الهيئة: كلية السياسات العامة
باندا آتشيه، إندونيسيا، 01/06/2025 حقوق النشر: فرانس ديليان Shutterstock.com

في شهر فبراير 2023، تسبب زلزال بقوة 7.8 ريختر في جنوب-ووسط تركيا في وفاة أكثر من 53 ألف شخص، وقدرت التكلفة الإجمالية لأضراره بقيمة 9% من الناتج المحلي الإجمالي. وبعد أقل من عامين من الزلزال المدمر، تسببت حرائق الغابات التي دمرت أجزاء من مدينة لوس أنجلوس في إحداث أضرار وخسائر تجاوزت قيمتها 250 مليار دولار أمريكي. وأما في عام 2024، كلفت الكوارث الطبيعية وتقلبات الطقس المجتمع العالمي 417 مليار دولار أمريكي؛ وعالميًا، لا يزال عدد حالات الطوارئ، والكوارث، والأزمات في تزايد.

تُستخدم كلمة الطوارئ للإشارة إلى "الحوادث الفجائية، والتي يمكن التنبؤ بها، وتحدث ضمن نطاق ضيق وبشكل منتظم"، أما الكوارث فتشير "للوفيات والأضرار الجسيمة والمستمرة في الممتلكات والبنية التحتية"، في حين تعرف الأزمات بكونها "تهديد خطير للهياكل الأساسية أو قيم النظم الاجتماعية"، وينظر إلى الكوارث على أنها "أحداث استثنائية يُرجح حدوثها، ويترتب عليها أضرار كبيرة، وتحدث بسرعة لدرجة أنها تبدو غير متوافقة مع ما قبلها من أحداث"، ولا يمكن أن يتم اعتبار أي حالة طارئة أو كارثة على أنها أمر صغير أو أقل هين، إلا أن تصنف أقل خطورة كم الأزمات والكوارث نظرًا لكونهما يؤثران على عدد أكبر من الأشخاص ولديهما القدرة على قلب موازين الهياكل الاجتماعية السابقة – بشكل مؤقت أو دائم. 

ولتوضيح ذلك أكثر، أطرح أربعة أمثلة على الكوارث الطبيعية التي تطورت إلى أزمات كارثية: أولًا، تسونامي المحيط الهندي في ديسمبر 2004، والذي صنف على أنه أخطر كارثة حدثت في القرن الواحد والعشرين، حيث ضرب زلزال بقوة 9.2 ريختر سواحل شمال إندونيسيا، وتسبب في حدوث تسونامي أسفر عن مقتل أكثر من 220,000 شخص في عدة دول مجاورة. وفي عام 2024، صرحت هيئة المسح الجيولوجي البريطانية أنه لو كانت أنظمة الإنذار المبكر موجودة، لكان من الممكن إنقاذ نحو 80,000 شخص في الهند وسريلانكا وتايلاند.

وبعد ثلاثة أسابيع فقط، عُقد المؤتمر العالمي للحد من الكوارث في محافظة هيوغو اليابانية، وأثمر هذا المؤتمر عن إنشاء إطار عمل هيوغو (2005-2015)، الذي حل محل استراتيجية يوكوهاما لعام 1994، فعلى عكس استراتيجية يوكوهاما، ركز إطار عمل هيوغو على ضرورة العمل الممنهج عالميًا، ومعالجة التحديات المتعلقة بأطر حوكمة الدول، وتحديد المخاطر، والرصد، والإنذار المبكر، والتعليم، والجاهزية.

وفي أغسطس 2005، ضرب إعصار كاترينا مدينة نيو أورلينز، حينها لم يغرق جزء كبير من المدينة فحسب، بل فقد نحو 1400 شخص حياتهم، وأضحت هذه الكارثة أزمة ذات أبعاد كارثية بعد فشل أنظمة مدينة نيو أورلينز والوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ الأمريكية في الاستجابة المبكرة؛ فعلى الرغم من وجود إطار عمل هيوغو، إلا أن الالتزام العالمي به لم يتخطى حيز التنفيذ.

وفي يناير 2010، ضرب زلزال بقوة 7.0 ريختر أطراف بورت أو برنس في هايتي، مما تسبب في مقتل 222,000 شخص خلال الأيام والأسابيع التي تلته، وبلغت تكلفة الزلزال 120% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وباعتبارها أفقر دولة في نصف الكرة الغربي، سرعان ما تم التجاوز عن هيكل الحوكمة الضعيف في هايتي، وبيئتها السياسية الاجتماعية الهشة، وقدرات الاستغاثة شبه المعدومة. كما تفاقمت معاناة هايتي عندما نقلت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة – وحدة أُرسلت لتقديم المساعدات في هايتي - عدوى الكوليرا في أكتوبر 2010، وتسببت الكوليرا في وفاة 9,700 شخص وأصيب بها حوالي 820,000 شخص. وفي الخمسة عشر عامًا التي تلت الزلزال، أصبحت هايتي أكثر هشاشة، وبحلول الـ 17 أبريل 2025، نشرت قناة الجزيرة تقريرًا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت فيه إن هايتي كانت في "انحدار" حيث سيطرت العصابات الإجرامية على 90% من العاصمة.

ومع ارتفاع درجات الحرارة عالميًا، يزداد معدل، وتواتر، وتأثير الأعاصير والعواصف، كما يزداد ضعف الجزر الصغيرة في جنوب المحيط الهادي والكاريبي؛ ففي الفترة ما بين عامي 1987 و2023، كان متوسط التكلفة الإجمالية للإعصار في جمهورية فانواتو يمثل 18.9% من ناتجها المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن ترتفع تكاليف الأعاصير السنوية في فانواتو إلى 21-22% من الناتج المحلي الإجمالي في حال ارتفعت درجات حرارة المحيطات بمقدار 0.6 درجة مئوية، وإلى نسبة 23-26% من الناتج المحلي الإجمالي إذا ما زادت درجات الحرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية. كما دمر إعصار إيرما الذي بلغت سرعته 290 كم/س جزر أنتيغوا وبربودا في سبتمبر 2017، محطمًا أكثر من 90% من منازلها، وتجاوزت تكلفته ما يقارب 222 مليون دولار أمريكي أو 14.9% من ناتجها المحلي الإجمالي لعام 2016.

ولا يمكن لأي بلد، مهما بلغت ثروته، أن يتحمل تكاليف إصلاح هذه الكوارث على أساس سنوي أو حتى كل أربع سنوات، ويستحيل إمكانية تخصيص ميزانية لمثل هذه الحالات في البلدان منخفضة الدخل، لذا، وتصديًا لذلك تم إنشاء صندوق النقد الدولي، وهو صندوق استئماني للإغاثة واحتواء الكوارث، أسس في أبريل 2015 لمساعدة البلدان منخفضة الدخل المتأثرة بالكوارث واسعة النطاق - بما في ذلك الأوبئة والجوائح - على سداد ديونها المستحقة للصندوق. وقادت رئيسة وزراء باربادوس ميا موتلي ما أسمته صحيفة نيويورك تايمز "تمرد بربادوس" بعد إدراكها أن العديد من البلدان لديها ديونًا تجارية تفوق ديونها للصندوق النقد الدولي، كما عملت مع المجتمع الدولي لضمان عدم استفادة المؤسسات التجارية التي تحتفظ بمعظم ديون البلاد (وديون البلدان المماثلة) ومنع "تصادم الديون والمناخ"، ولا تزال الجهود بهذا الخصوص مستمرة.

ويوضح المذكور أعلاه ثلاثة نقاط مهمة: النقطة الأولى هي أن الروابط بين الكوارث الطبيعية والبشرية أصبحت مرتبطة بشكل متزايد، أما النقطة الثانية فهي أن هذا المقال ذكر فقط ثلاث أحداث كارثية تحولت إلى أزمات عالمية: الزلازل، والتسونامي، والأعاصير/الدوامات، ولقد فصل كتاب "دليل روتليدج حول الكوارث والأزمات المتعددة والإدارة العامة" 2025، والذي كنتُ المحررة المشاركة الرئيسية فيه، 54 كارثة أخرى ساهمت في جعل الأزمات المحلية أزمات عالمية وخلقت تحديات واسعة النطاق؛ والنقطة الثالثة تنبع من النقطتين الأوليتين، ففي عام 2016، صاغ الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية جان كلود يونكر مصطلح "الأزمات المتعددة"، بعدما لاحظ أن مجتمعنا العالمي يواجه أزمات "تغذي بعضها البعض، وتخلق شعورًا بالشك وعدم اليقين في عقول الناس". 

إن الأزمات المتعددة هي ثوابت عالمية، ولقد تم اعتبار تسونامي 2004 كارثة طبيعية فاقمها محدودية أنظمة الإنذار المبكر والدفاعات الساحلية؛ وازداد الأمر سوءًا بعد زلزال 2010 في هايتي نتيجة الفقر، والتحديات التي يواجهها النظام، وإهمال المجتمع الدولي لها حتى قبل الزلزال. كما زادت الأعاصير المنتظمة التي تؤثر على فانواتو وأنتيغوا وبربودا وغيرها من الجزر الصغيرة بسبب التغيرات المناخية التي لم يكن لهذه الدول ضلع في حدوثها. وتزداد تحديات التعافي من الكوارث وفقًا لحجمها وعلاقاتها مع الدائنين الأجانب ووضعهم الاقتصادي. ويذكر أنه قد تزداد حدة الكارثة نتيجة لأزمة ضمنية أخرى أو تداخلها مع أزمات إقليمية أو عالمية (من أوبئة وركود اقتصادي)، مما يخلق عدة أزمات متفاوتة الحجم والتأثير على المستوى الوطني، والإقليمي، والعالمي.

ولا يكفي أن تحضر الدول المؤتمرات العالمية وتؤيد النتائج فقط، فعلى الرغم من استبدال إطار هيوغو بإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030، فإن سنداي يقترب من عام 2030، ولا يزال هناك تأخيرات في بعض الدول فيما يتعلق بدمج إدارة الكوارث والأزمات في الميزانيات والخطط السنوية، وتحديد المخاطر المتعلقة بالكوارث والأزمات المتعددة، فضلًا عن العمل معًا يدًا بيد للحد من الأسباب الكامنة وراءها ومساعدة البلدان الأقل قدرة على التخطيط ضد الأزمات المتعددة.

لا يزال هنالك أمل يلوح بالآفاق، فقد أثمر إطار سنداي عن إنشاء مكتب الأمم المتحدة العالمية للحد من الكوارث، وخصصت جلسة بعنوان: "المخاطر المنهجية في عصر الأزمات المتعددة" في مؤتمر سينظمه المكتب في جنيف. ولقد بدأنا للتو في فهم عصرنا الحالي المليء بالأزمات المتعددة والعلاقات المضطربة بين الدول، والمجتمع العالمي، والجهات المعنية من غير الدول.

كتبت هذا المقال الدكتورة كيم مولوني، أستاذ مشارك في كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة.

* تنشر إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة هذا المقال بالنيابة عن مؤلفته، والأفكار والآراء الواردة فيه تعبر عن الكاتبة ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.

 


الهجوم الإسرائيلي الغادر على قطر … إنذار مبكر لضرورة استشراف المستقبل

02 أكتوبر 2025
لقراءة المزيد

دور دولة قطر في تطوير البلدان الأقل نموًا: هل هو تضامن أم مصالح استراتيجية؟

01 أكتوبر 2025
لقراءة المزيد

من الفكرة إلى الواقع: وسائل متعددة للتصدي لأوبئة الغد

08 سبتمبر 2025
لقراءة المزيد

ما بعد المساعدات: آفاق الدبلوماسية الإنسانية القطرية

01 يوليو 2025
لقراءة المزيد

رسم مستقبل السياسات التعليمية في قطر

25 يونيو 2025
لقراءة المزيد

الأدوية المزيفة: نذير خطر يغزو العالم

28 أكتوبر 2024
لقراءة المزيد

العمل الخيري في رمضان: نحو تأثير إيجابي يتجاوز مفهوم الصيام

22 أبريل 2024
لقراءة المزيد