كيف وسَّعت جائحة كوفيد-19 من الفجوة الرقمية بين الجنسين

كيف وسَّعت جائحة كوفيد-19 من الفجوة الرقمية بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

04 أبريل 2021

عائشة القاضي، وكارينا هيرنانديز، وإيدا جاتا

كيف وسَّعت جائحة كوفيد-19 من الفجوة الرقمية بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

أدت جائحة كوفيد -19 إلى تفاقم آليات العلاقة بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد تكبد الرجال والنساء خسائر مالية، ولكن مع تعطل برامجهن التعليمية عبر الإنترنت وتزايد معدلات البطالة لديهن، عانت النساء بالإضافة إلى ذلك من فقدان الاستقلال الذاتي والسلامة والاستقلال الاقتصادي. وقد أدى ذلك إلى عدم استقرار الآليات الأسرية في المنزل، وأضاف عبئًا على النساء في إطار سعيهن للموازنة بين "العبء المزدوج" للعمل على الصعيدين الخاص والعام. وبينما يحتفي الكثيرون بدور الإنترنت باعتباره الدواء الشافي للتحديات الناجمة عن تقييد الحركة والخدمات في ظل تدابير الإغلاق، فإن الواقع المعيشي للعديد من النساء العربيات يقيد وصولهن الرقمي، ويحد بالتالي من فرصهن في الوصول إلى التعليم، وفرص كسب العيش، والحصول على الخدمات الصحية، والوصول إلى المعلومات.

تأنيث الفجوة الرقمية

أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم معدلات البطالة والفقر المرتفعة بين النساء، وباتت تهدد التقدم التدريجي الذي تحقق على صعيد سد فجوات معدلات البطالة بين الجنسين في المنطقة.

إيدا جاتاوقبل اندلاع الجائحة، كانت مشاركة النساء في سوق العمل بالمنطقة العربية ضعيفة بالفعل، حيث بلغت نسبتها 21٪ مقارنة بنسبة مشاركة الرجال التي بلغت 70٪. ومع ذلك، فقد أدت الجائحة إلى ارتفاع معدلات البطالة، لا سيَّما في القطاعات التي تركز على النساء مثل الصناعات التحويلية وصناعات الخدمات. ونتيجةً لذلك، وبالنظر إلى الأعراف الاجتماعية السائدة، زادت المسؤوليات الأسرية للمرأة، وهو ما منعها من المشاركة في الفضاءات الرقمية. وتؤكد دراسة الحياة الأسرية بعد انتشار فيروس كوفيد-19 أن الأمهات يواصلن تحمل العبء الكامل لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر في مختلف الثقافات.

وقد أثرت الجائحة أيضًا على نسبة كبيرة من النساء العاملات في الاقتصاد غير الرسمي، اللائي يمثلن نسبة 61.8٪ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتواجه هؤلاء النساء مشكلة انعدام الأمن الوظيفي لأن وظائفهن لا تسمح لهن بالعمل من المنزل، وهو ما يجعلهن محاصرين في وضع اجتماعي واقتصادي غير مواتٍ. وتكون النتيجة هي الانخفاض في تعادل القوة الشرائية للجنسين. وبشكل عام، تتاح للنساء ببساطة فرصًا أقل للوصول إلى التقنيات الرقمية عبر شراء الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب المحمولة والاتصال بالإنترنت وما إلى ذلك، وسيواصل أفقر المستخدمين الرقميين الكفاح لمواكبة أحدث التطورات التكنولوجية.

التأثير على التعليم 

كشفت الجائحة أيضًا عن اتساع الفجوة بين الجنسين من حيث الوسائل التكنولوجية التي يمتلكونها والتي يفتقدون إليها. ومن الناحية التاريخية، كانت معدلات الأمية المرتفعة بين الإناث في المنطقة واحدة من القيود التي تعوق وصول المرأة إلى المعلومات عبر المنصات الإلكترونية. ويؤكد التحول السريع إلى المجال الرقمي على أهمية محو الأمية الرقمية مع اضطرار المزيد من النساء إلى العمل عبر الإنترنت مع مواجهتهن لصعوبات في التكيف مع هذا الوضع. ولا تتمتع النساء الأخريات اللائي يعملن في الصناعات التحويلية والخدمية بهذه الميزة.

عائشة القاضيوبالنسبة للفتيات الصغيرات، وهن فئة مهمشة بالفعل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تطمس تدابير الإغلاق الخط الفاصل بين مسؤولياتهن المنزلية والشخصية أو التعليمية وتؤثر على تعليمهن. ونظرًا لتكليفهن بأدوار محددة اجتماعيًا على أساس الجنس تتطلب منهن أداء الأعمال المنزلية، يعني البقاء في المنزل أن الكثيرين منهن يخاطرن بعدم تلقي دروسهن عبر الإنترنت بسبب العمل المنزلي، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث فجوات تعليمية.

بالإضافة إلى ذلك، قد تعاني الكثير من الفتيات من عدم المساواة في إمكانية استخدام أجهزة الحاسوب المحمولة في المنازل، إلا أن الأعراف الاجتماعية السائدة في المنطقة التي تملي تحركات الفتيات داخل المجتمع قد تحد كذلك من فرصهن في الوصول إلى خدمات الإنترنت خارج المنزل لحضور مقرراتهن الدراسية. وتقل خيارات ذهاب الفتيات الصغيرات إلى مقاهي الإنترنت مقارنة بالفتيان، وهو ما يسلط الضوء أيضًا على قضية وصول النساء المحدود إلى الأماكن العامة وحصرهن داخل مساحاتهن الخاصة.  

العنف القائم على النوع الاجتماعي

خلال تدابير الإغلاق، أبلغت النساء عن حدوث ارتفاع في معدلات العنف الأسري الذي اتخذ أشكالاً جديدة. وتُعزل النساء مع من يسيئون إليهن دون الحصول على الخدمات والدعم بسبب تدابير التباعد الاجتماعي. وتتكرر أنماط وسلوكيات العنف القائم على النوع الاجتماعي في الفضاءات الرقمية، وهو ما يؤدي إلى حدوث ما يُنظر إليه باعتباره "جائحة العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت". وتخضع النساء للمراقبة التي تفرضها الدولة، سواء باستخدام "بيانات النساء ضدهن، واعتقال وإسكات أولئك اللائي يعبرن عن آراء معارضة"، حسبما ذكر تقرير منظمة أوكسفام لعام 2020 الصادر بعنوان "المطالبة بالعالم الرقمي واستعادته كفضاء عام". وبالمثل، لا تزال النساء يعانين من التحرش الجنسي والتنمر عبر الإنترنت، والتعليقات والرسائل التي تلقي باللوم على الضحية. وقد تؤدي مثل هذه الممارسات إلى تخلي النساء عن الفضاءات الرقمية، وفقدان الفرصة للمطالبة بفضاء عام يمكن أن يسهل النشاط عبر الإنترنت، وتعزيز أواصر التضامن، والدعم المتبادل.

ما بعد الجائحة 

كارينا هيرنانديزإذا ما نظرنا إلى هذه الأمور معًا، يتضح أن جائحة كوفيد-19 تعمل على تضخيم الفجوة الرقمية بين الجنسين، مع تأثيرها بشكل أكبر على الفئات المهمشة بالفعل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك النساء العربيات. وتساهم الفجوة التعليمية، والتقسيم الإداري للمناطق إلى مناطق ريفية وأخرى حضرية، والأمن المالي، والاختلافات بين الأجيال في زيادة الفجوة الرقمية، وهو ما يؤثر في الوقت نفسه على إمكانية الوصول إلى التعليم والتوظيف والخدمات الصحية والمعلومات وإسكات أصوات النساء في الفضاء الرقمي بشأن القضايا التي تؤثر عليهن أكثر من غيرها، وبالتالي تعزيز مظاهر غياب المساواة الاجتماعية.

وقد أصبح الفضاء الإلكتروني نفسه منقسمًا، حيث تطالب بعض النساء بالحصول على الدعم من النساء الأخريات. ورغم أن التضامن النسائي القوي دفع النساء إلى ما نحن عليه اليوم، إلا أنه يجب إنشاء فضاء شامل بحيث يمكن للنساء دمج الرجال في الجهود التي يبذلنها. ومن الضروري توعية الرجال والفتيان بالعنف عبر الإنترنت لتغيير الأعراف الاجتماعية التي تعزز العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة. ويجب أن تسترشد الجهود الفعالة المبذولة لسد الفجوة الرقمية بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والاستجابات المناسبة للحكومات العربية والجهات الفاعلة الإقليمية وجميع الأطراف المعنية بوضع السياسات، بنهج متعدد الجوانب وشامل وحساس ثقافيًا في الوقت نفسه، مع مراعاة الواقع الذي تعيشه المرأة العربية. وبخلاف ذلك، فإن التقدم الذي حققته المرأة حتى الآن معرض للخطر بسبب هذه الفجوة الرقمية المتزايدة بين الجنسين.

عائشة القاضي وكارينا هيرنانديز جارسيا وإيدا جاتا خريجات برنامج ماجستير الآداب في دراسات المرأة في المجتمع والتنمية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.