دور الميكروبيوم الطبيعي في الحفاظ على الصحة النفسية

دور الميكروبيوم الطبيعي في الحفاظ على الصحة النفسية

25 نوفمبر 2021

مقابلة مع الدكتور محمد فرحان

الدكتور محمد فرحان يناقش تأثير الميكروبيوم على صحتنا النفسية

عندما نتحدث عن الصحة النفسية عمومًا، فإننا نفكر فقط في الدماغ. ومع ذلك، فإن الصحة النفسية لا تتعلق بالدماغ فقط، حيث تؤدي القناة الهضمية (أو الأمعاء) أيضًا دورًا مهمًا في هذا الأمر. وقد توصلت دراسات متعددة إلى وجود ارتباط بين أمراض الدماغ، بما في ذلك الاكتئاب والقلق والتوحد والاضطراب في جراثيم الأمعاء ونفاد البكتيريا الصديقة وانتشار البكتيريا المسببة للالتهابات.

ويوجد في جسم أي إنسان حوالي 30 تريليون خلية، ولكن عدد الميكروبات يقدر بنحو 36 تريليون ميكروب، بما في ذلك البكتيريا والفيروسات والفطريات التي تعيش بشكل رئيسي في الأمعاء البشرية. وتُعرف هذه الأنواع الميكروبية معًا باسم الميكروبيوم، وتشكل ما يصل إلى 1.8 كيلو جرام من كتلة الجسم، وهو الوزن التقريبي لدماغ الإنسان. وبالمثل، يحتوي جسم الإنسان على حوالي 25,000 جين في كل خلية. ومع ذلك، فإن الميكروبيوم يحمل 100-150 ضعفًا لعدد الجينات الموجودة في الجينوم البشري. وتشير هذه الإحصائيات المذهلة إلى الإمكانات والقوة الهائلة التي يمتلكها الميكروبيوم. 

أين ينشأ الميكروبيوم قبل دخوله إلى جسم الإنسان؟

وُجِد الميكروبيوم قبل وجود الإنسان، ويُعتقد أن الميكروبيوم والبشر قد تطوروا معًا، مما أدى إلى حدوث تفاعل تعاوني وتوازن. ويتلقى البشر معظم كميات الميكروبيوم الموجودة في الجسم من أمهاتهم بمقدار الثلثين، عادةً أثناء الولادة. ونحن أيضًا نبتلع حوالي مليون ميكروب من طعامنا. وبالمثل، نحصل على الكمية المتبقية مباشرةً من البيئة، والأماكن التي نزورها، والأشخاص الذين نتواصل معهم.

ومع ذلك، قد يكون لكل إنسان تركيبة ميكروبيوم مختلفة ناجمة عن طبيعة النظام الغذائي، واستهلاك المضادات الحيوية، وعادات نمط الحياة بما في ذلك النوم، وممارسة التمارين الرياضية، والتوتر. ويمكن أن تؤثر الشكوك المتعلقة بالنظافة كذلك بشكل مباشر على محتوى ميكروبيوم الأمعاء البشرية. فعلى سبيل المثال، يكون لدى الشخص الذي يتبع نظامًا غذائيًا غنيًا بالألياف تركيبة ميكروبية مختلفة تمامًا عن الشخص الذي يتبع نظامًا غذائيًا غنيًا بالدهون.

ما الذي يفعله ميكروبيوم الأمعاء؟

يؤدي الميكروبيوم دورًا رئيسيًا في العديد من وظائف الجسم. وتشتمل هذه الأدوار على تنشيط الجينات البشرية المشاركة في امتصاص العناصر الغذائية؛ وهضم السموم والسكريات، وتمييز البكتيريا غير الضارة عن مسببات الأمراض التي تهدد الحياة؛ وإنتاج استجابة مناعية ضد الأنواع المسببة للأمراض، وحتى إطلاق النواقل العصبية. وتُعدُ عملية نقل بعض الميكروبيوم من الأم إلى الطفل من الأمور الضرورية. وفي حالة عدم وجود الميكروبيوم، لن يكون الطفل قادرًا على هضم نوع معين من السكريات في حليب الأم، وهي السكريات السائلة قليلة السكر. وتتعرض هذه السكريات للهضم فقط من خلال الميكروبيوم لتكوين حمض السياليك الضروري لنمو الدماغ.

كيف يؤثر ميكروبيوم الأمعاء على الصحة النفسية؟

بسبب عوامل وراثية أو بيئية مختلفة، قد يكون لدى الشخص تركيبة وتنوع غير متوازن لميكروبيوم الأمعاء. وعادة ما يرتبط اختلال التوازن البكتيري في الأمعاء باستنفاد الأنواع البكتيرية المضادة للالتهابات وانتشار الالتهابات، وبالتالي زيادة الأنواع البكتيرية. وقد لوحظ هذا النمط من عدم توازن الميكروبيوم أيضًا لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية رئيسية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق والفصام والتوحد. وعادةً ما يكون لدى هؤلاء المرضى عدد قليل من الأنواع الميكروبية في أمعائهم مقارنة بأعداد الضوابط الصحية. 

هل يمكن تحقيق تركيبة جيدة من الميكروبيومات في جسم الإنسان؟ 

تؤثر العناصر الغذائية تأثيرًا كبيرًا على الميكروبيوم وتنوعه، بما في ذلك تناول العناصر قبل الحيوية والمعينات الحيوية مثل الأطعمة التي تحتوي على بكتيريا حية مفيدة. وتُعدُ الخضراوات والفواكه من العوامل الحيوية التي تعزز تكوين الجراثيم الجيدة بسبب خصائصها المضادة للالتهابات. وتعيد المعينات الحيوية، مثل الزبادي والجبن والمخللات، التوازن إلى اختلال التوازن الميكروبي وتضمن الحفاظ على الصحة النفسية الجيدة. وبالمثل، تؤثر عادات نمط الحياة، بما في ذلك أنماط النوم والتوتر وممارسة التمارين الرياضية، على التركيب الميكروبي. ومن الأمثلة على ذلك قبيلة هادزا في تنزانيا، التي يتمتع أفرادها بتنوع ثري غير مسبوق في ميكروبيوم أمعائهم، بمعدل 30-40٪ أعلى من الإنسان العادي. ويأكل أفراد هذه القبيلة ما يقرب من 600 نوع نباتي وحيواني ولهم تنوعات موسمية ضخمة. ولم يعثر العلماء على أيٍ من الأمراض الرئيسية تقريبًا، بما في ذلك الأمراض النفسية أو أمراض القلب أو السرطان لدى أفراد هذه القبيلة.

وهناك طرق أخرى يمكن من خلالها تحقيق تركيبة جيدة من الميكروبيومات، وتستخدم العيادات بعضًا من هذه الطرق، بينما يرتكز البعض الآخر على الممارسات الثقافية. ويُنفذ النهج السريري عبر زرع المادة البرازية، حيث تُزرع مادة برازية من متبرع سليم في قولون المريض لإعادة التوازن الميكروبي. وهناك أدلة قوية جدًا على نجاح عملية زرع المادة البرازية في علاج العديد من أمراض الدماغ، بما في ذلك الاكتئاب والقلق. 

وهناك طريقة أخرى ترتبط بالعادات الصحية لتناول الطعام، حيث ثبت أن تناول الطعام من نفس طبق الشخص السليم، وهي عادة منتشرة في العديد من الدول العربية والآسيوية، قد تنقل الميكروبات الجيدة من الفرد السليم إلى الشخص الآخر.

ما هو دور البحوث في فهم تأثير الميكروبيوم على صحة الإنسان؟

هناك تصورات مستجدة ومشوقة حول اضطرابات الصحة النفسية تتعلق بما إذا كانت التغييرات في النظام الغذائي أو التغيير في ميكروبيوم الأمعاء أو مستقلباته تؤثر على الصحة النفسية، وما إذا كان يمكن استزراع هذه البكتيريا الجيدة مباشرة وخلطها في المعينات الحيوية مثل الزبادي لعلاج الأمراض النفسية الشائعة. ويجب إجراء المزيد من الأبحاث للتعرف على الآلية التي تؤثر أنواع البكتيريا والمنتجات البكتيرية المختلفة من خلالها على الصحة النفسية.

الدكتور محمد فرحان هو أستاذ مساعد بجامعة حمد بن خليفة. ويأخذ مختبره في كلية العلوم الصحية والحيوية بزمام المبادرة في فهم الآليات الجزيئية التي ترتبط من خلالها تغيرات الميكروبيوم بأمراض الدماغ مثل التوحد. وقد نظَّم الدكتور فرحان، مؤخرًا، ندوةً دوليةً بعنوان 'الصلة بين الجهاز الهضمي والدماغ وعلاقتها بالصحة النفسية'، ناقش خلالها تأثير القناة الهضمية والميكروبيوم على صحة الإنسان مع نخبة من العلماء من حول العالم.