إدارة أمن الطاقة الإقليمي في عصر المعلومات المضللة

إدارة أمن الطاقة الإقليمي في عصر المعلومات المضللة

12 ديسمبر 2019

إدارة أمن الطاقة الإقليمي في عصر المعلومات المضللة

خلال مؤتمر صحفي عُقد مؤخراً، شجب السيد جايسون كيني، رئيس وزراء ولاية ألبرتا، انتشار المعلومات المضللة على وسائل الإعلام الاجتماعي التي تناولت صناعة الطاقة في هذه الولاية الكندية. وللتصدي لهذه المعضلة، فقد أنشأ "غرفة عمليات" خاصة بالإعلام الاجتماعي، حيث قام خبراء مختصون بالرد على نشر المعلومات المضللة ذات الصلة بالصناعة. وقد تم رصد مبلغ 30 مليون دولار لدعم جهود هؤلاء الرامية إلى استئصال الإعلانات المغرضة والمعلومات غير المحقق منها والأنشطة المضرة التي تنشرها دول أو هيئات منافسة.

لكن ألبرتا ليست بأي شكل من الأشكال الولاية أو الدولة الوحيدة التي عانت من حملة منظمة هدفت لتشويه سمعة وأنشطة قطاع الطاقة فيها. فقد لعبت المعلومات المضللة المنافسة دوراً خلال سلسلة الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط في خليج عُمان، مؤخراً، وساهمت في تأجيج التوتر الإقليمي. ولا غرابة بعد ذلك أن يُحدد المنتدى الاقتصادي العالمي المعلومات المضللة كخطر متفاقم على الأمن الدولي.

من وجهة نظر قطاع الطاقة، تتوفر لدى المعلومات المضللة المنافسة إمكانية تشويه الأسعار والتوفر والقدرة على تحمل الكلفة وعرقلة إمكانية الوصول في الأسواق الإقليمية وأسواق الطاقة. ولعل الأسوأ من ذلك، يترتب على استخدام المعلومات المضللة من قبل الدول للحفاظ على مكانتها المهيمنة في مجال الطاقة تداعيات أمنية محتملة على قطاعات أساسية أخرى، لا سيما السياحة. وببساطة، كلما اعتمدت المجتمعات والبُنى التحتية الحيوية على شبكات التواصل الاجتماعي لأغراض العمل، تزداد إمكانية تعرضها لمخاطر المعلومات المضللة المنافسة. 

ونتيجة لتواجد شبكات التواصل الاجتماعي، يُمكن لمصدر معلومات زائفة، يُسلط القادة الوطنيون أو المؤثرون في الإعلام الاجتماعي عليها الضوء، أن تنتشر بسرعة فائقة، وتتسبب بانهيار أسواق الطاقة خلال ثوان قليلة. ولعل ما هو أسوأ من ذلك يكمن في أنه، بمجرد أن يصدّق الناس تلك المعلومات، يُصبح من الصعب إزالتها أو مواجهتها بالحقائق. ومن هنا، فقد أصبحت المعلومات المضللة المنافسة سمّة تميز الاستراتيجيات الناعمة أو الهجينة والمُصممة للإضرار بالمصلحة الوطنية وأمن الدول والهيئات المعادية ونسف صدقيتها.

وبناء على ذلك، كيف يُمكن للدول أو أصحاب المصالح الرئيسيين في قطاعات الطاقة والبنية التحتية الحيوية التصرف حيال التأثيرات الأمنية المتصاعدة للمعلومات المضللة المنافسة؟ مع الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة غير المستقرة لصناعة الطاقة، تبرز الحاجة لتبني استراتيجيات تدخل فاعلة لتقليص انتشار المعلومات المضللة خلال المراحل الأولى لانتشارها، وتعزيز نشر المعلومات الصحيحة عبر أوسع القنالات على شبكات التواصل الاجتماعي.

وتتمثل الخطوة المهمة الأولى في إنشاء فرق للاستجابة السريعة من أجل نشر المعلومات الصحيحة ذات الصلة بقطاع الطاقة المستهدف، وبصورة استباقية. ومن الضروري عدم الانتظار لحين حدوث الهجوم من أجل صياغة استراتيجية للاستجابة. ونظراً للكلفة والوقت اللذين يتطلبهما إطفاء حرائق شبكات التواصل الاجتماعي، فإنه من الضروري إنشاء هيئات أو لجنات جاهزة لتزويد الجمهور العام بالمعرفة الضرورية للتصدي للمعلومات المضللة حول الصناعات والقطاعات الحيوية. ويجب أن تُزود هذه المؤسسات بالقدرة على توقع ومواجهة أنشطة المعلومات المضللة والاستجابة لها بمجرد ظهورها. وخير مثال على ذلك هو فريق عمل "إيست ستراتكوم"، الذي أعده الاتحاد الأوروبي للتصدي لحملات المعلومات المضللة التي أطلقتها روسيا.

ويوفر القانون الدولي إجراءات للتصدي للتدخلات التي تقوم بها دولة ما في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. وقد يُشكل نشر المعلومات المضللة، بشكل مقصود، وبهدف غرس الشكوك أو إنشاء معارضة أو تكوين رواية سلبية حول دولة أخرى خرقاً لمبادئ عدم التدخل الواردة في القانون الدولي. وكذلك، تمنع البنود رقم 3 و4 من الاتفاقية الدولية لاستخدام البث الإذاعي لصالح السلام لعام 1936، التي وقعتها دول عدة، بث الأخبار الملفقة. ويقع نشر المعلومات المضللة تحت أحكام هذه الاتفاقية، مما قد يُحضر الخلفية القانونية لرفع دعوى ضد الدولة المخالفة. وعلى سبيل المثال، وتحت البند 3 (2) من الاتفاقية المذكورة، يُمكن للدولة المتضررة من المعلومات المضللة المنافسة الطلب من ناشر هذه المعلومات التوقف عن نشرها أو تصحيحها دون تأخير. بالإضافة إلى وقف نشر المعلومات المضللة، يُمكن للدولة المتضررة طلب تعويضات من الهيئة أو الدولة المعتدية، وخاصة عندما تتسبب تلك المعلومات بتأثير اقتصادي سلبي.

هذا ويتوجب على القطاع الخاص لعب دور كبير في إدارة والحدّ من تأثير المعلومات المضللة المنافسة على العمليات والأنشطة المختلفة. ومع الأخذ بعين الاعتبار حجم وتعقيد والضرر المحتمل على سمعة الشركة وربحيتها، فمن الضروري تطوير أنظمة إدارة معلومات مترابطة وشاملة، قادرة على الحدّ من انتشار المعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي. ويُمكن لاستراتيجيات وخطط إدارة المخاطر الشاملة مساعدة شركة ما في تقليص تعرضها لهكذا حملات، وإدارة تداعيات المعلومات المضللة المنافسة.