توظيف الابتكار التكنولوجي لتعزيز الشمولية

توظيف الابتكار التكنولوجي لتعزيز الشمولية

10 مارس 2022

الدكتورة دينا آل ثاني*

توظيف الابتكار التكنولوجي لتعزيز الشمولية

وفقًا للبيانات الصادرة عن البنك الدولي، يعاني مليار شخص، أو 15٪ من سكان العالم، من بعض أشكال الإعاقة. وهذا العدد آخذ في الازدياد مع تقدم السكان في السن وارتفاع الحالات الصحية المزمنة. ونتيجةً لذلك، تنظر الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى ذوي الإعاقة باعتبارهم فئة مهمة عند وضع السياسات والقوانين واللوائح. ويتماشى ذلك مع الجهود المبذولة على الصعيد العالمي، مثل اعتماد اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة في عام 2006. وينعكس هذا الوعي الدولي أيضًا في برامج البحوث والتطوير والابتكار التي تعود بالنفع على ذوي الإعاقة. وقد ساهم التقدم السريع في تطوير التكنولوجيا، اليوم أكثر من أي وقت مضى، في تعزيز وتسريع أنشطة البحوث والتطوير والابتكار التي تهدف إلى تحقيق برامج التيسير والشمول.

ويجب النظر إلى الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء باعتبارهما من العوامل الرئيسية الداعمة لتعزيز الشمولية. وبداية من تطبيقات الهواتف والساعات الذكية التي تستخدم هذه التكنولوجيا لتوفير كل مميزاتها تقريبًا، وصولاً إلى التطبيقات المساعدة المستندة على المحادثات وأجهزة الاستشعار الصحية القابلة للارتداء، يمكن القول إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء قد تغلغلت بالفعل في حياتنا وأنشطتنا اليومية. ومع ذلك، قد لا تعود هذه التطورات التكنولوجية بالنفع على مجتمع ذوي الإعاقة بنفس قدر استفادة المجتمعات الأخرى منها. فعلى سبيل المثال، لن يستفيد المستخدمون ضعاف البصر الذين يستعملون وسائل قراءة الشاشة للوصول إلى واجهة هواتفهم الذكية بشكل كامل من التطورات الحالية في التكنولوجيا.

ومع ذلك، قدمت العديد من التطورات التي تحققت في قطاع البحوث والتطوير والابتكار، على مدار السنوات القليلة الماضية، حلولًا تعمل على تحسين الحياة اليومية للأشخاص ذوي الإعاقة، بدءًا من العُصِّي الذكية وتطبيقات تخطيط المسار للمكفوفين، وصولاً إلى الأذرع الروبوتية والأطراف الاصطناعية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

ورغم أن هذه التطورات تُعتبر مهمة في مجال الإعاقة والتكنولوجيا المساعدة، إلا أنها تمثل في الواقع محاولات متواضعة للغاية عند مقارنتها بأجندة أبحاث الابتكار في مجالات الاستخدام الأخرى مثل الصحة والتعليم. وثمة حاجة إلى بذل جهود أكبر وأكثر ثباتًا بحيث يمكن أن تتحول التطورات الجديدة في أبحاث الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء إلى مصدر قوة لتحقيق الخير لذوي الإعاقة، وسد فجوات عدم المساواة، وتمهيد الطريق، في بعض الحالات، لتصميم تكنولوجيا مناسبة للجميع.

وفي العالم الرقمي الذي يحيط بنا، نجد العديد من وسائل التكنولوجيا المصممة أصلاً للأشخاص ذوي الإعاقة والتي أصبحت شاملةً فيما بعد، حيث طُرِحت الكتب الصوتية، على سبيل المثال، في البداية لمجتمع المكفوفين في الولايات المتحدة في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي. وخلال العقدين الماضيين فقط، اكتسبت هذه الكتب شعبيةً وقبولاً على نطاق أوسع لدى السكان بشكلٍ عام، وأصبحت، منذ ذلك الحين، الجزء الأسرع نموًا في مجال النشر بتحقيقها لإيرادات تجاوزت 1.2 مليار دولار في عام 2018 وحده. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى، مثل ميزة عدم استخدام اليدين عند استعمال هواتفنا الذكية أثناء القيادة وزيادة حجم الخط باستخدام إعدادات التيسير في الهاتف لتجنب استعمال نظارات القراءة.

وعندما يتعلق الأمر بالمنتجات والخدمات السائدة، فإننا نرى بشكل متزايد أن عمالقة التكنولوجيا على غرار شركتيَّ مايكروسوفت وجوجل أصبحوا أكثر شمولاً. ويتضح هذا في ميزات التيسير التي تقدمها شركة مايكروسوفت في جميع برامج أوفيس شائعة الاستخدام، أو قارئ الشاشة المدمج في متصفح الإنترنت من شركة جوجل، أو مجموعة الإمكانات الواسعة لمنتجات شركة آبل وتطبيقاتها التي تسمح بالتفاعل متعدد الوسائط.

ويدعو التصميم الشامل، الذي يُشار إليه كذلك باسم التصميم الموجَّه للجميع، إلى تبني المزيد من الشمولية في تصميم المنتجات وممارسات التطوير، حيث يشجع على طرح حلول ميسرة واستخدامها من قبل أكبر عدد ممكن من الناس وفي أكبر عدد ممكن من السياقات المختلفة. وهذا، بالطبع، يتضمن مكونًا مبتكرًا للإجراءات.

ويؤكد الإقبال على التصميم الشامل على دور التعاطف والإدراك الضروري بأن المستخدمين يتمتعون بقدرات مختلفة واحتياجات واسعة وينتمون إلى خلفيات متنوعة. وغالبًا ما يضع هذا التصميم الأشخاص في بؤرة اهتماماته منذ البداية. ويشير هذا النهج كذلك إلى أننا ننظر إلى الاختلافات في قدرات المستخدمين واحتياجاتهم على أنها تمثل فرصة للابتكار والازدهار ولا تفرض تحديًا يجب التغلب عليه.

وفي ظل التطورات التي حدثت في مجال الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتطورات التكنولوجية الأخرى مثل واجهة الدماغ والحاسوب ومعالجة اللغات الطبيعية والتعرف على الصوت والصورة، بات لدى العالم فرصة أكبر ليكون أكثر شمولاً. ومن خلال الابتكار، يجب أن يحصل مستخدمو التكنولوجيا، على اختلاف أنواعهم وقدراتهم ولغاتهم وألوانهم وخلفياتهم والاختلافات البشرية الأخرى، على فرصة للتعبير على آرائهم في عمليات البحوث والتطوير والابتكار. ويعني مصطلح التصميم من أجل الدمج إشراك المستخدمين بشكل مستمر في المراحل المختلفة لعملية التصميم بدايةً من مرحلة وضع التصور والتصميم والتطوير لتخطي الحدود في مجال الابتكار وتمهيد الطريق لمستقبل لا يتخلف فيه أي مستخدم عن الركب. وسيتطلب ذلك تعاون شبكة عالمية من الباحثين وواضعي السياسات والمستخدمين والمصممين في العمل معًا للحد من مظاهر عدم المساواة في عالم يضم مليار مستخدم من ذوي الإعاقة.

*تشغل الدكتورة دينا آل ثاني منصب أستاذ مساعد ومدير البرامج متعددة التخصصات في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.