تسخير الذكاء الاصطناعي في الاستجابة للكوارث الإنسانية

تسخير الذكاء الاصطناعي في الاستجابة للكوارث الإنسانية

07 يوليو 2022

تستخدم تقنيات معهد قطر لبحوث الحوسبة عند الكوارث وفي المناطق الإغاثية

عندما وقع انفجار مرفأ بيروت في دولة لبنان بتاريخ 4 أغسطس 2020 اهتزت منصات التواصل الاجتماعي بفيض من الصور وتحديث الحالات ومقاطع الفيديو التي شاركها المستخدمون مع عائلاتهم وأصدقائهم، وبعضها رسائل نصية حُملَّت لاحقًا على منصات التواصل الاجتماعي. 

صُنف انفجار المرفأ من بين أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، مُسفرًا عن مقتل ما لا يقل عن 218 شخصًا وإصابة أكثر من 7,000، ومخلفًا العديد بلا مأوى، إلى جانب الدمار الذي طال الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس. 

في أعقاب الكوارث من هذا النوع يكون لكل ثانية أهميتها وتصنع فرقًا كبيرًا في رحلة البحث عن المعلومات الصحيحة في طوفان آلاف الرسائل وتقديمها لقوات النجدة وصناع القرار ذوي الصلة. 

تمكن الخبراء في معهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة من المساعدة في مواجهة هذا التحدي المعلوماتي بتسخير آخر التحديثات في مجال الذكاء الاصطناعي وذكاء الآلة، مستخدمين منصاتهم الرقمية المتطورة لتسهيل واحدة من أكثر الاستجابات الميدانية أهمية في مثل هذه الحالات الطارئة، أي تحديد المعلومات التي نتحرك بناءً عليها. 

التكنولوجيا الإنسانية

يوضح الدكتور فيردا أوفلي، عالم أول في مجموعة الحوسبة الاجتماعية بمعهد قطر لبحوث الحوسبة أنه: "عامةً ما نصادف في حالات الطوارئ الكثير من المعلومات الغزيرة على منصات التواصل الاجتماعي، لكن التحدي الحقيقي في عملية فرزها، إنها تشبه العثور على الإبرة في كومة قش، إذ لا يمكن للقائمين على الاستجابة لحالات الطوارئ إجراء هذه العملية يدويًا، فهذا سيعيق كافة الجهود التي يقومون بها .”

وفقًا للدكتور أوفلي، تمثل البيانات والمعلومات قيمة نوعية عند الاستجابة للكوارث وما يتبعها من مساعي وخطط التعافي والتشغيل اللاحقة، فقط إذا عولجت بكفاءة ودقة. هذا ما دفع معهد قطر لبحوث الحوسبة لتطوير نظام "الذكاء الاصطناعي للاستجابة الرقمية"، بالشراكة مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وفرقة العمل الاحتياطية.  

وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وفرقة العمل الاحتياطية قد وسبقا واستخدما النظام خلال عمليات الاستجابة للعديد من الكوارث، حيث فُعّل بعد زلزال جوركا المدمر الذي بلغت قوته ٧.٨ درجة على مقياس ريختر والذي ضرب دولة نيبال في أبريل 2015، وتلاه زلزال آخر بقوة ٧.٣ في مايو.

نشر نظام الذكاء الاصطناعي للاستجابة الرقمية في وقت الكوارث 

ساعد معهد قطر لبحوث الحوسبة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عقب انفجار مرفأ بيروت في تقييم آثار الانفجار واحتياجاته اللاحقة، عبر تحليل نماذج معالجة النصوص بشأن التغريدات المنشورة بالعربية والإنجليزية للإحاطة بما يقوله الناس وتحديد المحتوى الذي يتحدث عن الإصابات وطلبات التبرع بالدم واحتياجات المأوى والغذاء، وهي معلومات مهمة للتخطيط للاستجابة الإغاثية السريعة. 

في حين حللت نماذج معالجة الصور في المعهد الصور المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي لتقييم شدة الضرر الكلي على مستوى الشوارع، إلى جانب تحليل صور الأقمار الصناعية الدقيقة قبل الانفجار وبعده لرصد المباني المتضررة ورسم خريطة واسعة للمناطق المنكوبة.

ميزة نظام الذكاء الاصطناعي للاستجابة الرقمية

وفر تحليل صور منصات التواصل الاجتماعي تقييمًا سريعًا للأضرار وتقييما أوليًا لجهات الإغاثة، في حين كشف تحليل صور الأقمار الصناعية عن نظرة شاملة لمدى الضرر، أما الرسائل النصية العديدة حول الإصابات وطلبات التبرع بالدم واحتياجات المأوى فقدمت صورة أولية للوضع وساعدت في التخطيط لجهود الإسعاف والإغاثة. 

كيف يعمل النظام؟

يحتوي النظام على العديد من نماذج التعلّم الآلي التي تحلل البيانات المجموعة تلقائيًا، مثل غربلة الضوضاء في التسجيلات الصوتية، والتخلص من المحتوى الثانوي أو المكرر، لتحدد المعلومات اللازمة لمقدمي الدعم الإغاثي بشكل فوري. وتُستخدم النماذج الخاصة باللغة لتصنيف الرسائل النصية في وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تُستخدم نماذج الرؤية الحاسوبية لتحليل الصور. كما يحاول النظام أيضًا تحديد الموقع الجغرافي للبيانات المستخرجة كلما أمكن ذلك، ليمكن تصور المعلومات الأكثر أهمية على الخريطة وتقديمها للمنظمات الإنسانية. 

تطوير الابتكار في الحوسبة الإنسانية

يسعى معهد قطر لبحوث الحوسبة لتحسين تقنياته الإنسانية على عدة مستويات سواء التكنولوجيا أو عبر الوسائل الحسابية، ومنها النمذجة المشتركة لبيانات النص والصورة، إذ تقوم نماذجهم الحالية على سبيل المثال بمعالجة وتحليل بيانات النص والصور بشكل منفصل ومستقل. ومع ذلك، فإن هذه النماذج ليست مستقلة تمامًا عن بعض، مما يوفر إمكانات كبيرة لتحسين الأداء من خلال تدريب نماذج جديدة للتعلّم الآلي بطريقة متعددة الوسائط (نص، صورة، وغير ذلك). وبهذه الطريقة، يمكن للنماذج استخلاص معلومات تكميلية تساعد، عند تحليلها بشكل مشترك، في التحقق من الصورة الكلية للكارثة بمزيد من التفاصيل.  

يركز المستوى الثاني على تطوير نماذج أكثر دقة لتقييم الضرر على المستوى المادي المفصل بدلاً من الضرر الكلي فقط. أما المستوى الثالث فهو ثلاثي المعلومات المدخلة من مصادر البيانات غير المتجانسة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي وصور الأقمار الصناعية للحصول على معلومات أكثر دقة عن الحالة العامة. وأخيرًا، يعمل معهد قطر لبحوث الحوسبة على تحسين أدوات الاستدلال لتحديد الموقع الجغرافي، لضمان تحديد موقع المعلومات المستخرجة بدقة عالية.

إمكانية تطبيقه في أنحاء العالم

يمكن تسخير نظام الذكاء الاصطناعي للاستجابة الرقمية مع ميزاته الحالية في أماكن متعدد حول العالم حتى في المناطق التي لا تمتلك بنية تحتية رقمية متطورة، وتقديم العون لهم في حال وقوع أية كارثة. 

ويوضح د. أوفلي: "النظام خدمة عامة متاحة على الإنترنت للأغراض الإنسانية. لذلك لا حاجة لامتلاك مستخدميها لمهارات حاسوبية متقدمة، وصحيح أن فائدة تقنياتنا محدودة بمعدلات انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في بلد ما أو إقليم محدد، إلا أن تقديم العون لبعض الدول البعيدة محدود أصلًا حتى على المنظمات الإنسانية لعوامل كثيرة، ناهيكم عن أدواتنا. لذلك، إذا كان هناك استعمال لوسائل التواصل الاجتماعي في بلد ما، فإن أدوات معهد قطر لبحوث الحوسبة يمكنها المساعدة في جهود الإغاثة." 

نظام الذكاء الاصطناعي للاستجابة الرقمية مثال على الطريقة التي يهدف بها معهد قطر لبحوث الحوسبة في البحث والتطوير لتحسين فعالية الاستجابات الإنسانية أثناء الطوارئ، وتكمل التقنيات المبتكرة للمعهد إسهامات دولة قطر في المساعدات الإنسانية أثناء أعمال الإنقاذ والإغاثة، وتعاونها مع المنظمات الدولية للمساعدة في الاستجابة للكوارث على المستويين الإقليمي والدولي.
 
الدكتور فيردا أوفلي عالم أول في مجموعة الحوسبة الاجتماعية بمعهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة.