الباثولوجيا المناعية والتشخيص بالتصوير المقطعي في حالات كورونا
Hamad Bin Khalifa University

التميز الباثولوجيا المناعية والتشخيص بالتصوير المقطعي في حالات كورونا الشديدة

رؤية مقدمة من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

بينما تظهر أعراض خفيفة على غالبية مرضى فيروس كورونا (كوفيد-19)، فإن حوالي 20٪ من المرضى يصابون بإلتهاب رئوي حاد يمكن أن يؤدي إلى فشل تنفسي. في حلقة هذا الأسبوع، يناقش خبراء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي التنشيط المفرط للجهاز الدفاعي المناعي وتشخيص الالتهاب الرئوي بواسطة الأشعة المقطعية المحوسبة في حالات كوفيد-19 الشديدة.

الأداء المناعي في حالات كوفيد-19 الشديدة

يمكن تصنيف العناصر الرئيسية لجهاز المناعة البشري على النحو الواضح في (الشكل 1):
(1) العناصر القيادية:  التي تحدد نضوج وتوجه الخلايا المناعية  ذات الصلة بـ (الخلايا التائية / الخلايا اللمفاوية "CD4+ T-cell")
(2) المقاتلون: الذين يحاربون ضد العدوى الشرسة بجزيئات سامة للخلايا (خلية تائية سامة للخلايا "CD8+ T-cell") أو بواسطة الأجسام المضادة (خلايا B / الخلايا الليمفاوية)
(3) المهدئات: لمنع الجهاز المناعي من النشاط المفرط (خلايا تائية تنظيمية "T-cell/‘Treg’")
(4) الناقلون: ينقلون معلومات عن الأجسام المقتحمة للخلايا التائية (الخلايا التغصنية والخلايا البالعة)
(5) خلايا مناعية أخرى (مثل الخلايا المتعادلة والخلايا الفاتكة الطبيعية)

وقد تم توضيح عواصف السيتوكينات التي تحدث لمرضى كوفيد-19 في السابق، ويمكن الرجوع للمقال من خلال الرابط. ومع عاصفة السيتوكينات، تحدث الاستجابة المناعية المفرطة النشاط، التي تؤدي إلى تلف شديد في الأنسجة، والتهاب رئوي، وزيادة في احتمال خطر الوفاة.

أظهرت العديد من الدراسات انخفاضًا في مستوي الخلايا الليمفاوية الكلية والخلايا التائية وخلايا (B) والخلايا الفاتكة الطبيعية لدى مرضى كوفيد-19، خاصة في الحالات الشديدة التي تحتوي على مستويات أقل من الحالات الخفيفة. علاوة على ذلك، يعاني المرضى المصابون بعدوى كوفيد-19 الشديدة (التي يحددها الالتهاب الرئوي) أيضًا من مستويات مرتفعة من الخلايا المتعادلة والسيتوكينات مثل إنترلوكين (IL) -6 و IL-10 وIL-2 و(IFN) -γ. وأظهرت دراسة حديثة، تقارن بين سمات خلايا (CD4 +) وخلايا (CD8+ T-cells) في الدم المحيط لدى مجموعات من المصابين بفيروس كوفيد-19 من الحالات الخفيفة والشديدة في الأسبوعين الأول والثالث من المرض، وبيّنت زيادة في تنشيط خلايا (CD4+) و خلايا (CD8+ T-cells) في المجموعة التي تعاني من إصابة شديدة، مقارنة بتلك الموجودة في المجموعة ذات الإصابة المعتدلة في أسبوعها الثالث. وعلى الرغم من أن السيتوكينات مثل IFN-γ وIL-2 وIL-4 لم تكن مختلفة عند مقارنة المجموعتين، فقد ظهرت الجزيئات السامة للخلايا، بما في ذلك بيرفورين وجرانزيم بي، في مستويات أعلى في كل من خلايا (CD4+) و(CD8+ T-cells) لدى المجموعة شديدة الإصابة. وفي المقابل، تم تخفيض (Tregs) المناعي الكابح في مجموعة كوفيد-19 شديدة الإصابة، مقارنة بالمجموعة ذات الإصابة المعتدلة.

وتشير هذه النتائج، مجتمعة، إلى أن الجهاز المناعي لدى مرضى كوفيد-19 من ذوي الإصابات الشديدة يتحول إلى مقاتل أكثر شراسة مستخدمًا أسلحة سامة للخلايا، متجنبًا المهدئات التي يمكن أن تثبط الاستجابة المناعية مفرطة النشاط. لكن عدد الأفراد الذين تم تقييم حالاتهم في هذه الدراسة كان صغيرًا جدًا، لذا يتطلب الأمر تكرار التقييم على مجموعات أوسع، ومع ذلك، تم إبداء ملاحظات مماثلة ضمن دراسات أخرى. أفادت دراسة أجريت على بيانات تسلسل الحمض النووي الريبوزي أحادي الخلية من سوائل غسل قصبي نسخي لمرضى كوفيد-19 من ذوي الإصابات المعتدلة والشديدة، وجود خلايا (CD4+ T) شديدة النشاط مع انخفاض في (Tregs) في الرئتين مما أدى إلى تلفهما. وقد ثبتت أيضًا حالة التنشيط المفرط للجهاز المناعي من خلال مؤشرات التنشيط والإرهاق الحادتين.

ومن غير المفهوم تمامًا حتى الآن سبب سرعة حدوث العدوى بفيروس كوفيد-19 نتيجة فرط الاستعداد المناعي الخطير لدى بعض المرضى،  علما بأن المشاكل المصاحبة، مثل تقدم العمر والأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، من المحتمل أن تُساهم في ضعف جهاز المناعة و / أو تتسبب في خلل وظيفي.

من ناحية أخرى، تُجرى العديد من التجارب السريرية حاليًا بهدف تقييم فاعلية إعادة استخدام الأدوية المناعية بغرض علاج مصابي كوفيد-19. أحد هذه الأدوية المحتملة هو توكليزوماب، كمثبط للسيتوكينات (IL-6)، وهو علاج يُستخدم بشكل عام لعلاج الأمراض ذاتية المناعة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي. وتبين دراسة إيطالية أن العلاج باستخدام توكليزوماب يساعد في الحد من الحاجة إلى التنفس الصناعي ويُخفض معدل الوفاة في حالات كوفيد-19 الشديدة، لكن لا تزال فعاليته بحاجة إلى تأكيد من خلال التجارب المستمرة. على الرغم من ذلك، فإن المعضلة المتمثلة في ضمان توفر الاستجابة المناعية الوظيفية مع منع التنشيط المفرط لا يزال يتعين معالجتها لتحسين إدارة حالات كوفيد-19 الشديدة.

الشكل (1) الاستجابة المناعية للعدوى الفيروسية

الشكل (1) الاستجابة المناعية للعدوى الفيروسية

التصوير المقطعي المحوسب كطريقة تشخيصية تكميلية لفيروس كوفيد-19

على الرغم من أن اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل اللحظي لكوفيد-19 لا يزال يمثل وسيلة التشخيص المعيارية الذهبية، فقد أبرزت عدة تقارير دور التصوير المقطعي المحوسب كأداة قيّمة لتشخيص كوفيد-19، وهو واحد من أكثر منهجيات التصوير الطبية انتشارًا، ويستخدم سلسلة من صور الأشعة السينية لإنتاج صورة مقطعية لأعضاء جسم الإنسان، كما يتضح في (الشكل 2). بالإضافة إلى أدائها وبساطتها، يمكن للأشعة المقطعية اكتشاف الرئة غير الطبيعية بسرعة، وتمكين التشخيص التصويري المقطعي في المرحلة المبكرة من المرض.

من ناحية أخرى، أشارت دراسة، أجريت على 81 مريضًا في مدينة ووهان الصينية، إلى أن الالتهاب الرئوي المرتبط بكوفيد-19، وهو أحد سمات الأعراض الشديدة للمرض، قد يتجلى بواسطة التصوير المقطعي غير الطبيعي، حتى في مرحلة مبكرة بدون أعراض. وفي المراحل المبكرة من العدوى، أظهر المرضى عتامة كمظهر (الزُّجاج المُغشى) أحادية الجانب متعدّدة البؤر على الأشعة المقطعية الخاصة بالرئتين، ومع تقدم المرض، تصبح العتامة أكثر انتشارًا وتُلاحظ في كلتا الرئتين. في الواقع، أثبتت الأشعة المقطعية قيمتها الكبيرة لدى العديد من المرضى الذين ظهرت عليهم نتائج سلبية كاذبة لاختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل اللحظي. وكشف فحص الأشعة المقطعية، الذي أجري على مجموعة من المرضى الصينيين المشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، ممن كانت نتيجة اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل اللحظي الأولى سلبية لديهم، أن نسبة كبيرة من الحالات الإيجابية وفقًا للتصوير المقطعي قد أصيبت بالمرض بناءً على نتائج تفاعل البوليميراز المتسلسل اللحظي الإيجابية اللاحقة. علاوة على ذلك، أظهر قرابة 40٪ من الحالات تحسنًا في فحوصات متابعة الأشعة المقطعية قبل النتيجة السلبية التي يشير إليها تفاعل البوليميراز المتسلسل اللحظي، ما يشير إلى أن فحوصات التصوير المقطعي المحوسب قد تكون أيضًا مؤشرًا مبكرًا على مدى شدة المرض.

وقد أفادت دراسة حديثة أخرى أن حوالي 90٪ من مرضى كوفيد-19 المشتبه بهم أظهروا معدلاً مرتفعًا من الالتهاب الرئوي الفيروسي عندما خضعوا للتصوير المقطعي للصدر. وكشفت دراسة صينية أخرى أجريت على 36 مريضًا تبيّن بالتشخيص إصابتهم بالالتهاب الرئوي الناتج عن كوفيد-19، أن جودة فحوصات التصوير المقطعي كانت 97.2٪، في حين كانت 84.6% في اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل اللحظي.

بناءً على صور الأشعة المقطعية، اقترحت بعض المشاريع البحثية التي أجريت مؤخرًا نموذجًا للذكاء الاصطناعي للتمييز بين كوفيد-19 والالتهاب الرئوي الناجم عن أنواع أخرى من الفيروسات. وكشف النموذج الحسابي عن حساسية 90٪ نوعية 95٪ فيما يتعلق بالكشف عن كوفيد-19. بالتالي، فإن الجمع بين التصوير المقطعي المحوسب والتقييم السريري والمخبري يمكن أن يوفر تشخيصًا مبكرًا من شأنه أن يستدعي التدخل المناسب لعلاج حالات كوفيد-19 الشديدة.

وفقًا للتوصيات الحالية لمنظمة الصحة العالمية، يُوصى بإجراء تصوير مقطعي محوسب على الصدر في الحالات التي لا يتوفر فيها اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل اللحظي، أو يتوفر الاختبار ولكن استحصال النتائج قد  يتأخر، أو حين يكون الاختبار الأولي سلبيًا، ولكن هناك شكوك عالية باحتمالية الإصابة بفيروس كوفيد-19. في حين أن توافر عمليات التصوير المقطعي المحوسب بشكل واسع النطاق وسريع تعتبر مفيدة خلال هذه الجائحة، إلا أن غياب  نوعية الاختبار، والحاجة إلى التأكد من خلال اختبارات تشخيصية بديلة، وفكرة تعريض المرضى لجرعة من الاشعة بالإضافة لكونه اختبار غير مقبول لفحص للنساء الحوامل والأطفال الصغار يجعل منه اختبارًا محدود الفاعلية. 

الشكل (2) التشخيص القائم على التصوير المقطعي المحوسب لحالات كوفيد-19

الشكل (2) التشخيص القائم على التصوير المقطعي المحوسب لحالات كوفيد-19
تم الوصول إلى الصور من: الرابط

المشاركون في هذه الدراسة:

الأداء المناعي في حالات كوفيد-19 الشديدة: د. يوشي كوباياشي (باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
التصوير المقطعي المحوسب كطريقة تشخيصية تكميلية لكوفيد-19: د. عفيف بن محمود (باحث مشارك، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
رسومات توضيحية: د. يوشي كوباياشي
مراجعة النص العربي واعتماده: د. نور مجبور (باحث مشارك، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
المحررون: د. أدفيتي نايك (باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي) ود. ألكسندرا باتلر (باحث رئيسي، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)

لتصفح المراجع، يُرجى الضغط هنا.

 

أخبار متعلقة

تسلط الضوء على اليوم العالمي للسكري 2020

في خضم الجائحة العالمية الحالية التي نتجت عن تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، من المهم أن نركز على الحالات الطبية الشائعة والمعقدة الأخرى مثل مرضى السكري.

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة ينشران دراسة مشتركة حول أداة لتقييم خطورة فحص مقدمات السكري

اشترك علماء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة، التابعَين  لجامعة حمد بن خليفة، في نشر أول تقييم للخطورة لفحص مقدمات السكري في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد واحدةً من أعلى معدلات الإصابة بهذا المرض في العالم.