تحليل بيانات الرعاية الصحية وتحدياتها: وعود محققة أم مستقبل غامض؟

تحليل بيانات الرعاية الصحية وتحدياتها: وعود محققة أم مستقبل غامض؟

25 نوفمبر 2019

هل يمكن أن يساعد جمع البيانات الضخمة عبر الوسائل غير التقليدية في تطوير الرعاية الصحية ومتى نتغلب على تحدياتها؟

تحليل بيانات الرعاية الصحية وتحدياتها: وعود محققة أم مستقبل غامض؟

يتبنى قطاع الرعاية الصحية، منذ فترة طويلة، منهجيات تقليدية في جمع البيانات، شملت السجلات الطبية العامة، وأنظمة متابعة المرضى بالمستشفيات، وأنظمة حفظ الملفات الإدارية، باعتبارها الآلية الوحيدة لتطوير منظومة رعاية المرضى. وعلى الرغم من ذلك، هناك اتجاهًا قويًا لجمع البيانات من مصادر متباينة وغير مرتبطة ظهرت حديثًا في الأفق. وسواء كنا موافقين أم رافضين، فإن الساعات الذكية التي نرتديها، ومنصات التواصل الاجتماعي التي نستخدمها، وأجهزة الهواتف الذكية التي نحملها، والبيانات الجينية التي تحويها أجسامنا، ترسم بتأنِ وتؤدة وثبات مستقبل الرعاية الصحية التي نتلقاها. ولكن ما مدى نجاح هذا التوجه في الوفاء بوعوده المأمولة؟ وما هي المعوقات التي تعرقل تقدمه؟

بيانات ضخمة وتحديات كبيرة

على الرغم من أن ثورة البيانات الضخمة قد زادت من وتيرة النمو والاستثمار في مؤسسات الرعاية الصحية، وخصوصًا فيما يتعلق بتجميع البيانات لتحسين رعاية المرضى، إلا أن هناك العديد من التحديات غير المرئية. أولاً: لا يمكن لطاقة الحوسبة التقليدية أن تعالج هذه الكميات الضخمة من البيانات. وهذا ما يحاول مجال البيانات الضخمة تحقيقه الآن؛ للبحث في منهجيات جديدة للجمع بين المصادر التقليدية وغير التقليدية واستخدام الخوارزميات، للعثور على أنماط البيانات، بهدف تحسين متابعة المرضى ورصد الأمراض ووصفات العلاج ورعاية المرضى. فما هو الهدف النهائي؟ لا شك أنه يكمن في تحسين دعم المرضى وآليات الاقتصاد في التكاليف لفائدة قطاع الرعاية الصحية.

ومن المحتمل أن يأتي هذا النهج غير التقليدي منسجمًا مع تغلغل وسائل التكنولوجيا في جميع جوانب حياتنا اليومية، التي تترك لدينا أسئلة معقدة للغاية مثل: كيف تتوفر المعايير الأخلاقية في منهجيات جمع البيانات هذه؟ وهل متخصصو الرعاية الصحية مؤهلون للاستفادة من هذه الوسائل في جمع البيانات؟ وكيف يمكننا تطبيق هذه المنهجيات في التشخيص والعلاج الطبي؟ وهل جميع البيانات متساوية وتعكس نفس الحقائق؟

إن إضفاء الطابع الشخصي على الصحة يعني طلب البيانات عبر إحصائيات الحمض النووي، والإحصائيات الاجتماعية والديموغرافية، والمواد التي يرتديها الإنسان، وعوامل أخرى منها البيئية. إن الجمع بين مصادر البيانات المختلفة هذه بغرض فهم ظروف المرضى على المستوى الفردي هو حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكن سيستغرق الأمر الكثير من الوقت وسيحتاج للكثير من الموارد لإحداث تغيير ثقافي وتكنولوجي وتعليمي؛ لكي تصبح الرعاية الصحية الشخصية والفردية ممارسة لها معاييرها المعتبرة ضمن بيئة الرعاية الصحية.

ويسير التغيير داخل نظام الرعاية الصحية ببطء نوعًا ما وسوف يستغرق وقتًا، لكن الحل بطبيعته يكمن في منظومة التعليم الطبي. فإذا تدرَّب الأطباء على استخدام السجلات الصحية الإلكترونية، ودرسوا دورات جامعية في المعلوماتية الطبية الحيوية والصحية، فسوف يتعرضون لأنواع مختلفة من البيانات، ويمكن تدريبهم على كيفية دمج هذه المعلومات في إطار عمل احترافي متخصص. ومع ظهور البيانات الضخمة وأدوات الذكاء الاصطناعي، يمكن لمناصري هذا التوجه إن يقدموا البينة على أن الذكاء الاصطناعي سوف ينوط به أخذ الكثير من القرارات المتعلقة بالتشخيص وخيارات العلاج، ولكن ستظل هناك حاجة للأطباء لتطبيق هذه المعلومات على المرضى. هذا هو المجال الذي يمكننا أن نتخيل فيه مهنة الطب تنتقل من نهج يركز على الأمراض، إلى نهج يمثل الإنسان محوره الأساسي. ومهما كانت التغييرات التي تحدث في النهاية، فهناك شيء واحد مؤكد، ألا وهو قطاع الرعاية الصحية الذي سيحتاج إلى التأقلم في الوقت المناسب.

هل اللوائح التنظيمية ضرورية حقًا؟ حالات تؤيد وأخرى تعارض

مع تزايد انتشار ممارسات جمع البيانات غير التقليدية على نطاق واسع، تظهر الحاجة إلى شكل من أشكال المتابعة. فقد كان أداء دول أمريكا الشمالية وأوروبا جيدًا، بشكل خاص من خلال سن قوانين خاصة بكل دولة. وفي مجلس التعاون لدول الخليج العربية، امتثلت مؤسسات الرعاية الصحية للمعايير العالمية ذات العلاقة بسياسات وإجراءات الخصوصية الصحية في المستشفيات على مستوى البلاد. وعلى الرغم من وجود لوائح تنظيمية، فقد تجد أن هناك مستشفيات متنوعة تتبنى إجراءات متباينة، عندما يتعلق الأمر بخصوصية المعلومات الصحية.

وهنالك سؤال صعب إلى حد ما يطفو على السطح عندما ندرس حيازة السجلات الصحية الإلكترونية، التي تعطي تعريفًا ضيقًا لـ "إذن الوصول"، والتي لا تضمن بأي حال من الأحوال السرية الكاملة للمرضى. إضافة إلى ذلك، فقد فشلت بعض إجراءات حماية المرضى في تضمين أدوات تعقب اللياقة البدنية ومواقع التواصل الاجتماعي ومدفوعات بطاقات الائتمان، بموجب المواد المتعلقة بخصوصية البيانات. فبمجرد نشر السجلات الصحية الإلكترونية على الإنترنت، فإننا نفقد الإطار القانوني الذي قد نستطيع من خلاله تنظيم استخدامها.

وسوف نعتمد في التغلب على هذه التحديات على ما إذا كانت هذه المصادر تُحدّثُ فرقًا كبيرًا في اتخاذ القرارات السريرية. فإذا اعتمد الأطباء بشكل متزايد على الطرق غير التقليدية في جمع المعلومات، فستصبح هناك حاجة حتمية إلى تنظيم هذه المعلومات بشكل واضح. وتلعب موثوقية مصادر البيانات دورًا رئيسيًا هنا، حيث شاهدنا تقدمًا كبيرًا في دمج بيانات الحمض النووي، ولكن البيانات الأخرى الواردة من الأجهزة القابلة للارتداء لم تحقق الكثير من التقدم في عموم قطاع الرعاية الصحية.

مواءمة الاحتياجات المعاصرة

ونظرًا لتنامي التوجهات العالمية في هذا الشأن، فقد استهلت كلية العلوم والهندسة، إحدى كليات جامعة حمد بن خليفة، برنامجين أكاديميين لطلاب الدراسات العليا في هذا التخصص وهما: ماجستير نظم المعلومات في الإدارة الصحية، وماجستير تحليلات البيانات في الإدارة الصحية، بالتعاون مع كلية العلوم الصحية والحيوية. وهما برنامجان فريدان ومصممان لإعداد الطلاب للاضطلاع بالمهام المتخصصة في تصميم وإدارة نظم المعلومات والخدمات ذات الصلة في مؤسسات الرعاية الصحية وقطاعاتها.

يجسد هذان البرنامجان التزام جامعة حمد بن خليفة طويل المدى بشأن بناء قادة المستقبل، الذين يتمتعون بالخبرة والمعرفة المستنيرة، والقادرين على المواءمة مع تصورات وتوجهات المستقبل. وتعمل هذه البرامج على فرضية أن المستقبل يُخفي بين طياته وظائف لم تتوفر مسمياتها بعد، وأن الفوز في هذا السباق والتواجد في الطليعة سيكون حيويًا من أجل الاستمرار والنجاح في العقود القادمة.