الاهتمام هو مصدر القوة | جامعة حمد بن خليفة
Hamad Bin Khalifa University

التميز الاهتمام هو مصدر القوة

الدكتور ريان علي

الاهتمام البشري مصدرٌ نادرٌ، ولكنه يتمتع بقيمة تجارية اليوم، حيث تتنافس وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إليه. وتوفر وسائل الاتصال الرقمي الوفيرة ومظاهر التقدم في عملية التصفح والتصفية لمستخدمي الإنترنت المزيد من الخيارات، وتزيد من سيطرتهم على الفضاء الإلكتروني حسب تصورهم. ومع ذلك، لا يمثل ذلك سوى جزءٌ من الحقيقة الكاملة.

وتتمتع شركات التكنولوجيا في كثير من الأحيان بإمكانية الوصول الحصري إلى البيانات التي تميز سلوك المستخدمين عبر الإنترنت، والتي تخضع للمعالجة بعد ذلك لمعرفة ما يفضلونه وتخصيص المحتوى الذي يلبي اهتماماتهم. ويمكن أن يوفر هذا التخصيص ساعات من البحث، على سبيل المثال عبر عرض الأخبار في منطقتنا الجغرافية ومطابقة التصفح السابق. ومع ذلك، يمكن استخدامه أيضًا للترويج لمحتوى معين مثل الإعلانات وجداول الأعمال المحتملة التي تمنعنا من رؤية الصورة الكبيرة.  

وتجمع العديد من منصات التواصل الاجتماعي بين الخوارزميات الذكية وعناصر التأثير المستعارة من الألعاب وعلم النفس لجذب انتباهنا وإقناعنا بالبقاء على الإنترنت باستمرار. وفي المجالات التي تسبب الإدمان مثل ألعاب القمار، يعد الانغماس التام وفقدان أي إحساس بالوقت والمساحة في العالم الحقيقي أمرًا شائعًا، حيث لا تحتوي أندية القمار في واقع الأمر على ساعات أو نوافذ. وهذا ليس ببعيد عن منصات مثل "تيك توك" حيث تقدم لك كل دورة محتوى مركّزًا لا يمكن التنبؤ به. وتُمثل عوامل التصميم الغامر والريبة جنبًا إلى جنب مع الدليل الاجتماعي؛ مثل عدد الأشخاص الذين أحبوا الرسم وعلقوا عليه، عناصر تأثير مصممة بعناية. وربما يكون الاختلاف الوحيد مع ألعاب القمار هو عدم وجود تدابير للتحذير ووضع حد لمتابعة تلك المنصات. ويجب أن يدفعنا كل ما سبق ذكره إلى التساؤل بجدية عما إذا كنا بالفعل أحرارًا وواعين لخياراتنا الخاصة على شبكة الإنترنت حسبما نعتقد.

ويتميز البشر بأنهم مخلوقات اجتماعية، حيث نميل إلى التأثر بآراء الآخرين وأفعالهم، ونسعى للانتماء إلى مجموعات، ولدينا فضول لفهم كيف ينظر الآخرون إلينا. ويساعدنا ذلك في التعلم وتشكيل سلوكنا واتخاذ قراراتنا مع رغبتنا في الشعور بالاستقلال والحرية والتميز في الوقت نفسه. ورغم أنه من الطبيعي أن تُصمم وسائل التواصل الاجتماعي لاستضافة هذا الكم من التفاعل الاجتماعي، إلا أن كثافتها واستمراريتها ووسائلها الجديدة تختلف في طبيعتها وحجمها. ففي العالم المتصل بالإنترنت، يكون التواصل الاجتماعي ممكنًا على الدوام، ويمكن القول إن هذا يؤدي إلى "التخمة الاجتماعية"، وهو ما يترك لنا القليل من الوقت للتأمل الذاتي.

وقد تؤدي الطبيعة المستمرة للمساحات الاجتماعية عبر الإنترنت أيضًا إلى ظهور تجارب سلبية مثل الخوف من فقدان شيء ما، إلى جانب التصفح المتكرر والسعي للتحقق من صحة البيانات. ويؤدي هذا الخوف إلى التشتت، والحمل المعرفي الزائد، ومخاطر أخرى مثل تصفح وسائل التواصل الاجتماعي خلال المحاضرات أو حتى أثناء القيادة. ويدعي البعض أنهم قادرون على القيام بمهام متعددة، ولكن يمكن أن يكون هذا الأمر في كثير من الحالات مجرد إنكار، وهو أحد أعراض الإدمان السلوكي.

وبقبولنا لهذه الملاحظة، نحتاج إلى تدابير وسياسات مضادة فعالة لزيادة الطبيعة الواعية والمستنيرة لاستهلاكنا الرقمي، ولكن هذه المصادر الوقائية لا تزال غائبة حتى الآن. وقد تكون التوعية بعناصر التصميم المقنعة والإدمانية لهذه المساحات وتقنيات مكافحتها مفيدةً على الأرجح لبناء المرونة في مواجهة الإغراء والاستخدام غير الواعي لهذه المنصات.

وتشتمل جهود التوعية على شرح المفاهيم الأساسية للذكاء الاصطناعي مثل التصفية التعاونية وظاهرة "غرفة الصدى"، التي تجعل محتوى الفرد على الإنترنت مخصصًا، وهو ما يؤدي إلى الحصول على نظرة متحيزة وجزئية محتملة لعالم الإنترنت. ويمكن أن تشتمل تلك الجهود أيضًا على توظيف التقنيات والمهارات الشخصية اللازمة لبناء الثقة ومقاومة الضغوط الناجمة عن سلوك الزملاء مثل إدارة التوقعات والتحدث مع الذات. والوقاية خير من العلاج، ويمكن أن تركز جهود التوعية أيضًا على توضيح طرق النشر بحكمة وتجنب التفاعلات غير الصحية التي تؤدي إلى القلق والندم. وتشتمل التقنيات المفيدة الأخرى على تعزيز احترام الذات وقوائم المراجعة لتحليل المنشور قبل نشره.

ومع ذلك، سيكون من المفيد أكثر إذا ما اقتُرحت التدابير أثناء حدوث السلوك الإشكالي. فعلى سبيل المثال، إذا وُجد أن هناك شخص ينشر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ مكثف وبطريقة متهورة، يمكن تزويده برسوم بيانية حول كيفية حدوث فقدان السيطرة والاستفزاز عبر الإنترنت وكيفية استخدام إعدادات الحد الأقصى للمنشورات. ويمكن القيام بذلك بأسلوب غير متطفل، وقد أصبح تخصيص مثل هذا التدخل ممكنًا الآن باستخدام نفس البيانات المستخدمة لأغراض التسويق أو لأغراض أخرى، بما في ذلك تقديم معلومات سلوكية للمستخدمين حول مكان وكيفية حدوث فقدهم للسيطرة والتشتيت وكيف يرتبط ذلك بالمشاعر الواردة في منشوراتهم، والموقع، والوقت. 

وما يدعو للأسف هو أن شركات التكنولوجيا لا تسمح بالوصول السهل إلى بيانات المستخدمين عن طريق أي تطبيق أو خدمة تابعة لجهة خارجية يرخصها المستخدم، بدعوى أن هذا يعد عيبًا تنافسيًا. وتتسم الخدمات التي تقدمها شركات التكنولوجيا لمنح المستخدمين مزيدًا من ضبط النفس، بأنها إما غائبة أو أساسية للغاية ومحدودة قياسًا بوقت التصفح، وهو مقياس بسيط للغاية للاستخدام المثير للمشاكل لشبكة الإنترنت. ونحن بحاجة إلى امتلاك حصة عادلة من هذه البيانات وأن يكون لدينا نموذج أكثر انفتاحًا لتقديم خدمات الرفاهة الرقمية.

يشغل الدكتور ريان علي منصب أستاذ في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة. 

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.

 

Hamad Bin Khalifa University

أخبار متعلقة

في دائرة الضوء: جاسم محمد الملا ضمن سلسلة الفائزين بمنح برنامج المنح الدراسية لطلبة الدراسات العليا

أعلنت كلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، مؤخرًا، عن أنجح مشاركة لها في برنامج المنح الدراسية لطلبة الدراسات العليا المقدمة من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي حتى الآن، حيث حصل 17 طالبًا وطالبةً في الكلية على منح من البرنامج.

عائشة الرميحي في دائرة الضوء ضمن سلسلة الفائزين بمنح برنامج المنح الدراسية لطلبة الدراسات العليا

أعلنت كلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، مؤخرًا، عن أنجح مشاركة لها في برنامج المنح الدراسية لطلبة الدراسات العليا المقدمة من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي حتى الآن، حيث حصل 17 طالبًا وطالبةً في الكلية على منح من البرنامج.