هل تخلو السجائر الإلكترونية من الأضرار الصحية؟

هل تخلو السجائر الإلكترونية من الأضرار الصحية؟

09 أكتوبر 2019

هل تخلو السجائر الإلكترونية من الأضرار الصحية؟

على الرغم من تسويق السجائر الإلكترونية على أنها بديل "أوجه" و"أقل ضررًا"، تشير الأدلة العلمية المتنامية إلى أن السجائر الإلكترونية يجب أن تحظى بنفس التحذيرات الصحية مثلما هو الحال مع باقي منتجات التبغ المعتادة. وحتى الآن، وبينما هنالك حاجة إلى مزيد من البحوث العلمية لتقرير ولو لمرة واحدة وللجميع أن السجائر الإلكترونية تمثل تحديًا خطيرًا على الصحة العامة، فإن هناك دولاً ومدنًا حول العالم قامت بالفعل بحظر استخدامها، وتشمل هذه القائمة دولة قطر التي طبقت إجراءات عقابية على الموردين والمستخدمين على حد سواء.

المخاطر الصحية

في حين يُعد تزايد انتشار السجائر الإلكترونية وتنامي قبولها لدى عموم الناس ظاهرة حديثة نسبيًا، فإن العديد من الدراسات قد أثبتت وجود آثار ضارة للسجائر الإلكترونية على المدخنين ومَنْ حولهم. وتشير الأبحاث العلمية إلى أن السجائر الإلكترونية تفاقم إمكانية التعرض للعديد من المواد الكيميائية والمعادن السامة التي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض العصبية وأمراض الجهاز التنفسي، فضلاً عن تسببها في مضاعفات صحية قصيرة وطويلة الأجل. وقد تبين وجود العديد من السموم والمواد في السجائر الإلكترونية مثل الكروم والنيكل بصفتها مواد مُسرطِنة يستنشقها المدخنون، ومن المحتمل أن تُسبب إصابتهم بالسرطان.

توجد العديد من المعادن الثقيلة في السجائر الإلكترونية على شكل جزيئات نانوية تستطيع أن تتغلغل في عمق رئتيالمدخن،وتعمل على إتلاف الحويصلات السنخية التنفسية. علاوة على ذلك، تستطيع هذه الجسيمات النانوية أن تنتقل إلى أعضاء حيوية أخرى في جسم الإنسان مثل القلب والمخ والكليتين والكبد، وقد تسبب التهابات وتلفًا خطيرًا في الخلايا. كما أن احتواءها على مواد معدنية مثل الرصاص، التي لا يمكن طردها بسهولة من الجسم، ويُمكن أن يكون لكمية ضئيلة منها آثارًا صحيةً وخيمةً، يُعد أمرًا مثيرًا للقلق. وفي حين أن السجائر الإلكترونية تحتوي على كمية أقل من النيكوتين مقارنة بالسجائر التقليدية، ويستخدمها المدخنون بشكل متزايد كأدوات مساعدة للإقلاع عن التدخين، فإن الأبحاث العلمية تشير إلى أن دخانها يحتوي على معادن خطيرة وبدرجة تركيز أعلى، وهو ما يعرض صحة مدخنيها لخطر كبير.

شيوع المفاهيم الخاطئة

بالعودة إلى أوائل التسعينيات، لم تثبت الأبحاث العلمية والطبية في ذلك الوقت وجود علاقة سببية قوية بين التدخين والأمراض الفتاكة مثل سرطان الحنجرة أو سرطان الرئة. وبينما ازدادت المخاوف حول مخاطر التدخين بدرجة كبيرة في جميع أنحاء العالم، إلا أن الافتقار إلى الأبحاث الجوهرية قد أعطى لصناعة التبغ فرصة لاستغلال الموقف والاستفادة من الرياضيين والأطباء والباحثين والمشاهير للإعلان عن منتجاتهم والترويج لها.

نعود سريعًا إلى زماننا هذا، لنجد أنفسنا نواجه مرة أخرى وضعًا مشابهًا مع تزايد استخدام السجائر الإلكترونية ومنتجات التدخين، حيث تروج الحملات الدعائية للسجائر الإلكترونية على أنها وسيلة مساعدة وفعالة للإقلاع عن التدخين وبديل صحي للسجائر التقليدية التي يمكن أن تساعد حتى في تعويض النقص في الفيتامينات. وهنالك تشابه آخر في طريقة الترويج للتدخين على أنه يعكس أناقة الشخص وأنه أحد عاداته العصرية، وكيف يُروج الآن للسجائر الإلكترونية على أنها منتج "رائع" و"أنيق"، ونتيجة لذلك، اكتسبت السجائر الإلكترونية قبولاً باعتبارها وسيلة للمسايرة والمجاملات الاجتماعية مع تجاهل آثارها الضارة على المدخنين ومَنْ حولهم.

ارتفعت مبيعات السجائر الإلكترونية بشكل حاد في العقد الماضي. ويتوقع محللو صناعة التبغ أن تتجاوز مبيعات السجائر الإلكترونية ومنتجات التدخين مبلغ 44مليار دولار أمريكي خلال السنوات الخمس المقبلة. وتشير هذه الإحصائية إلى استثمار مبالغ ضخمة في هذه الصناعة، بما في ذلك حصص كبيرة تستحوذ عليها شركات متعددة الأنشطة تضم "بيج توباكو". وبالتالي تُنفق مليارات الدولارات سنويًا على الحملات الترويجية للسجائر الإلكترونية. ومع ذلك، تغيب الدلائل العلمية القاطعة التي تشير إلى أن السجائر الإلكترونية فعالة في كبح جماح إدمان التبغ، وأن عدم اليقين الذي يبدو واضحًا فيما يتعلق باستخدامها لفترة طويلة يجب أن يكون سببًا كافيًا للتشكك والحذر.

استمالة الشباب

في حين أن السجائر الإلكترونية قد تكون منتجًا يختاره المدخنون الذين يحاولون التخلص من إدمان التبغ، فإنه يتعين على المرء إدراك أن هذه السجائر يشتريها أيضًا غير المدخنين، وأن جزءًا كبيرًا منهم من المراهقين والشباب، الذين تشكل السجائر الإلكترونية تهديدًا خطيرًا يفتح الباب لهم نحو إدمان التبغ والأفيون. ولا تعد الزيادة الكبيرة في انتشار السجائر الإلكترونية بين الشباب مفاجئة لأن المنتجين يستهدفون بشكل فاعل فئة الشباب من خلال الإعلان عن منتجاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، مستخدمين محتوى الثقافة الشعبية الرائجة بين الشباب في الترويج للمهرجانات الموسيقية ورعايتهم لها وغيرها من الفعاليات التي تحوز على اهتمام الشباب. بالإضافة إلى ذلك، فإن إدخال آلاف النكهات يعد تكتيكًا لجذب المستهلكين الشباب وهو أمر خطير للغاية. وتُظهر النتائج المختبرية أن هذه المواد المشبعة بالنكهات تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وتلف الأنسجة بين المدخنين.

وحتى إذا استخدمت السجائر الإلكترونية دون أي نكهات إضافية فإنها ستظل ضارة للغاية. وقد استعرضت الأكاديمية الوطنية للعلوم والهندسة والطب في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا أكثر من 800 دراسة علمية تتعلق بتدخين السجائر الإلكترونية، ولم يجدوا أي دليل يمكن أن يصنف السجائر الإلكترونية على أنها آمنة، حيث أن كمية النيكوتين المستهلكة فيها لا تزال مماثلة للسجائر التقليدية، والتي تضع الإنسان تحت وطأة العديد من المخاطر الصحية المماثلة. فضلاً عن ذلك، وجدت الدراسة أيضًا أن المواد المسرطنة والموجودة في دخان السجائر الإلكترونية، بما في ذلك مواد نتروزامين المسرطنة، وفورمالديهايد، وأكرولين، ومواد أخرى سامة وخطيرة، يمكن أن تؤدي إلى تلف الحمض النووي وخلايا المخ، وتسبب أمراضًا تهدد حياة الإنسان.

الأبحاث العلمية ودحض الأساطير وفرض الحظر

سوف يستغرق الأمر سنواتِ من البحث المفصل والمركّز لتحديد المخاطر الطويلة الأجل للسجائر الإلكترونية بشكل قاطع، ومع ذلك تساعد نتائج البحوث الحالية على تسليط الضوء على تأثيرها الضار على المدخنين. وفي ضوء ذلك، يزداد الاهتمام بتنامي شعبية السجائر الإلكترونية، وفي الآونة الأخيرة، أصبحت سان فرانسيسكو أول مدينة أمريكية تحظر السجائر الإلكترونية إلى جانب العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك البرازيل وقطر وسنغافورة والمملكة المتحدة. وقامت العديد من الدول الأخرى بتنظيم مبيعاتها والحد من وصولها إلى فئة الشباب. وفي سابقة ممتازة، أصدرت محكمة الجنايات في قطر أحكامًا صارمة ضد كل من يورد أو يستخدم السجائر الإلكترونية، وتجرِّم المحكمة استيرادها وبيعها في قطر باعتبارها أعمالاً غير قانونية يعاقب عليها القانون.

وعلى الرغم من الجهود الكثيرة التي يبذلها قطاع التبغ وما يمارسه من ضغوط، لم توافق إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام السجائر الإلكترونية كوسيلة مساعدة للإقلاع عن التدخين، وقد حددت منظمة الصحة العالمية المعلومات المغلوطة عن السجائر الإلكترونية والقادمة من قطاع التبغ كتهديد حقيقي وقائم. لذلك، وعلى الرغم من الحاجة إلى مزيد من الوقت لإثبات تأثير السجائر الإلكترونية على المدى الطويل، إلا أن الأدلة الحالية كافية لاستنتاج حقيقة أنه يتعين على المرء الابتعاد عن تدخين السجائر الإلكترونية نظرًا لعواقبها الخطيرة على صحة الفرد والمجتمع.

كتبه:

الدكتور محمد فرحان، أستاذ مساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة في قطر. قبل انضمامه إلى جامعة حمد بن خليفة، أكمل الدكتور فرحان دراسات ما بعد الدكتوراه في جامعة أكسفورد، وعمل كزميل أبحاث أول في كلية ديوك - إن يو إس للطب في سنغافورة. تشمل اهتماماته البحثية دور العمليات العقلية وتأثير البيئة على الجوانب السلوكية والنفسية لدى الإنسان.