رؤى حول التطعيم ضد فيروس كوفيد-19: جدوى تلقي الجرعة المعززة

رؤى حول التطعيم ضد فيروس كوفيد-19: جدوى تلقي الجرعة المعززة

30 يناير 2022

تقدم رؤى معهد قطر لبحوث الطب الحيوي آراء يقودها الخبراء حول ممارسات التطعيم الحالية

قبل عامين، تعرض العالم لهزة عنيفة بسبب ارتفاع أعداد المرضى الذين يعانون من مرض مجهول السبب أثر بسرعة على كل البلدان تقريبًا. وتعرف العلماء على السبب الذي أدى إلى تفشي المرض وتوصلوا إلى أنه المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2 (فيروس سارس)، أو ما يعرف باسم فيروس كورونا 2 (SARS-CoV-2)، وهو الفيروس التاجي بيتا البشري الموصوف حديثًا، ومن ثم سُميَّ المرض المرتبط به بمرض الفيروس التاجي 2019 (كوفيد-19) [1]. ومنذ بدء الجائحة، بلغ عدد المصابين بالفيروس أكثر من 371 مليون حالة إصابة مؤكدة وحوالي 5.53 مليون حالة وفاة [2].

خيارات علاج فيروس كوفيد-19  

عندما أُعلن عن تحول فيروس كوفيد-19 إلى جائحة، أصبح من الواضح أن هناك حاجة مُلِحة للحد من الانتشار السريع للفيروس وتخفيف الأعراض المرضية الشديدة التي تحدث بفعل الإصابة به. وبدأ الباحثون في جميع أنحاء العالم العمل لإيجاد علاجات لتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض الخطيرة ودعم المرضى الذين يعانون من أمراض حرجة. وتشمل هذه العلاجات الآن استخدام الستيرويدات القشرية والأدوية المضادة للفيروسات ومثبطات السيتوكين والعوامل المكافحة للملاريا وبلازما المتعافين بعد إصابتهم بالفيروس [3].

وكانت شركة فايزر قد أعلنت، بتاريخ 14 ديسمبر 2021، عن نتائج العلاج التجريبي الجديد (NCT04960202) لعلاج فيروس كوفيد-19، وهو علاج يجمع بين عقارين مضادين للفيروسات (نيرماتريلفير وريتونافير) في حبة واحدة [4]. وعند تناوله خلال الأيام الثلاثة الأولى من ظهور الأعراض، ساهم هذا العلاج في الحد من خطر دخول المستشفى أو الوفاة بنسبة 89٪ لدى البالغين غير المحصنين المعرضين لمخاطر عالية. ومع ذلك، لم تقم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بعد بمراجعة البيانات للنظر في ترخيص استخدام الدواء في حالات الطوارئ. ورغم أن البيانات تبدو واعدة للغاية في الحد من الحاجة لتلقي العلاج بالمستشفيات، إلا أن التطعيم يظل أولوية قصوى في جهود مكافحة فيروس كوفيد-19 لأنه يوفر الحماية من الإصابة بالفيروس ويقلل من مخاطر الإصابات الشديدة بالمرض والوفاة.  

فعالية التطعيم في مكافحة فيروس كوفيد-19 

أشارت منظمة الصحة العالمية، بتاريخ 16 ديسمبر 2021، إلى أنه يوجد حاليًا 137 لقاحًا في مرحلة التطوير السريري و194 لقاحًا في مرحلة التطوير ما قبل السريري [5]. وتستخدم غالبية اللقاحات في التجارب السريرية إما جزءًا غير ضار (البروتين الشوكي للفيروس) أو الحمض النووي الريبوزي المرتبط بفيروس SARS-CoV-2 لتنشيط استجابتنا المناعية الطبيعية لإنتاج أجسام مضادة تتعرف على الفيروس كجسم غريب والقضاء على التهديد الناجم عن الفيروس. وبمجرد إنتاج الأجسام المضادة، فإنها تبقى في أجسامنا حتى بعد القضاء على الفيروس لكي يتمكن الجهاز المناعي من الاستجابة بسرعة في المرة القادمة التي يواجه فيها نفس الفيروس. وبالتالي، فإن التطعيم هو العامل الأساسي لتهيئة أجهزتنا المناعة للتعرف بسرعة على الفيروس أثناء العدوى وتمييزه بهدف تدميره قبل أن يتسبب في حدوث مرض خطير.

وفي دولة قطر، انطلق برنامج التطعيم خلال شهر ديسمبر 2020، وتلقى ما يقرب من 90٪ من السكان البالغين حتى الآن جرعتين من لقاحٍ قائمٍ على الحمض النووي الريبوزي (سواء لقاح BNT162b2 من إنتاج شركتي فايزر- بيونتك أو لقاح mRNA-1273 من إنتاج شركة موديرنا) أو بدرجة أقل اللقاح القائم على الناقل الفيروسي (AZD1222 من إنتاج شركة أسترازينيكا) [6]. وفي وقتٍ مبكر، أظهر اللقاحان القائمان على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال اللذان اعتمدتهما وزارة الصحة العامة فعاليةً بنسبة 94٪ في الوقاية من الأمراض الوخيمة الناجمة عن الإصابة بفيروس كوفيد-19[7].

ورغم ذلك، مع جمعنا للمزيد من البيانات عن لقاحات فيروس كوفيد-19، يُطرح السؤال حول ما إذا كانت استراتيجية التطعيم بجرعتين توفر حمايةً كافيةً ضد الفيروس على المدى الطويل. وتُظهر البيانات المستجدة أن فعالية اللقاح في مكافحة عدوى SARS-CoV-2 تنخفض تدريجياً إلى ما يقرب من 70-80٪ بعد ستة أشهر من تلقي الجرعة الثانية [8،9]، ومن المحتمل أن يكون مرد ذلك إلى ضعف المناعة.

وفي حين أن الفعالية الإجمالية للقاح في مكافحة العدوى انخفضت إلى معدل يتراوح ما بين 20-30٪ بعد تلقي الجرعة الثانية، فإن فعاليته في مكافحة الأمراض الشديدة والحاجة لتلقي العلاج في المستشفى انخفضت بنسبة 10٪ فقط [10]. واللافت للنظر هو تقرير صادر في دولة قطر أظهر حدوث انخفاض كبير في فعالية لقاح فايزر- بيونتك في مكافحة العدوى، حيث انخفضت الفعالية من 77.5٪ بعد شهر من تلقي الجرعة الثانية إلى 20٪ بعد مرور خمسة أشهر على ذلك [11]. ونبهت هذه النتائج الباحثين والمتخصصين في الرعاية الصحية إلى الحاجة لتلقي جرعة معززة من اللقاحات لمواجهة ضعف مناعتنا في مكافحة فيروس SARS-CoV-2.

الغاية المستهدفة من اللقاحات المعززة: المناعة طويلة الأمد

حللت دراسة أُجريت في الولايات المتحدة استجابات الأجسام المضادة بعد إعطاء الجرعة الثالثة من لقاح فايزر – بيونتيك، وتوصلت إلى حدوث زيادة كبيرة في الأجسام المضادة المحايدة التي يمكنها التعرف على النوع الشرس من فيروس SARS-CoV-2، بالإضافة إلى متحور بيتا ودلتا [12]. وهذه أخبار مشجعة للغاية حيث ثبت أن فيروس SARS-CoV-2 يتكيف ويتطور باستمرار لرفع معدل انتشاره والتهرب من أجهزتنا المناعية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على فعالية اللقاح.

وحتى الآن، حددت منظمة الصحة العالمية خمسة متحورات مثيرة للقلق (وهي ألفا، وبيتا، وجاما، ودلتا، وأوميكرون)، حيث ترتبط هذه المتحورات بزيادة معدل انتشار الفيروس أو التغيير الضار في وبائيات فيروس كوفيد-19 أو زيادة معدل خطورته أو التغيير في الأعراض السريرية للمرض، أو الانخفاض في فعالية تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية أو الوسائل التشخيصية واللقاحات والعلاجات المتاحة [13].

ويُطلق على أحدث متحور مثير للقلق اسم 'أوميكرون' الذي تم التعرف عليه لأول مرة في شهر نوفمبر 2021. ويحمل هذا المتحور من فيروس كوفيد-19 عددًا كبيرًا من التحورات التي قد تجعله أكثر عرضة للهروب من استجابتنا المناعية والانتشار بسهولة أكبر. وحتى الآن، هناك بيانات محدودة متاحة لدعم هذه الافتراضات. وتوضح البيانات الأولية أن تلقي جرعة ثالثة من لقاح فايزر – بيونتيك يزيد من مستويات الأجسام المضادة التي تتعرف على متحور أوميكرون بمقدار 25 ضعفًا، لتصل إلى مستويات مماثلة لتلك المستويات التي لوحظ جدواها في مقاومة الفيروس من النوع الشرس بعد تلقي جرعتين من اللقاح [14]. ومع استمرار تطور الفيروس، تدعو هذه النتائج بقوة إلى تلقي التطعيمات المعززة كأفضل خيار للأفراد الذين تلقوا التطعيم بجرعتين لكي يظلوا محميين من الإصابة بفيروس كوفيد-19.

التعايش مع فيروس كوفيد-19 

مع البدء في استئناف العديد من الأنشطة في جميع أنحاء العالم في ظل تطبيق قيود أقل تشددًا، لا تزال هناك العديد من الأسئلة المتعلقة بالحياة في ظل انتشار فيروس SARS-CoV-2وكوفيد-19. فهل سيستمر بقاء الفيروس معنا طويلاً؟ وهل سيصبح فيروس SARS-CoV-2 جزءًا من حياتنا الطبيعية مع الحاجة إلى تلقي تطعيمات سنوية على غرار لقاحات الأنفلونزا السنوية؟ وهل سيبدأ الفيروس في التطور أم سنحتاج إلى لقاح واحد يمكن أن يحمينا من المتحورات المتعددة للفيروس؟ وهل هناك مجموعات سكانية أو مهنية محددة أكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس وستحتاج إلى تلقي جرعات معززة بمعدل أكثر تكرارًا من غيرها؟ سوف نعرف الإجابات على جميع هذه الأسئلة مع مرور الوقت، لكن الأحداث الأخيرة أظهرت أن البشرية يمكن أن تتكيف بسرعة لكي تكون مستعدة بشكلٍ أفضل لمواجهة المتغيرات في المستقبل.

المساهمون في كتابة هذا المقال: الدكتورة جولي في ديكوك، عالم بمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي؛ والدكتورة أماني ضاهر، رئيس مرفق البحوث الإكلينيكية بالمعهد
تدقيق النص العربي: رويدا طه، باحث مشارك بالمعهد  

لتصفح المراجع، يُرجى الضغط هنا.