من المهم ممارسة الرياضة خلال شهر رمضان، إليكم لماذا
الهيئة:  كلية العلوم الصحية والحيوية
سكان الدوحة يحافظون على مستوى نشاط عالي.

يُحيي المسلمون في جميع أنحاء العالم شعائر شهر رمضان المبارك، ويلتزمون بصومه كونه فريضة سنوية. وهو شهر يمتنع فيه الأصحاء عن الطعام والشراب من شروق الشمس وحتى غروبها، ويتمحور جوهر شهر رمضان الكريم حول الصلاة والتدبر والصدقة، ويوفر فرصة لتعزيز الصحة البدنية والعقلية؛ كما يدعو لتهذيب وضبط النفس، فضلًا عن مساهمته في الإقلاع عن بعض السلوكيات غير الصحية مثل التدخين.

لكن، ورغم الفوائد الصحية المثبتة للصيام، إلا أنه يطرأ تغيير جذري على نمط الحياة بحلول الشهر الكريم، ويرجع ذلك لانخفاض النشاط البدني، وقلة الحركة، وقلة النوم؛ وتشكل هذه الممارسات مخاطر جسيمة على الصحة. وتأتي هذه التغيرات نتيجة للعادات الثقافية العريقة التي تحث على تخصيص وقت للعائلة، وتنظيم مآدب الإفطار أو السحور للأقارب والأصدقاء. وعادة ما تدب الحياة في الدولة بعد الإفطار، إذ تعمل معظم أماكن الفعاليات والمراكز التجارية حتى ساعات متأخرة، ليتسنى للحضور الاستمتاع بوقتهم خلال هذا الشهر الكريم عقب أداء صلاة التراويح.

وقد ثبت أن ممارسة النشاط البدني المعتدل في شهر رمضان يتلاءم إيجابًا مع الصيام، كما يساعد في الحفاظ على ترطيب الجسم، فضلًا عن تعزيز اللياقة البدنية والصحة النفسية. ويقصد بمصطلح النشاط البدني: أي حركة جسدية تساعد على زيادة النشاط الحركي لشخص ما، وتزيد من معدل حرقه للطاقة؛ فعلى سبيل المثال، المهام اليومية مثل حمل أكياس التسوق، أو غسل الأواني، أو بأي من الأعمال المنزلية الأخرى. وأما التمارين الرياضية فهي جزء لا يتجزأ من النشاط البدني، وتهدف إلى تحسين الصحة، واللياقة البدنية، والأداء الرياضي؛ وتشمل تمارين اليوغا، والتمارين الرياضية المجدولة، والجري، وركوب الدراجات، والتجديف؛ كما يستخدم مصطلح الرياضة لوصف أي نشاط بدني تطغى عليه روح المنافسة ويخضع لقوانين محددة من القواعد واللوائح، مثل كرة القدم أو التنس.

وعادة ما يتم استخدام هذه المصطلحات كمرادفات في السياق الصحي، إلا أنه يجب الإقرار بالفرق الطفيف بينها. وبالنسبة لشخص كسول يواجه العديد من الصعوبات في الالتزام ببرنامج رياضي منظم وثابت، فإنه يتعين تقليل ساعات جلوسه وتحفيزه للقيام ببعض الأنشطة البدنية التي لديها آثار إيجابية ملموسة على الصحة، إذ أنه كلما زاد نشاط الشخص على المدى البعيد، زادت فرصة تحمله بقضاء فترات أطول لأداء التمارين الرياضية، فضلًا عن شعوره بالسرور والبهجة والمتعة عند القيام بأي نشاط بدني.

ويعد الخمول البدني رابع سبب رئيسي للوفيات في جميع أنحاء العالم، كما يساهم في زيادة نسبة خطر الوفاة نتيجة الإصابة بالأمراض المزمنة. وتوصي منظمة الصحة العالمية (WHO) البالغون بتخصيص ما لا يقل عن 150 إلى 300 دقيقة أسبوعيًا للقيام بنشاط بدني معتدل إلى شديد، إضافة لممارسة تمارين تهدف لتقوية العضلات مرتين على الأقل أسبوعيًا؛ وأما بالنسبة للأطفال والمراهقين، فيتيعن عليهم ممارسة 60 دقيقة على الأقل من النشاط البدني متوسط إلى عالي الشدة يومياً للاستفادة من التمارين؛ وبشكل عام يُنصح بتقليل وقت الجلوس لكل الفئات العمرية.

ومن المهم الإشارة إلى أن وقت الجلوس والنشاط البدني يمكن أن يكونا عنصرين مستقلين، إذ يمكن أن تقل فوائد النشاط البدني نتيجة المدة التي نقضيها جالسين. فقد أظهرت الدراسات أنه بالرغم من اتباع توجيهات منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بالنشاط البدني، إلا أن فترات الجلوس الطويلة المتواصلة يمكن أن تشكل مخاطر صحية، ولا يزال الشخص الذي يمارس 150 دقيقة من النشاط البدني أسبوعيًا معرضًا للمخاطر الصحية بسبب جلوسه لمدة 8 ساعات في عمله.

ويحتاج كل من ينتهج أسلوب حياة قليل الحركة إلى الاهتمام بشكل خاص بتأثير كل نمط على صحته، ويشمل ذلك إيجاد استراتيجيات لتقليل وقت الجلوس وتقسيمه، وتخصيص القليل من الوقت للحركة سواء في ذلك أثناء ساعات العمل أو في المنزل عند مشاهدة التلفاز، كما يمكن شراء مكتب مصمم للاستخدام في وضع الوقوف عوضًا عن الجلوس لفترة طويلة، فضلًا عن القيام ببعض الأنشطة الرياضية الخفيفة أو تمارين الاسترخاء.

وفيما يتعلق بشهر رمضان، تضم المبادئ التوجيهية الوطنية للنشاط البدني في دولة قطر توصيات للبالغين الصائمين خلال الشهر الكريم. واختصارًا لما سبق، فإن الأنشطة الخفيفة إلى معتدلة الشدة هي الأنسب بشكل عام للصائمين، وهي التمارين التي عادة ما توصف على أنها "خفيفة وسهلة" أو "صعبة قليلًا"، وبالنسبة للبالغين الأصحاء، فإن أفضل وقت للقيام بنشاط بدني هي بعد الإفطار بساعتين أو 3 ساعات، إذ تعتبر هذه الفترة هي الأمثل لترطيب الجسم والحد من الآثار السلبية المحتملة نتيجة القيام بجهد بدني. ويجب ألا تتجاوز مدة النشاط الرياضي قبل الإفطار 60 دقيقة، ويجب إنهاؤه قبل الإفطار مباشرة وتناول الطعام وشرب الكثير من السوائل.

إن تقسيم الجلسات الرياضية وتوزيعها خلال اليوم يعد خيارًا رائعًا بدلًا من القيام بجلسة طويلة، حيث يوفر ذلك فوائد صحية مماثلة، وعادًة ما يؤدي إلى التركيز على الأنشطة التي تستهدف معظم أجزاء الجسم، وخاصة العضلات الكبيرة، كما هو الحل عند ممارسة المشي، أو الجري، أو ركوب الدراجات، أو السباحة. ويفضل أن يبدأ الرياضيون المتمرسون وغير المتمرسون تدريجيًا، وينصح البدء بتمارين الإحماء والانتهاء بتمارين التهدئة خاصةً إذا كان النشاط عالي الشدة أو يتضمن حمل الأوزان الثقيلة. كما توجد قاعدة عامة تنص على إنهاء أي نشاط بدني على الفور في حال شعر الصائم بالدوار، أو الغثيان، أو عدم الراحة؛ وأما بالنسبة الصائمين ممن يعانون من أمراض مزمنة مثل مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم، فيتعين عليهم استشارة طبيبهم قبل الشروع بأي نشاط بدني.

ويذكر أن العديد من الأشخاص يفضلون الابتعاد عن التمارين التي تتطلب جهدًا كبيرًا أثناء فترة صيامهم، لذا يجب أن تظل التوصيات المتعلقة بالأنشطة البدنية المقترحة للحفاظ على الصحة خلال شهر رمضان الكريم آمنة، وتحفز الأشخاص وتدعمهم في التغلب على الكسل أو الافتقار إلى الدافع، كما يُنصح بالتركيز أولاً على زيادة النشاط اليومي وتقليل وقت الخمول، لأن تخصيص دقيقة من النشاط أفضل من الخمول، وتساهم في تعزيز صحتك خاصة خلال شهر رمضان المبارك.

كتبت هذا المقال الدكتورة لينا ماجد، أستاذ مساعد في كلية الصحة والعلوم الحيوية بجامعة حمد بن خليفة.

* تنشر إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة هذا المقال بالنيابة عن مؤلفته، والأفكار والآراء الواردة فيه تعبر عن الكاتبة ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.