطقة الخليج، تعمل الدول على التخطيط لحقبة ما بعد النفط وتسعى للتوصل إلى طرق يمكن من خلالها الحفاظ على الرخاء للأجيال المقبلة دون الاعتماد على عائدات الطاقة. وتمتلك دول عربية أخرى أولويات مغايرة مثل التخفيف من حدة الفقر والمصالحة الاجتماعية، وهي أولويات قد تكون مختلفة تمامًا."

من جانبها، ترى أسماء الفوري أن من الضروري إصدار تشريعات لمكافحة الفساد، لأن صناع السياسات يجب ألا يعتمدوا على النزعة الأخلاقية المتأصلة لدى أفراد المجتمع أو ميلهم فطريًا لإتباع القانون. تقول أسماء: "الآثار السلبية للفساد غالبًا ما تكون متعددة ومتشعبة، إذ أنها تلحق الضرر بعامل التنافسية في الأسواق، وتؤدي إلى إساءة توزيع الموارد. والأهم من ذلك هو أن الفساد يقوض مبدأ سيادة القانون، ويقلل من كفاءة المؤسسات الحكومية، ويحد من ثقة الجماهير في السياسيين، وموظفي الهيئات العامة، وقيادات الأعمال."

مفاهيم خاطئة شائعة

يتمثل أحد الجوانب التي غالبًا ما يُساء فهمها حول هذا المجال في العالم العربي في التصور الافتراضي بأن تخصص السياسة العامة مرادف للعلوم أو القوانين السياسية. وحول ذلك، تقول أسماء: "رغم أن هذين المجاليَن يبدوان متطابقان، إلا أنهما متباعدين للغاية عن بعضهما البعض، حيث أن السياسة العامة علم تطبيقي متعدد التخصصات يوظف أدوات من العلوم السياسية، ولكن يجب ألا ينظر إليه مطلقًا باعتباره مجموعة فرعية من هذا المجال." والحال نفسه ينطبق على تخصص القانون، حيث تحتاج السياسة إلى القانون لتنفيذها، ولكنها أكبر من الاتفاقيات القانونية بمفردها. نور الدين رضوائي

ويرى رضوائي أن السياسة العامة ليست مجالًا يعتمد على الأرقام فقط، حيث يقول: "رغم أننا نستخدم حقائق إيجابية في الواقع، إلا أن القيم الأخلاقية وحتى الخرافات تؤثر على عملية صنع السياسات، ذلك أن السياسات تكون منتجًا ثانويًا، في كثيرٍ من الأحيان، للتفاعلات في المجتمع، مع وجود هدف أساسي لها يتمثل في تحقيق المصلحة العامة. وتحدد هذه القيم دور صانعي السياسات وتميزهم عن السياسيين، الذين قد يكون لديهم أهدافًا أخرى إلى جانب تحقيق المصلحة العامة."

ويبدو التغيير أمرًا حتميًا للدول التي تسعى إلى إعادة تشكيل وصياغة ممارساتها الحالية، من منظور عملية صنع السياسات، وهو ما يؤدي إلى وجود طلب طبيعي على المتخصصين في مجال السياسة العامة.

وأوضح رضوائي أن "الدول بدأت في إدراك أن الطرق التقليدية للتعامل مع التحديات العامة لم تعد فعالة، وأن هناك حاجة الآن لتبني توجهات جديدة، وهذا هو ما تقدمه السياسة العامة في منطقة الشرق الأوسط."