أبحاث السكري في عصر الطب الدقيق وجائحة كوفيد-19

أبحاث السكري في عصر الطب الدقيق وجائحة كوفيد-19

06 يناير 2021

أبحاث السكري في عصر الطب الدقيق وجائحة كوفيد-19

يُشَكِل داء السكري أحد أهم التحديات التي تواجه قطاع الرعاية الصحية في قطر ويُعدُ من أبرز الأولويات لهذا القطاع، حيث يبلغ معدل انتشاره حاليًا 17٪، وهو ضعف متوسط الانتشار العالمي. وتندرج عشرة بالمائة من حالات الإصابة بالسكري في قطر تحت النوع الأول و90٪ تحت النوع الثاني. ويعاني 20٪ من سكان دولة قطر من مقدمات السكري، مع وجود مخاطر عالية لتعرضهم للنوع الثاني من داء السكري.

ومن بين العوامل الرئيسية لظهور مقدمات السكري والإصابة بالنوع الثاني من داء السكري زيادة الوزن والسمنة. ويعاني حوالي 70٪ من سكان قطر من زيادة الوزن، بينما يتعرض حوالي 40٪ منهم لمرض السمنة. وهناك مصدر قلق آخر يتمثل في المضاعفات الوعائية لمرض السكري، التي يمكن أن تسبب تلفًا في الكلى وشبكية العين والأعصاب الموجودة في الذراعين والساقين، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وتتراوح نسبة انتشار مضاعفات الأوعية الدموية ما بين 30-40٪ بين المرضى المصابين بداء السكري.

ويستعرض الدكتور بول ثورنالي، المدير العلمي لمركز بحوث السكري في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة، في هذا الجزء من المقال التطورات الرئيسية في أبحاث مرض السكري، لا سيَّما فيما يتعلق بالأبحاث التي تُجرى في مركز بحوث السكري التابع لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي.

التشخيصات المبتكرة والمستجدة في بحوث السكري

يستكشف معهد قطر لبحوث الطب الحيوي إمكانية استخدام المؤشرات الحيوية النسخية والبروتينية والأيضية لتشخيص المرضى المعرضين لخطر الإصابة بمرض اعتلال الكلى السكري مع التدهور السريع في وظائف الكلى. كما يجرى المعهد أبحاثًا حول المؤشرات الحيوية لتشخيص الأمراض المصاحبة لداء السكري، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية والخرف، ويتعاون مع فرق في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة، ومؤسسة حمد الطبية، ووايل كورنيل للطب في قطر. وقد طور باحثو المعهد، بالتعاون مع باحثين من معهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة، أداة لتقييم مخاطر مقدمات الإصابة بالسكري في قطر تستخدم عوامل الخطر التي تخضع للقياس بشكل غير توسعي بدلاً من إجراء فحوصات الدم لفحص مقدمات السكري.

وكثيرًا ما يُنظر إلى مرض اعتلال الكلى السكري باعتباره أكثر المضاعفات الوعائية المخيفة لمرض السكري. ويتعرض مريض واحد من بين كل ثلاثة مرضى مصابين بالنوع الثاني من داء السكري لاحتمالات مرتفعة من الإصابة بمرض اعتلال الكلى السكري، مع انخفاض سريع في وظائف الكلى، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حاجة المريض لغسيل الكلى وعمليات زراعة الكلى. وليس من الممكن حاليًا التعرف على هؤلاء المرضى في مرحلة مبكرة من الإصابة بالمرض، وهي مرحلة يكون العلاج الدوائي فيها أكثر فعالية.

لذلك، عندما يتعرض المرضى المصابون بالنوع الثاني من داء السكري في الوقت الحالي لمؤشرات مبكرة تدل على ضعف الكلى، من خلال زيادة الألبومين البولي أو البيلة الألبومينية الدقيقة، يحصل هؤلاء المرضى على جميع الأدوية التي تحمي الكلى. وقد تعرف معهد قطر لبحوث الطب الحيوي على المؤشرات الحيوية التي توفر دليلاً قويًا وحاسمًا على هوية المرضى الذين قد يتعرضون للإصابة بمرض اعتلال الكلى السكري مع التدهور السريع في وظائف الكلى. ويعمل المعهد على تعزيز التحقق من هذه المؤشرات الحيوية، التي يمكن استخدامها بعد ذلك لتوجيه العلاج الدوائي إلى المرضى المصابين بالنوع الثاني من داء السكري الذين هم في أمَّس الحاجة إليه، عبر استخدام أساليب الطب الدقيق لعلاج المرضى المصابين بمرض اعتلال الكلى السكري. 

التقدم في استخدام الخلايا الجذعية البشرية متعددة القدرات في أبحاث السكري

يعكف معهد قطر لبحوث الطب الحيوي على دراسة الخلايا الجذعية البشرية متعددة القدرات للتعرف على الآليات الجزيئية الكامنة وراء حدوث مرض السكري وإنتاج خلايا بيتا وظيفية في البنكرياس لاستخدامها في علاج السكري. وقد أنشأ المعهد مشروعًا كبيرًا للتعاون البحثي مع معهد هارفارد للخلايا الجذعية، وتدرس المشاريع البحثية آليات إنتاج خلايا بيتا المنتجة للأنسولين من الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات، والاستجابات المناعية لدى المرضى المصابين بالنوع الأول من داء السكري، والخلل في خلايا بيتا الناجم عن حدوث طفرة جينية نادرة اكتُشفت لدى السكان القطريين. 

وسوف يستفيد هذا المشروع المشترك، الذي يستمر لخمس سنوات بالتعاون مع معهد هارفارد للخلايا الجذعية، من الخبرة المتكاملة الفريدة الموجودة في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد هارفارد للخلايا الجذعية، وسيمكن الباحثين المتخصصين في إجراء البحوث المتعلقة ببيولوجيا الخلايا الجذعية والسكري وعلم الجينوم والبيولوجيا الهيكلية من التعاون واستخدام الأدوات المتنوعة لتمييز وظيفة عوامل النسخ التي تظهر أثناء نمو البنكرياس، وتؤدي دورًا حيويًا في وظائف خلايا بيتا. وستُجرى التجارب السريرية المترتبة على هذه الاتفاقية مع الجهات المتعاونة مع معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، مثل مؤسسة حمد الطبية ومركز سدرة للطب.

جائحة كوفيد-19 وأبحاث السكري في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

منذ المراحل الأولى لانتشار الجائحة، اتضح أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو السكري معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بأعراض خطيرة ومهددة للحياة بفعل فيروس كوفيد-19. ويرتبط الفيروس المسبب لهذه الجائحة، وهو فيروس SARS-CoV-2، بالإنزيم المحَوِل للأنجيوتنسين 2 لمساعدته على الدخول إلى الخلايا. ويصيب هذا الفيروس خلايا الرئة، وكذلك الخلايا التي تعاني من خلل وظيفي في حالة الإصابة بمرض السكري، بما في ذلك خلايا الأوعية الدموية والكلى. وقد أعاد معهد قطر لبحوث الطب الحيوي تركيز جهوده لدراسة كيفية تأثير فيروس كوفيد-19 على المصابين بمرض السكري ووضع استراتيجيات لتشخيصات التنبؤ بالمخاطر، وإعادة استخدام الأدوية المقاومة للسرطان في علاج الفيروس، وإعادة استخدام مكمل غذائي جرى تطويره لتصحيح مقاومة الأنسولين ومنع حدوث النوع الثاني من داء السكري للوقاية من التدهور في وظائف الرئة والوقاية من فيروس كوفيد-19. ولا تزال هذه الدراسات متواصلة.

ويستعرض الدكتور بول ثورنالي  في هذا الجزء من المقال التطورات الرئيسية في أبحاث مرض السكري بدولة قطر خلال عام 2020 وتأثير جائحة كوفيد-19.

منتدى قادة السكري 2020 

في شهر فبراير 2020، نظمت وزارة الصحة العامة في قطر منتدى قادة السكري، بالتعاون مع المعهد الوطني للسكري والسمنة وأمراض الأيض، ومؤسسة حمد الطبية، ومؤسسة الرعاية الصحية الأولية، والجمعية القطرية للسكري. واستعرض المنتدى التقدم الذي تحقق منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمرض السكري 2016-2022، وناقش خطة العمل الاستراتيجية للعامين المقبلين، وإطلاق الأجندة الوطنية لأبحاث مرض السكري، وعوامل خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية. وأكد المنتدى على أهمية البرنامج الوطني للوقاية من النوع الثاني من داء السكري، الذي يشتمل الآن على دورٍ متنامٍ فيما يتعلق بتخفيف أعراض النوع الثاني من داء السكري في المرحلة المبكرة من الإصابة بالمرض، كما شدد على الحاجة إلى إجراء المزيد من البحوث لفهم آليات الإصابة بالمرض.

دراسة مهمة حول تخفيف أعراض النوع الثاني من داء السكري عن طريق التدخل المكثف في نمط الحياة

في شهر يونيو 2020، نُشرت نتائج دراسة "النظام الغذائي المعزز للتدخل في علاج داء السكري وتعزيز التمثيل الغذائي"، التي أجراها باحثون في المعهد الوطني للسكري والسمنة وأمراض الأيض، بالتعاون مع مؤسسة حمد الطبية، ومؤسسة الرعاية الصحية الأولية. وتناولت الدراسة بالتفصيل تجربة سريرية للمرضى الذين يعانون من النوع الثاني من داء السكري في غضون ثلاث سنوات من تشخيص إصابتهم بالمرض، حيث قارنت بين آثار استبدال وجبة غذائية منخفضة السعرات الحرارية متبوعة بإعادة تقديم الطعام وزيادة النشاط البدني للحفاظ على معدل فقدان الوزن، مع تقديم الرعاية الطبية المعتادة. وكانت النتائج الرئيسية للدراسة هي تراجع أعراض الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري لدى 61٪ من المشاركين وانخفاض معدل السكر في الدم لدى 33٪ من المشاركين في مجموعة دراسة التدخل بعد 12 شهرًا.

وقد برز تخفيف أو إخفاء أعراض النوع الثاني من داء السكري الآن كخيار علاجي رئيسي. ويرتبط هذا النوع من العلاج بانخفاض ترسب الدهون في الكبد والبنكرياس ورفع مقاومة الأنسولين الكبدي. وإذا أمكن تخفيف أعراض السكري وتعزيز هذا النهج على المدى الطويل لمجموعة أكبر من المرضى الذين يعانون من النوع الثاني من داء السكري، فسوف يُمثل ذلك إنجازًا رائعًا ونقطة تحول رئيسية في علاج داء السكري.

ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف من أن هذا النهج قد لا يكون فعالاً لجميع المرضى. وعلاوة على ذلك، فإن  نهج تخفيف أعراض النوع الثاني من داء السكري لا يصحح مقاومة الأنسولين في العضلات الهيكلية، وهو العامل الرئيسي لحدوث هذا المرض. وقد توفر التدخلات الأخرى لمكافحة داء السكري، مثل التدخلات الدوائية مع المكملات الغذائية أو الأدوية، مزيدًا من الدعم للوقاية من النوع الثاني من داء السكري وتخفيف أعراضه. ولا تزال هذه الأساليب العلاجية تخضع للبحث حاليًا في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي. ومن المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى اتباع العديد من الأساليب العلاجية لمنع حدوث النوع الثاني من داء السكري وتعزيز عملية تخفيف أعراضه في قطر.

أبحاث السكري والأساليب المستجدة في الطب الدقيق

الطب الدقيق هو مفهوم يتضمن تصميم خدمات الرعاية الصحية بشكل خاص مع اتخاذ قرارات بشأن العلاج والرعاية المصممة خصيصًا للفرد. ويعتمد هذا النوع من العلاج على المخاطر المتوقعة لإصابة أحد الأفراد بالمرض أو الاستجابة لنهج علاجي محدد.

ويتطلب تطبيق الطب الدقيق قياس مخاطر الإصابة بالأمراض ومؤشرات الاستجابة للعلاج أو "المؤشرات الحيوية". وقد تكون المؤشرات الحيوية عبارة عن تعدد الأشكال الجينية أو البروتينات أو المستقلبات أو مؤشرات أخرى. ويُسهل الوصول إلى العينات السريرية عبر مبادرة قطر بيوبنك وبيانات التسلسل الجيني عبر برنامج قطر جينوم بشكل كبير من تقدم البحوث الرامية لتطوير الطب الدقيق في قطر. وقد اندمجت مبادرة قطر بيوبنك مع برنامج قطر جينوم، مؤخرًا، لتكوين معهد قطر للطب الدقيق؛ بهدف تعزيز هذه الجهود. 

ملاحظات ختامية

يتطلع معهد قطر لبحوث الطب الحيوي إلى إجراء المزيد من الدراسات في مجال الطب التحويلي للمساعدة في تطبيق نهج الطب الدقيق لرعاية وعلاج الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري والمرضى الذين يعانون من هذا المرض المعرضين لخطر الإصابة بمضاعفات الأوعية الدموية والأمراض المصاحبة للسكري في قطر. ويوظف الباحثون في مركز بحوث السكري براعتهم ومهاراتهم في تطوير أدوات جديدة تهدف إلى التنبؤ بالمخاطر والوقاية من الإصابة بداء السكري وفيروس كوفيد-19 وعلاجهما.

الدكتور بول ثورنالي هو المدير العلمي لمركز بحوث السكري في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.