قطر بصدد التحول إلى مركز إقليمي رائد في التكنولوجيا المالية ...

قطر بصدد التحول إلى مركز إقليمي رائد في التكنولوجيا المالية

02 أبريل 2019

الدكتور روبرتو دي بيترو، والدكتور ديفيد يانج، الأستاذان بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة: "التطورات التكنولوجية أحدثت ثورةً في القطاع المالي، وقطر حققت تقدمًا ملموسًا في هذا المجال"

قطر بصدد التحول إلى مركز إقليمي رائد في التكنولوجيا المالية

دأبت الجهات المتخصصة على تقديم الخدمات المالية منذ آلاف السنين، ولكن توظيف التكنولوجيا في تقديم تلك الخدمات لا يزال حديث العهد نوعًا ما، لأن هذا النشاط ظل بمنأى عن الابتكار نسبيًا حتى وقت قريب.

وتستغرق عملية قبول الابتكار في مجال الخدمات المالية وقتًا طويلًا لأن القطاع المالي يتميز بأنه قطاع مهني يسير العمل فيه بسلاسة وكفاءة. ولكن التكنولوجيا المالية بات لها تأثيرٌ كبيرٌ في الوقت الحالي، حيث تمثل الخدمات المصرفية والاستثمارية التي تُقَدَم عبر الهواتف النقالة، والعملة المشفرة، نماذج لكيفية مساهمة التكنولوجيا في تيسير جهود تقديم الخدمات المالية لعامة الجماهير.    

وتتنوع خدمات التكنولوجيا المالية، حيث تركز بعض الخدمات على القروض قصيرة الأجل التي لا يُمكن للعديد من الأشخاص الحصول عليها من البنك، وبالتالي فإنها قد تحدث فارقًا كبيرًا في حياتهم.   

وإذا ما أردت الوصول إلى عدد كبير من الناس والحصول على حصة في السوق، فَكِّر في سوق الرهون العقارية على الإنترنت، والتعهيد الجماعي، وغيرها من خدمات التكنولوجيا المالية، حيث يُمكن أن توفر تلك الأنواع من القروض مسارًا تمويليًا أفضل لكل من المُقْرِض والمقترض، ولذلك فإنها تمثل وضعًا مربحًا للجانبين. 

وتساهم التكنولوجيا المالية في تحقيق الأهداف نفسها، ولكن بتكلفة أقل خلال وقت أقصر، مع توفير الكثير من الحيوية. كما تتميز هذه التكنولوجيا بفوائدها الكبيرة فيما يتعلق بالخدمات الثورية لأنها تُمكن الشركات من توفير خدمات لم تكن موجودة من قبل. وبنفس طريقة مساهمة شركة "أوبر" في إحداث ثورة في قطاع المواصلات، ومساهمة موقع إير بي إن بي في تحقيق تحول ملموس في قطاع الإقامة، أزاحت التكنولوجيا الثورية الآليات الراسخة، وهزت قطاع الخدمات المالية بطريقة إيجابية.    

هيمنة الصين على السوق العالمية

كان موقع "بايبال" أول شركة للتكنولوجيا المالية ترسخ تواجدها العالمي باعتبارها منصة رائدة عالميًا في مجال الدفع الإلكتروني على شبكة الإنترنت، ولكن منصة "علي باي" تفوقت على موقع "بايبال" مؤخرًا وأصبحت أكبر منصة للدفع الإلكتروني في العالم. وتمتلك منصة "علي باي"، وهي شركة تابعة لموقع علي بابا، أكثر من نصف سوق المدفوعات الإلكترونية في الصين، الدولة التي تمثل ثلاثة أرباع السوق العالمية في مجال الإقراض الإلكتروني. 

وهناك أوجه للشبه بين موقع "علي بابا" وموقع "أمازون"، حيث يمكن للزبائن وضع أموالهم في حساباتهم الإلكترونية بحيث لا يحتاجون لاستخدام حساباتهم المصرفية أو بطاقاتهم الائتمانية في المرة التالية التي يُقدمون فيها على الشراء. وكشفت تقارير عن وجود مبالغ طائلة في تلك الحسابات كانت تستدعي طرح منتج مالي، لذا فقد جرى إنشاء صندوق مالي يتميز بمخاطره المنخفضة للغاية.   
 
وقد تَمَكَنَ موقع "علي بابا" من تقديم معدل فائدة مرتفع للغاية نسبته 7 بالمائة، مع تمكين الزبائن من سحب أموالهم في أي وقت، وهو ما شجع جميع الأفراد في الصين على البدء في إيداع أموالهم لدى الموقع بدلًا من وضعها في المؤسسات المصرفية. ومن أجل تلبية الاشتراطات التنظيمية، أُعيدت هيكلة موقع "علي بابا" بعد ذلك لإنشاء موقع "علي باي"، الذي أصبح أول شركة للتكنولوجيا المالية في الصين. 

وعادة ما يثق الناس في البنوك لأنها تتميز باتباعها للوائح تنظيمية صارمة وتمتعها بحجم كبير للغاية يجعل من الصعب تعرض أعمالها التجارية للخسارة. وإذا ما تعرضت هذه البنوك لمشاكل، فإن الحكومات تسارع لإنقاذها. 

وقد أدى احتكار البنوك للمعاملات المالية حتى الآن إلى دخول الابتكار لهذا القطاع بشكلٍ بطيء للغاية. ولكن ظهور الإنترنت أدى إلى إدراك الأشخاص أن بإمكانهم إنشاء شركات كبيرة جدًا على شبكة الإنترنت بسرعة كبيرة، وأن هذه الشركات تكون آمنة نسبيًا كذلك بفعل حجمها الكبير. لذا، فقد بدأ الناس في استخدام شركات التكنولوجيا المالية الجديدة المذكورة لإدارة ثرواتهم. وبات بمقدور هذه الشركات الابتكار بشكل أسرع من البنوك لأنها تنتمي لخلفية تكنولوجية. 

قطر تستثمر بقوة في التكنولوجيا المالية

أدركت قطر قيمة الاستثمار في هذا القطاع الذي ينمو بوتيرة متسارعة، وحققت تقدمًا كبيرًا فيه، حيث طورت استراتيجية لإنشاء مركز للتكنولوجيا المالية في الدوحة، وواصلت مسيرتها لتصبح دولة رائدة إقليميًا في تلك التكنولوجيا.  

وتوفر مؤسسة قطر الوسائل اللازمة لإجراء البحوث، وتوظف أبرز العلماء من جميع أنحاء العالم، الذين تستهويهم الفرص المتاحة لتحقيق إنجازات كبيرة والتوصل إلى منتجات مبتكرة. 

وتساهم كلية العلوم والهندسة، التابعة لجامعة حمد بن خليفة، في الجهود التي تبذلها دولة قطر في هذا المجال. وقد حصلت كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، خلال العام الماضي، على تمويل من برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي لإجراء أبحاث تتعلق بتطبيقات التكنولوجيا المالية.

ويتميز برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي بأنه الوسيلة الأساسية التي يسعى الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي من خلالها لدعم الأبحاث التي تتناول احتياجات دولة قطر، والمحددة باعتبارها "تحديات كبرى" في استراتيجية قطر الوطنية للبحوث.   
 
وقد حصلت كلية العلوم والهندسة على سبع منح لمشاريع بحثية ضمن برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي، تناول مشروعان منهم على وجه الخصوص موضوع التكنولوجيا المالية. وتميز المشروع الأول بأنه مشروع قياسي تابع للدورة الحادية عشرة من برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي بعنوان "توسيع تكنولوجيا سلسلة البيانات – نموذج جديد وتطبيقاته للأمن السيبراني والتكنولوجيا المالية". وحاز المشروع على تمويل كامل بقيمة تجاوزت مليون دولار أمريكي.  

والمشروع الآخر تابعٌ للدورة الحادية عشرة من برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي بعنوان "التكنولوجيا المالية السيبرانية المرنة". ويتناول هذا المشروع، الذي يمتد لثلاث سنوات، التمويل التجاري المعتمد على سلسلة البيانات، ومن المتوقع أن يبدأ في شهر سبتمبر 2019. وقد حصل هذا المشروع على تمويلٍ إجمالي قيمته 3 ملايين دولار. 

أبحاث كلية العلوم والهندسة تؤدي دورًا مهمًا

ترتبط أبحاث كلية العلوم والهندسة ارتباطًا وثيقًا بسلسلة البيانات، وهي تكنولوجيا تدخل في صميم 80% من الابتكارات في مجال التكنولوجيا المالية، وتساعد في تقييم درجة أمان الصفقات المالية. 

ورغم تعدد الفوائد من التكنولوجيا المالية، هناك تهديدان محتملان لهذه التكنولوجيا وهما: المخاطر الاعتيادية للخدمات المالية مثل الاحتيال؛ بالإضافة إلى تهديدات الهجمات السيبرانية. ويُمَكِن التمويل، الذي حصلت عليه كلية العلوم والهندسة من برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي، الكلية من إجراء الأبحاث في تلك المجالات بشكلٍ أوسع.
 
وتمتلك سلاسل البيانات القدرة على تقديم حلول لم نتمكن من تصورها بعد، وقد دخلت كلية العلوم والهندسة في محادثات مع البنوك الكبرى لتنفيذ هذه التكنولوجيا. وترحب الكلية بالموظفين من عدة بنوك، بالإضافة إلى وزارتي الداخلية والدفاع، وتزودهم بالمهارات اللازمة لفهم أنواع الخدمات، ومحاولة تحسينها.  
 
بالإضافة إلى سلاسل البيانات، تطبّق كلية العلوم والهندسة بنشاط تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات على التطبيقات المالية. وقد أنهى الشيخ منصور آل ثاني، أحد خريجي الكلية، أطروحته في برنامج الماجستير حول توقع سلوكيات سداد الشيكات المرتجعة، باستخدام بيانات حصل عليها من مكان عمله بوزارة الداخلية.
 
وفي دولة قطر، عندما يُرتجع الشيك، تُقيد هذه الحالة في سجل بوزارة الداخلية في كل مرة. وتُسَدد بعض الشيكات في نهاية الأمر، ولكن البعض الآخر لا يُسدد. وباستخدام وسائل تحليل البيانات، طور منصور نموذجًا يتنبأ بما إذا كان الشيك المرتجع سيُسدد بالكامل خلال ستة أشهر من تسجيله المبدئي، مع تحقيق هذا النموذج لمعدل دقة تجاوزت نسبتها 80 بالمائة. وتطور كلية العلوم والهندسة هذه التكنولوجيا، وتتعاون مع البنوك المحلية على تحليل حالات العجز عن سداد قروض التجزئة باستخدام البيانات السلوكية. 
 
وتلتزم جامعة حمد بن خليفة بالمشاركة في التصدي للتحديات المُلِحة التي تواجه قطر والمنطقة، حيث تشارك الجامعة في مشاريع مهمة، مثل محاولة تطبيق علوم البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الخدمات المصرفية والمالية، بالإضافة إلى التصدي لتهديدات الأمن السيبراني التي تجتاح تلك النطاقات المذكورة. ويتميز مسؤولو البنوك المحلية، على وجه الخصوص، بعقلياتهم المنفتحة واستعدادهم لتجربة التكنولوجيا الحديثة. وتبشر التكنولوجيا المالية بتحقيق فوائد كبيرة للبنوك وعملائها.