تجاوز إنترنت الأشياء باستخدام إنترنت السلوكيات

تجاوز إنترنت الأشياء باستخدام إنترنت السلوكيات

02 فبراير 2021

الدكتور علاء الفقهاء والدكتور كاشف أحمد

تجاوز إنترنت الأشياء باستخدام إنترنت السلوكيات

قد يكون الإعلان الواعي أمرًا من الماضي، وذلك بفضل إدخال التقنيات التي يمكن أن تؤثر الآن على عمل الإنسان. ويعني ترابط العالم الذي نعيش فيه بشكلٍ متزايدٍ، والوتيرة السريعة والمُلِحة للحياة اليومية، وانتشار الأجهزة الذكية في كل مكان أن التقنيات المؤثرة قادمة لا محالة.

ما نعرفه عن إنترنت الأشياء

يشير مصطلح إنترنت الأشياء إلى شبكة من الأشياء المتصلة بالإنترنت. ويتم إنشاء هذه الشبكة عبر تعزيز الأشياء المادية الملموسة بقدرات الاستشعار والتشغيل والحوسبة والاتصال، التي تُحَوِل الأشياء المادية إلى أشياء ذكية. وتشتمل أمثلة إنترنت الأشياء على الأشياء الذكية والوسائد والساعات وفُرَش الأسنان الذكية وغيرها من الأدوات اليومية. وتشير التقديرات إلى نشر أكثر من 31 مليار جهاز من أجهزة إنترنت الأشياء في جميع أنحاء العالم حتى الآن، بمتوسط 2.5 جهاز لكل شخص. ومن المتوقع نمو هذا الرقم بسرعة خلال السنوات المقبلة. وقد أدى الانتشار السريع لأجهزة إنترنت الأشياء إلى تعزيز الترابط في عالم اليوم حيث بات الناس يقضون معظم أوقاتهم على مقربة من أجهزة إنترنت الأشياء التي يمكنها مراقبة وتتبع السلوكيات الفردية أو الجماعية. وفي المقابل، مكّنت هذه الأجهزة عملية جمع كمية هائلة من البيانات اللازمة لتطوير نماذج التعلم الآلي.

وكان السباق على جمع البيانات مدفوعًا بشكل أكبر بقصص نجاح شركات التكنولوجيا الفائقة وتدفق الإيرادات من عملية بيع البيانات الخام، فضلاً عن الخدمات المشتقة التي تعتمد على جمع البيانات. ولسوء الحظ، أظهرت الأبحاث أن الكثير من البيانات التي تُجمع حول العالم لن تُستخدم أبدًا ما لم تُخصص على الفور. ومع ذلك، تعكف الشركات على جمع كافة أشكال البيانات، بما في ذلك البيانات المنظمة وغير المنظمة، في مجموعة واسعة من الأشكال التي تشمل النصوص والصور ومقاطع الفيديو. وفي النهاية، أثبتت الجهود التي بذلتها هذه الشركات في جمع البيانات نجاحها بسبب الخوف من تأثير ضياع البيانات على فرص تحقيق الدخل في المستقبل. وتمثل البيانات، على هذا النحو، منجم ذهبٍ من الفرص لشركات التكنولوجيا الفائقة.

التأثير على السلوكيات

اكتُشفت مؤخرًا قدرة أجهزة إنترنت الأشياء على استنتاج العادات والاهتمامات والتفضيلات والحالات النفسية للأفراد أو المجموعات. وأكدت شركة جارتنر أن إنترنت السلوكيات بات من أهم الاتجاهات التكنولوجية لعام 2021. ويتمثل أحد الموضوعات المهمة المرتبطة بإنترنت السلوكيات في معالجة البيانات التي تُجمع وتُصنف خلال عمليات نشر إنترنت الأشياء وتحليلها وربطها بالأفراد للكشف عن أنماطهم السلوكية عندما يتعلق الأمر بالشراء وتفضيلاتهم للعلامات التجارية والأنشطة التجارية الأخرى. ويتميز هذا التحليل السلوكي، الذي يتيحه إنترنت السلوكيات، بأنه أداة تسويق مستقبلية تسمح للشركات بتحليل وإدراك وفهم احتياجات المستهلكين ومطالبهم والخيارات التي كانوا يسعون لتحقيقها. ورغم أن التسوق عبر الإنترنت، والتسوق في المتجر، والتنقل، والترفيه، وسلوكيات أداء التمارين الرياضية هي تطبيقات نموذجية لإنترنت السلوكيات، تشتمل التصورات المتعلقة بالتطبيقات الإضافية له على العديد من الموضوعات الأخرى القابلة للتطبيق خلال السنوات المقبلة.

ولا شك في أن إنترنت السلوكيات يمكن أن يساعد المستخدمين والشركات من خلال تطبيقات الملاءمة والكفاءة، كما يمكنهم من القيادة والسيطرة على أسواقهم. ويجمع إنترنت السلوكيات في جوهره بين العديد من تقنيات وتكنولوجيا علوم البيانات والشبكات التي تهدف إلى جمع السلوكيات الفردية والجماعية وتحليلها والاستفادة منها. وتشتمل هذه التقنيات على الرؤية الحاسوبية مثل التقنيات الذكية التي تُمَكِن من اكتشاف الأشياء والوجوه والأنشطة والتعرف على الانطباعات؛ ومعالجة اللغة الطبيعية مثل تحليل المشاعر للتحليلات؛ وتتبع المواقع؛ والشبكات الاجتماعية؛ والبيانات الضخمة؛ والتحليلات التنبؤية؛ واستراتيجيات التحفيز السلوكي. ولا تحدد تكنولوجيا إنترنت السلوكيات بعض السلوكيات الفردية والجماعية فحسب، بل تهدف أيضًا إلى توجيه السلوكيات نحو تحقيق النتيجة المرجوة.

تطبيقات وتحديات العالم الحقيقي

Kashif Ahmadفي العالم الحقيقي، يمكن لإنترنت السلوكيات مساعدة قطاع صناعة الأزياء على الاستفادة من الإعلانات الموجودة في الشوارع عبر اكتشاف وقياس تصورات اتجاهات الموضة من خلال رصد السلوك الجماعي، وهو ما يسمح بتطوير تصميمات خاصة. وبالمثل، يمكن تحديد المستخدمين المؤثرين على منصات وسائل التواصل الاجتماعي واستهدافهم لتلقي المنتجات بأسعار مخفضة لكي يتمكنوا من حث متابعيهم على شراء منتجات مشابهة. ولتحقيق أقصى استفادة من البيانات السلوكية التي تُجمع من على شبكة الإنترنت، تحتاج الشركات إلى الاستثمار في عمليات نشر إنترنت الأشياء، والبنى التحتية لإدارة البيانات، وحلول وموارد الذكاء الاصطناعي، لكي تكون على استعداد لتحليل واستخلاص رؤى سلوكية ذات مغزى من البيانات.

وتقدم شركة "أوبر" قصة نجاح مهمة أخرى، حيث تجمع البيانات من الهواتف الذكية للسائقين والركاب، ثم تحلل مواقعهم وخياراتهم المفضلة لتحسين تجربة العملاء وتعزيز عملية تحقيق الدخل من الخدمات التي تقدمها الشركة. وهناك أيضًا العديد من التحديات التقنية والمجتمعية المرتبطة بإنترنت السلوكيات التي يجب معالجتها لكي تتمكن الشركات والجهات المعنية من تعزيز الاستفادة من الإمكانيات التي توفرها هذه التقنية. وتشتمل بعض التحديات الرئيسية في هذا الصدد على توافر البيانات المجمعة وتحيزها، والحوافز التي تتحقق من مشاركة البيانات، والمخاوف المتعلقة بالخصوصية، واستخلاص السلوكيات، وإمكانية الشرح، واستراتيجيات الانتباه للسلوكيات، وغيرها من المخاوف الأخلاقية. 

الحاجة للشفافية

بالنظر إلى الجوانب الأخلاقية لإنترنت السلوكيات، يجب على الشركات التأكد من جمع بيانات العملاء وتحليلها بشفافية. ويجب إيلاء اهتمام خاص لضمان خصوصية الأفراد والحصول على موافقاتهم المستنيرة قبل جمع البيانات ومشاركتها. والموافقة المستنيرة، وهي عملية التنبيه والحصول على موافقة الفرد على جمع البيانات وتحليلها ومشاركتها، هي عنصر أساسي آخر يجب مراعاته بعناية في عمليات نشر إنترنت السلوكيات. ويجب دراسة التفاعل بين الحوافز والموافقة المستنيرة جيدًا، حيث قد تؤدي الموافقة إلى الإكراه في الحالات التي يجب أن يوافق فيها المستخدمون على تلقي خدمات معينة. ويجب أن تضمن الشركات كذلك تنفيذ تدابير الحماية المناسبة للأمن السيبراني نظرًا لإمكانية تعرض البيانات السلوكية الحساسة لسوء الاستخدام ولأغراض ضارة. ومن الجوانب المهمة الأخرى لإنترنت السلوكيات التحقق من صحة البيانات، الذي يؤكد على الحاجة إلى تقييم مدى ملاءمة البيانات المتاحة لتطبيق محدد والمخاطر المرتبطة بالبيانات الضعيفة.

الطريق إلى الأمام

يمكن لتطبيقات إنترنت السلوكيات تحقيق مجموعة متنوعة من الخدمات الملائمة والفعالة للمستخدمين والشركات. ومع ذلك، فإنها ترتبط بمجموعة من التحديات التقنية والمجتمعية التي يجب معالجتها لكي تتمكن هذه التقنية من كسب ثقة الأفراد والشركات. وتشمل هذه المشكلات مدى توافر البيانات المفيدة، والتصميم المناسب للتقنيات الذكية التي تستخلص السلوكيات من البيانات الخام، وتصميم الحوافز التي تدفع المستخدمين لمشاركة البيانات. ويجب النظر إلى القضايا الأخلاقية التي يمكن أن تعيق نشر البيانات بعين الاعتبار، لا سيَّما وأن وجودها أصبح أمرًا حتميًا.