التضامن الدولي يمكن أن يكون ترياقًا ناجعًا لعلاج العنصرية
Hamad Bin Khalifa University

الإنسان التضامن الدولي يمكن أن يكون ترياقًا ناجعًا لعلاج العنصرية

أمين عمر

مرت الآن ثلاثة أشهر تقريبًا على مقتل جورج فلويد. وأستطيع أن أتذكر مشاعري بوضوح عندما أطلعني صديق مقيم في الدوحة على مقطع الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع على هاتفه المحمول، حيث شعرت وقتها بالاشمئزاز، والغضب، والحزن، والشعور القوي بالتضامن العابر للحدود. وعلى كلٍ، عندما شاهدت هذه اللقطات، كانت حركة "حياة السود مهمة" تكتسب زخمًا على الصعيد العالمي، بما في ذلك هنا في دولة قطر، حيث أدرس.
وبصفتي أمريكيًا من أصول أفريقية، شعرت في البداية أيضًا بشيء من الانزعاج بسبب ارتكاب هذا العمل البغيض في بلدي. ومع ذلك، سرعان ما أدركت أن السبب الوحيد وراء علم أي منا بجريمة القتل هو أن العنصرية مشكلة قائمة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتلقى إدانةً شديدة أينما ظهرت. وللأسف، لا يمكن قول الشيء نفسه عن الدول الأخرى، حيث يكون التحيز حقيقة من حقائق الحياة، وكثيرًا ما يمر دون اعتراض. 

العنصرية ليست حكرًا على الولايات المتحدة الأمريكية

رغم أن إدانة العنصرية بجميع أشكالها يجب أن تكون أمرًا مفروغًا منه، إلا أنني أشعر أنه ليس من المفيد انتقاد أمريكا مع التزام الصمت بشأن التمييز الموجود في مجتمعاتٍ أخرى. فالعنصرية مشكلة عالمية، يتعزز استمرارها عبر إضفاء الطابع المثالي على أصحاب البشرة البيضاء واعتبارهم متفوقين إلى حد ما، سواء في صناعة السينما أو على طاولة مستحضرات التجميل. وإذا كانت العنصرية في الولايات المتحدة تبدو أكثر إثارة للقلق، فذلك بسبب الاهتمام العام الذي تحظى به. وكثيرًا ما يُنظر إلى الولايات المتحدة، على نحوٍ صائبٍ أو غير صائبٍ، على أنها "قائدة العالم الحر"، لذا تميل قضاياها إلى أن تكون في قلب النقاشات العالمية.

العنصرية والتمييز ليسا متجانسين

في بعض الأماكن، يكون التمييز العرقي باعتباره شكلًا من أشكال الانقسام أقل وضوحًا من التمييز على أساس الانتماءات الدينية أو القبلية أو الوطنية. وبصفتي أميركيًا أسودًا مقيمًا في الدوحة، أشعر بالتمييز على أساس لون بشرتي بشكل أقل من شعوري بالتميز بفضل امتلاكي لجواز سفر أمريكي. ورغم أن لون البشرة هو السمة الأكثر تميزًا التي لا يمكن إخفاءها بسهولة، بالطريقة التي يمكنك بها إخفاء دينك أو تراثك، لا ينبغي الإشادة ببعض البلدان مقارنةً بغيرها لتسامحها في التعامل مع هذه النقطة. وتعمل العنصرية في ظل مجموعة كاملة من الطبقات الاجتماعية، وهو ما يجعلها متغيرةً بشكل فريد في كل مجتمع.

وعند تحليل ظاهرة العنصرية في الولايات المتحدة، يتعين على المرء النظر بعين الاعتبار أيضًا إلى أن الرأسمالية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بغياب المساواة الاجتماعية. فقد كانت عملية الخصخصة في أمريكا مدفوعة باستغلال العبيد، ثم العمل في السجون، وهو ما يمنح عنصرية الولايات المتحدة عنصرًا تاريخيًا استغلاليًا لا يزال لديه القدرة على إكراه وإدانة الأشخاص الموجودين على الطرف المتلقي من أجل تحقيق المصالح الاقتصادية السائدة.

ومع ذلك، كما أن للعنصرية تاريخًا طويلاً ومخزيًا في الولايات المتحدة، فإن حركة الحقوق المدنية هي الأخرى تتمتع بتاريخ حافل يدعو للفخر. وكان أحد الجوانب الحاسمة لنجاح هذه الحركة يكمن في توظيفها لوسائل الإعلام. فقد ساعدت سياسات مثل العمل الإيجابي على توفير فرصة متكافئة للفئات المحرومة، رغم أن هذا التقدم قد تضاءل في السنوات الأخيرة بسبب الانقسام الذي حدث في عهد ترامب، والذي يضخّمه العدد المتزايد من حوادث القمع والوحشية على أيدي أجهزة الشرطة الأمريكية.

دور الدولة

أجهزة إنفاذ القانون ليست محايدة بشكل تلقائي، ويمكن أن تتعرض للتضليل في كثير من الأحيان عن طريق الممارسات القضائية القائمة على التحيز العنصري. ورغم أن السود يمثلون 12٪ فقط من سكان الولايات المتحدة، فإنهم يشكلون 33٪ من نزلاء المؤسسات الإصلاحية.

ومنذ مقتل جورج فلويد بشكلٍ غير قانوني، كانت هناك دعوات واسعة النطاق للامتناع عن تمويل أجهزة الشرطة في الولايات المتحدة أو حتى حلها. وقد تبدو هذه الاقتراحات غريبة بالنسبة للكثيرين ممن ينظرون إلى مسؤولي إنفاذ القانون على أنهم مصدر للأمن. ولكن من الواضح أن هناك حاجة إلى إحداث تغيير ملموس للكثيرين في مجتمع الأمريكيين السود، الذين كانت تجربتهم مع نظام العدالة يعرضهم لتهديدات فقط على الدوام. وتمتلك أجهزة الشرطة في الولايات المتحدة تاريخًا طويلاً من اضطهاد السود، بداية من تجريم الجنح الصغيرة إلى تخريب ممتلكات المجموعات الحقوقية لتمكين السود. وقد زادت المطالب الداعية إلى التغيير بسبب عدم تعرض موظفي أجهزة إنفاذ القانون للمساءلة عن الأعمال غير القانونية التي يرتكبونها. فكيف يمكن فصل ضابط شرطة لسوء السلوك، ثم السماح له بالانتقال إلى منطقة مختلفة والانضمام إلى أجهزة الشرطة هناك؟

ويجب أن يستلزم الإصلاح الهادف، إذا اقتضت الحاجة إليه، إعادة توجيه التمويل بعيدًا عن أجهزة الشرطة وتخصيصها للأجهزة الحكومية الأخرى، حيث تؤدي أجهزة الشرطة حاليًا مهامًا لا تناسبها. ويمكن لهذا الإجراء القائم على التحول إلى تمويل الأجهزة الاجتماعية أن يساعد بالفعل في تحسين العوامل المساهمة في انتشار الجريمة، ومنع إنفاق الميزانيات على الأسلحة الهجومية العسكرية التي يستخدمها موظفو الحماية والخدمة.

وبدون شك، تتميز المشاكل العرقية في الولايات المتحدة بأنها عميقة ومزعجة. ومع ذلك، أدت موجة الغضب العارمة التي اندلعت في الشوارع الأمريكية خلال صيف العام الحالي أيضًا إلى ظهور تضامن عابر للحدود، حيث سعت مجتمعات أخرى إلى مواجهة مشاكلها المتعلقة بالعنصرية.

فعلى سبيل المثال، تسبب مقتل فلويد في عودة الكينيين لمناقشة قضية وحشية الشرطة ضد النشطاء. وأتاحت هذه الواقعة البغيضة أيضًا فرصة للتوعية بالانتهاكات العنصرية التي تتعرض لها المجتمعات المستهدفة الأخرى في جميع أنحاء العالم، مثل الأويغور، والفلسطينيين، والداليت، والروهينجا، وغيرهم.

تبسيط القضية

استضافت جامعة حمد بن خليفة مؤخرًا حلقة نقاشية حول العنصرية والتمييز في منطقة الخليج، حيث سلط المتحدثان أبرار الشمري وحنان عبد الرحمن الضوء على أهمية العمل على التصدي للعنصرية والتمييز. وفي بعض الأحيان، يكون لدينا طموحات زائدة في السعي للقضاء على العنصرية عبر البدء في مكافحة هذه الظاهرة على المستوى المؤسسي، في حين أننا في الواقع نحصل على المزيد من القوة التفسيرية لأسباب انتشار هذه الظاهرة عبر المشاركة في جهود مكافحة هذه الظاهرة في أوساطنا. ومن السهل مواجهة عدو مجهول الهوية أو منفصل، لكن التحدي والأسلوب الأكثر فاعلية يتمثل في الدخول في المحادثات الصعبة مع الأصدقاء والعائلة والمقربين حول أسباب حدوث هذه الظاهرة. وفي النهاية، إذا كان المجتمع متحدًا، تكون احتمالات التغيير أكبر. وفي ظل عصر العولمة الذي نعايشه اليوم، يمكن أن يمزج المجتمع بين القيم المحلية والعالمية.

تحية واجبة

توفي الناشط الحقوقي جون لويس الشهر الماضي، حيث كان آخر عضو على قيد الحياة ضمن مجموعة "الستة الكبار"، الذين كرسوا حياتهم للدعوة من أجل المساواة العرقية في الولايات المتحدة، وأدرك قيمة تحفيز المجتمع قبل نشر الرسالة على نطاق واسع.

ومن السهل أن نتخيل أن عملهم قد انتهى بمجرد تحول قانون الحقوق المدنية (1964) وقانون حقوق التصويت (1965) وقانون الإسكان العادل (1968) إلى قوانين، ولكن هذا التصور منافٍ للحقيقة تمامًا. لقد أدرك هؤلاء النشطاء الحقوقيون الدؤوبون أنه لا يمكن ضمان التقدم إلا إذا تم الحفاظ عليه والاعتزاز به. وتذكرنا وفاة جورج فلويد وجون لويس بأن النضال لا نهاية له، لأن العنصرية لا تعرف حدودًا.

أمين عمر طالب في برنامج ماجستير الآداب في الدراسات الإسلامية بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة، وهو حاصل على شهادتين في التاريخ من جامعة جورج واشنطن (2019) وجامعة جورج ماسون (2015).  

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.

 

أخبار متعلقة

جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، تعرض بحوثها في مجال الرعاية الصحية والتكنولوجيا الرقمية المتقدمة التي طورتها خلال مؤتمر ويش 2020

شاركت جامعة حمد بن خليفة في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (ويش) 2020 باعتبارها أحد شركاء المؤتمر، وذلك بما يتماشى مع رسالتها المتمثلة في تعزيز التحول الإيجابي داخل دولة قطر مع المشاركة في إحداث تأثير عالمي.

كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة تُطلق برنامج تصميم إنسانية ما بعد كوفيد-19

أطلقت كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة برنامجًا جديدًا يتناول الجهود المبذولة لتصميم إنسانية أكثر عدلاً وشمولاً واستدامةً بعد انتهاء فيروس كوفيد-19.