لماذا يعزز الصيام المتقطع عملية إعادة تدوير خلايا الجسم؟

لماذا يعزز الصيام المتقطع عملية إعادة تدوير خلايا الجسم؟

06 يونيو 2022

لماذا يعزز الصيام المتقطع عملية إعادة تدوير خلايا الجسم؟

الصيام المتقطع هو نظام غذائي يرتكز على التناوب بين الصيام وتناول الطعام وفقًا لجدول منتظم. وقد يكون نظام الصيام المتقطع خيارًا للأشخاص الذين يسعون إلى إنقاص الوزن. ومع ذلك، فإن لهذا النظام فوائد صحية تتجاوز فقدان الوزن بكل تأكيد. وفي الواقع، يؤدي الصيام إلى حدوث استجابة تكيفية أساسية على المستوى الخلوي تسمى الالتهام الذاتي.

الالتهام الذاتي بوصفه أداة طبيعية

الالتهام الذاتي هو آلية طبيعية تتفكك فيها الخلايا وتعيد تدوير مكوناتها لتوفير مصدر للطاقة في استجابة للحرمان من العناصر الغذائية والجوع. وعندما تحتوي الخلية على عناصر غذائية كافية، تظل العملية حيوية لإزالة المكونات الخلوية التالفة أو القديمة مثل البروتينات والعضيات. وتبدأ العملية بتكوين حويصلات تبتلع البروتينات والعضيات التالفة. ثم تندمج هذه الحويصلات في هياكل خلوية أخرى تسمى الجسيمات الحالَّة، التي تحتوي على إنزيمات قوية. وتحلل هذه الإنزيمات محتوى الحويصلات وتعيد تدويرها للحصول على الطاقة أو للصيانة الخلوية. وتُحفظ الآلية الجزيئية التي تتحكم في الالتهام الذاتي بدرجة عالية من الخميرة إلى الثدييات وتنظمها جينات معينة تعرف باسم 'الجينات المرتبطة بالالتهام الذاتي'. وقد تم تحديد مكونين رئيسيين للآلية الجزيئية للالتهام الذاتي، وهما 'هدف الراباميسين'، الذي يعمل كمستشعر لتوافر العناصر الغذائية؛ وكيناز البروتين المنشط AMPK، الذي يعمل كمستشعر للطاقة. وعند استنفاد العناصر الغذائية (مثلاً في حالة الصيام)، يضعف هدف الراباميسين وينشط كيناز البروتين AMPK، وهو ما يؤدي إلى حدوث عملية الالتهام الذاتي.

ولا غنى عن الالتهام الذاتي، باعتباره عملية صيانة خلوية، للحفاظ على صحة الخلايا في أنسجة الجسم في ظل الظروف الفسيولوجية. وتُحفز هذه العملية كذلك بشكل مفرط في استجابة لمحفزات الإجهاد الأخرى مثل نقص الأكسجة وتلف الحمض النووي والعناصر السامة للخلايا. ومع ذلك، يُعتبر الالتهام الذاتي أكثر أهمية في الخلايا طويلة العمر المتمايزة نهائيًا مثل خلايا القلب والخلايا العصبية، حيث لا يمكنها تخفيف البروتينات والعضيات التالفة المتراكمة أثناء الشيخوخة عن طريق انقسام الخلايا. وفي هذا السياق، تؤكد مجموعة كبيرة من الأدلة المستمدة من التجارب التي أجريت على حيوانات المختبر والأنسجة البشرية والتجارب السريرية على أن الالتهام الذاتي آلية داعمة لطول العمر. ويساهم عدم انتظام الالتهام الذاتي في تسريع العديد من السمات المرتبطة بالتقدم في العمر وتطور أمراض مثل التنكس العصبي واعتلال عضلة القلب والسرطان.

إبطاء عملية الشيخوخة

أشارت الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى وجود علاقة قوية بين تسريع شيخوخة عضلة القلب وتقليل الالتهام الذاتي. وفي المقابل، يؤدي تنشيط عملية الالتهام الذاتي عبر التدخلات الدوائية إلى إبطاء التدهور الوظيفي للقلب المرتبط بالعمر. وتحرك التدخلات الغذائية مثل نظام الصيام المتقطع الذي يعزز نشاط الالتهام الذاتي عملية تضخم القلب المرتبطة بتقدم العمر في الاتجاه المعاكس وتحمي القلب من نقص التروية لدى القوارض. ويُعد الالتهام الذاتي كذلك أمرًا ضروريًا للحفاظ على استقرار البيئة الداخلية للخلايا العصبية. وترتبط الطفرات في الجينات المشاركة في تنظيم الالتهام الذاتي بالانتشار المرتفع لاضطرابات التنكس العصبي مثل مرض الزهايمر والتصلب الجانبي الضموري وداء باركنسون العائلي. وبدون الالتهام الذاتي الفعال، تتراكم البروتينات التالفة وتتجمع في الخلايا العصبية التي تبدو سامة، وهو ما يتسبب في إصابة الخلايا أو موتها. ويزيد الصيام المتقطع من مقاومة الإجهاد العصبي من خلال آليات متعددة، بما في ذلك تعزيز الالتهام الذاتي، والدفاع المضاد للأكسدة، وإنتاج عناصر التغذية العصبية. وقد أدى هذا النهج إلى تأخير ظهور المرض وتطوره في التجارب الحيوانية المرتبطة بمرض الزهايمر وداء باركنسون.

العلاج المستهدف

أثارت عملية الالتهام الذاتي اهتمامًا قويًا طوال العقد الماضي باعتبارها هدفًا علاجيًا محتملاً لإدارة الاضطرابات البشرية التي تستجيب بشكل إيجابي لتعزيز هذه العملية. وقد ثبت أن العديد من الأدوية تعزز الالتهام الذاتي من خلال العمل على أهداف جزيئية مختلفة لتقليد ظروف تقييد السعرات الحرارية. فعلى سبيل المثال، تثبط الأدوية التي تعدل الالتهام الذاتي مسار هدف الراباميسين، مثل الراباميسين وتورين 1. ويُعدُ الميتفورمين دواءً آخر يحفز الالتهام الذاتي عبر تنشيط مستشعر التمثيل الغذائي كيناز البروتين المنشط AMPK.

ومع ذلك، تبرز العديد من التحديات، في الوقت الحالي، بفعل استخدام الأدوية المنشطة للالتهام الذاتي كعلاج طويل الأمد بسبب آثارها الجانبية وجدوى رصد الكفاءة العلاجية للمرضى. وبدلاً من ذلك، يمكن تحفيز الالتهام الذاتي بشكل طبيعي عن طريق تغيير عادات التغذية مثل تقييد السعرات الحرارية أو الصيام المتقطع. ومن أكثر أنظمة الصيام المتقطع الثلاثة المتبعة انتشارًا صيام يوم وإفطار يوم، والصيام المتقطع عبر صيام يومين كل أسبوع، وتناول الطعام يوميًا في وقت محدد وصارم. وإلى جانب ذلك، لطالما كانت مناهج الصوم المتقطع المختلفة جزءًا من العديد من الممارسات الدينية والروحية، حيث أن الصيام من الفجر حتى غروب الشمس هو نوع من تناول الطعام يوميًا في وقت محدد ودقيق يمارسه المسلمون خلال شهر رمضان بأكمله.

وقد توصلت دراسة سريرية حديثة قادها الدكتور مينديك أوغلو من كلية بايلور للطب أن الصيام من الفجر حتى غروب الشمس مرتبط بزيادة مؤشرات الالتهام الذاتي وغيرها من البروتينات الوقائية المحددة التي تخضع للتنظيم في اضطرابات مثل السرطان والسكري والالتهابات ومرض الزهايمر. وأظهرت هذه الدراسة نتائج واعدة قد يكون لها آثار على الوقاية من مثل هذه الحالات.

مدة الصيام

تُعدُ مدة الصيام عاملاً حاسمًا في تحقيق النتيجة الصحية المرجوة لعملية الالتهام الذاتي. وفي حين تتوفر أدلة قاطعة على تحريض الالتهام الذاتي بعد 24-48 ساعة من الصيام في التجارب التي أجريت على الفئران، قدمت دراسات أقل عددًا أدلة على مدة الصيام المثلى التي يمكن أن تساهم في تحفيز الالتهام الذاتي لدى البشر. واستنادًا إلى المصادر العلمية الحالية، يستغرق الالتهام الذاتي من 12 ساعة إلى أربعة أيام من الصيام لدى البشر. وهناك طريقة أخرى، حيث تستخدم معظم الدراسات السريرية خلايا الدم لقياس عملية الالتهام الذاتي. ويجب النظر بعين الاعتبار إلى أن تأثير الصيام المنبه على الالتهام الذاتي قد يختلف باختلاف أنسجة الجسم. ولتمكين عملية تقييم الالتهام الذاتي والعلاجات المستهدفة لدى البشر، يلزم إجراء المزيد من الدراسات لوضع إجراءات لتقييم الالتهام الذاتي، بما في ذلك طرق تحليل المؤشرات الحيوية في الأمصال.

وعبر إجراء المزيد من الدراسات على البشر في المستقبل التي تربط الصيام المتقطع والالتهام الذاتي بنتائج الفوائد الصحية، قد نتمكن من تطوير استراتيجيات أفضل للتدخلات الغذائية والدوائية للوقاية من الأمراض مثل الالتهابات والأمراض التنكسية العصبية وأمراض القلب.

* يشغل الدكتور أيمن الحاج زين منصب أستاذ مساعد بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:

هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.