الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة في الرعاية الصحية ولكنه سيستغرق بعض الوقت

الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة في الرعاية الصحية ولكنه سيستغرق بعض الوقت

18 سبتمبر 2022

الدكتور موفق حوسة هو خبير في مجال الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية

في الجزء الثاني من السلسلة المكونة من ثلاثة أجزاء التي تناقش دور الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية، نتحدث إلى الدكتور موفق حوسة، الأستاذ المشارك في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، عن وجهات نظره حول هذا الموضوع.

كيف ترى دور الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية؟

أعتقد بشدة أن الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورةً في قطاع الرعاية الصحية. كما قال طبيب القلب والعالِم والمؤلف الأمريكي إريك توبول، سيجعل هذا التقدم خدمات الرعاية الصحية تتسم بالطابع البشري مرة أخرى عبر السماح للخوارزميات بتشخيص الأمراض وعلاجها مع فهم الأطباء للمعلومات ونقلهم لها بطريقة متعاطفة إلى المرضى. وأعتقد أنه لن يُنظر إلى المرضى في المستقبل على أنهم يعانون من مرض أو عدد من الأمراض أو حتى على أنهم مصابين بأمراض معينة، ولكن سيُنظر إليهم بدلاً من ذلك على أنهم مستهلكين يسعون للحصول على المساعدة والدعم لعلاج الأمراض التي يتعرضون لها وفهمها والتعامل معها. وأعتقد أنه بدلاً من أن يقوم الطبيب بعملية التشخيص التقليدية في المستقبل، ستؤدي الخوارزمية معظم العمل وسيتحقق الطبيب بعد ذلك من صحة المعلومات وسيقوم بالتواصل مع المرضى وإخبارهم بحالتهم وتوعيتهم وقضاء المزيد من الوقت معهم. وقد يبدو هذا الأمر بعيد المنال، ولكنه ممكن من الناحية النظرية والفنية، ولكن من منظور السلوك البشري أو التنظيمي الذي قد يستغرق وقتًا طويلاً للظهور. ويمكن القول إن مستقبل الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي مشرق للغاية، لكنني أعتقد أن الطريق للوصول إلى ذلك سيكون طويلاً ووعرًا للغاية.

إذًأ، ما هي التحديات؟

نحن بحاجة إلى التركيز على الغرض من استخدام التكنولوجيا بدلاً من الاعتماد على التكنولوجيا نفسها لحل مشكلة أو تحدٍ معين في قطاع الرعاية الصحية. ويُمثل التركيز على التكنولوجيا نفسها باعتبارها حلاً لمشاكلنا مشكلةً في حد ذاتها أدت أو قد تؤدي إلى حدوث مجموعة من الأخطاء وإهدار للموارد القيِّمة في بيئة رعاية صحية شحيحة الموارد كان من الممكن استخدامها لتوظيف المزيد من الأطباء أو شراء المستلزمات الطبية. ويعتقد التكنولوجيون أن التكنولوجيا يمكن أن تحل جميع مشاكل الرعاية الصحية، لكن العديد من الأطباء يرفضون استخدام التكنولوجيا التي لا تلبي احتياجاتهم المعلوماتية أو السريرية. ومن ناحية أخرى، يركز علماء المعلومات مثلي على المشكلة ويحاولون معرفة نوع المعلومات التي يمكن أن تساعد في حل تحدٍ معين ومواءمة التكنولوجيا أو الأدوات المناسبة لحل هذه المشكلة بالذات.

هل يمكنك أن تقدم لنا مثالا؟

ذات مرة ذهبنا لزيارة طبيب عائلة أراد إيجاد طرق للتعامل مع المرضى المصابين بالسكري الذين كان يعالجهم. وكنت برفقة عالم حاسوب عرض كيف يمكن تحليل بيانات التكنولوجيا القابلة للارتداء باستخدام الذكاء الاصطناعي واستخدم بعض تقنيات التصور المذهلة التي لخصت الكثير من المعلومات للطبيب. وقتها، قال الطبيب إن الأمر يبدو لطيفًا لكنه لم يكن بحاجة إلى هذه المعلومات، ولم يتمكن من دمجها في سير عمله معللاً بأن هذه المعلومات لم تجب عن الأسئلة التي يحتاج إلى إجابات. وهذا هو المجال الذي تناولته وطرحت عددًا من الأسئلة لكي أتمكن من فهم الصورة الكاملة لاحتياجات الرعاية الصحية المتعلقة به وما إذا كان الذكاء الاصطناعي جزءًا من الحل أم لا. وكانت الأسئلة التي طرحتها بسيطة للغاية وهي: ما نوع الأسئلة التي تدور في ذهنك عندما تكون برفقة أحد المرضى، وما هي المعلومات أو المتغيرات أو مصادر البيانات التي تحتاج إلى الوصول إليها من السجل الصحي الإلكتروني الذي يساعد في الإجابة عن كل سؤال تطرحه؛ وكم مرة تقوم بذلك. وأنا أسير في هذا الطريق لفهم الاحتياجات إلى المعلومات وسأحاول بعد ذلك دمج التكنولوجيا للمساعدة في الإجابة على أسئلة الأطباء وتحديد كيف يمكنني دمج المعلومات المطلوبة في سير العمل بأقل قدر من الإرباك.

إذًا، كيف يمكننا الاستفادة بشكل أكبر من الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية في هذا البلد؟

أعتقد أن هناك العديد من الطرق، لكننا نحتاج أولاً إلى مواءمة استراتيجية الذكاء الاصطناعي مع الاستراتيجية الوطنية للصحة في قطر https://extranet.who.int/)). وتركز هذه الاستراتيجية على 16 مجالاً ولها أربعة عوامل تمكين استراتيجية. ونحن بحاجة إلى التعاون مع مجتمع الرعاية الصحية لتحديد المشكلات وفقًا لخطة الرعاية الصحية ومعالجتها لمعرفة ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي المساعدة في التعامل معها. كما نحتاج إلى التعلم من المؤسسات الأخرى الموجودة في المنطقة وحول العالم التي تطبق الذكاء الاصطناعي وتنجح في القيام بذلك. ونحن بحاجة إلى تعزيز معرفتنا من التجارب الموثوقة علميًا أو التي تأتي من مصادر نعرفها ونثق بها. ونحتاج أيضًا إلى التعرف على التحديات التي تعترض الجهود المبذولة لاستخدام الذكاء الاصطناعي ونحتاج إلى التوصل إلى فهم أكثر شموليةً بدلاً من الفهم التقني لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تلك المؤسسات.

هل الاعتماد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية له أي عيوب، وإذا كان الأمر كذلك، ما هي عيوبه؟

الرعاية الصحية مجال إنساني ومعقد للغاية يعاني من عدد من التحديات التي يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في معالجتها أو قد يزيدها سوءًا. وفي القطاعات التي تكون فيها الاحتياجات إلى المعلومات واضحة، مثل السفر والتمويل وخدمات التنقل باستخدام سيارات الأجرة على سبيل المثال، يمكن أن يساعد تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي في جعل هذه القطاعات أكثر كفاءة وقوة مثلما هو الحال مع شركة أوبر، وأدوات التداول المالية في البورصة وما إلى ذلك. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بخدمات الرعاية الصحية، تكون الاحتياجات 

إلى المعلومات متعددة الطبقات والأوجه. وعلاوة على ذلك، هناك مسائل أخلاقية مثل البيروقراطية، والأمور المالية، وهياكل المؤسسات، والسياسات، والاتجاهات السكانية. ويتقدم التطور التكنولوجي بوتيرة سريعة جدًا لدرجة أن قطاع الرعاية الصحية يتأخر دائمًا في استخدام هذه التكنولوجيا وتطبيقها.  

والاعتماد على أي أداة في بيئة معقدة متعددة الأوجه في هذا الوقت من الزمن أمر محفوف بالمخاطر للغاية، لا سيَّما وأن العديد من أدوات الصحة الرقمية التكنولوجية تفتقر إلى دراسات صارمة لتقييمها. لكن تكنولوجيا الصحة الرقمية سوف تستمر في إحداث تأثير على قطاع الرعاية الصحية سواء كانت مدعومة بالذكاء الاصطناعي أم لا.

هلا تفضلت بإعطائنا بعض الأمثلة على عمل كلية العلوم والهندسة الذي يقوم على استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية

تتعاون كلية العلوم والهندسة مع مؤسسة حمد الطبية في العديد من المشاريع، ومن بينها:

  • وصلات آلية مدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لمعالجة كمامات N95 المستخدمة (بتمويل من منحة بحثية داخلية من مؤسسة حمد الطبية). ويهدف هذا المشروع، الذي يقوده الدكتور ديفيد يانغ والدكتور هاميش ماكاي، إلى جعل كمامات N95 قابلة لإعادة الاستخدام عبر سلسلة من المعالجات الآلية باستخدام أضواء الأشعة فوق البنفسجية. وتشتمل مسؤوليات جامعة حمد بن خليفة على الطباعة ثلاثية الأبعاد لعدة أجزاء، والعمل المشترك على تطوير ذراع آلي يعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يلتقط القناع المستخدم ويضعه في هذه الوصلات. 
  • مجهر ذكي لأخصائيي أمراض الأنسجة (يحظى بتمويل من منحة الابتكار بمؤسسة حمد الطبية). وفي هذا المشروع الذي يشارك فيه الدكتور ديفيد يانغ، والدكتور ماركو أجوس، والدكتور ينس شنايدر، تهدف الكلية إلى بناء مجهر يحظى بدعم من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يحلل الصور النسيجية المرضية تلقائيًا. ويتمثل دور جامعة حمد بن خليفة في إنتاج نماذج الذكاء الاصطناعي المطلوبة لتجزئة الصور الطبية، ونشر النموذج على جهاز ذكاء اصطناعي متطور متصل بالمجهر. 
  • أنا أعمل أيضًا على تطبيق يسعى إلى التعرف على الإحساس بالعاطفة وتحليل مشاعر الأطفال من خلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بحيث يمكن أن يساعد الآباء والأطفال على تعزيز الروابط من خلال الفن وتقييم احتياجاتهم العاطفية.