سلاسل التوريد العالمية على المحك ونموذج قطري سريع الاستجابة

سلاسل التوريد العالمية على المحك ونموذج قطري سريع الاستجابة

25 نوفمبر 2019

بعد مرور أكثر من عامين على فرض الحصار، كيف أعادت قطر ترتيب شبكاتها اللوجستية؟

سلاسل التوريد العالمية على المحك ونموذج قطري سريع الاستجابة

في ظل العولمة، والاستعانة بالمصادر الخارجية لتوفير المنتجات والسلع الاستهلاكية، والبحث المستمر عن عمليات تجارية تتسم بالكفاءة والترشيد، تبقى المخاطر المتعلقة بتعطل سلاسل التوريد عالية. ويظل هذا الأمر ينطبق حتى على أكثر سلاسل توريد الغذاء قوة وصلابة. وقد وثّقت العديد من الدراسات نماذج من هذه المخاطر تتعلق بالكوارث الطبيعية، وقسوة الطقس، والحرائق، والمخاطر البيئية، وتداعيات الجغرافيا السياسية، وحتى مستجدات العمل مثل حالات الإفلاس وعمليات الدمج والاستحواذ.

وعبر مناهج إدارة الأزمات والمخاطر، تعمل الشركات والدول على تطوير استراتيجيات التعافي قبل حدوث أي عطل فيها، من خلال النظر بعين الاعتبار إلى طرق نقل بديلة، وتوفير المواد من موردين آخرين، وتوفير استجابات ملائمة عبر الشبكات المختلفة في أثناء أوقات الخلل أو التعطل.

حصار قطر: نظرة عامة ومضامين مهمة 

تستحق مثل هذه الظروف الرصد وملاحظة العراقيل التي تعطل سلاسل التوريد ذات الصلة الوثيقة بطبيعة الجغرافيا السياسية، مثل تلك العراقيل الناجمة عن الحصار غير القانوني المفروض على دولة قطر. فقد أدى الحصار الذي فرضته المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر، والذي دخل حيز التنفيذ في 5 يونيو 2017، إلى توقف جميع عمليات النقل الجوي والبحري والبري من قطر وإليها. وما زاد من صعوبة الموقف، غلق المعبر الحدودي البري الوحيد بين قطر والسعودية، مما أدى إلى توقف تام للواردات الغذائية القادمة من خلاله. وقد فاقم الحظر الذي فرضته الإمارات على السفن التي تحمل العلم القطري في جميع الموانئ الإماراتية من هذه التعقيدات.

وتسبب هذه العراقيل المفاجئة وغير المخطط لها عددًا من التحديات المهمة من المنظور اللوجستي. أولاً: لم تعد الطرق البحرية التي تربط الإمارات بقطر خيارًا متاحًا لشركات النقل البحري العالمية، التي اعتادت على نقل البضائع من قطر وإليها. ثانيًا: تم حظر ووقف الرحلات الجوية المباشرة بين قطر والدول المُحاصِرة، مما يعني أن جميع رحلات الخطوط الجوية القطرية من الدوحة إلى الوجهات العالمية شهدت تأخرًا كبيرًا، حيث أصبحت هذه الرحلات مضطرة إلى تغيّر مساراتها الجوية لتجنب الأجواء البحرينية والمصرية والإماراتية والسعودية. ثالثًا: تعرضت الشركات التي تعمل في مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمشاكل كبيرة عندما تم حظر الرحلات الجوية المباشرة بين هذه الدول. وامتدت الآثار السلبية للحصار لتشمل صادرات الغاز الطبيعي المسال والنفط القطرية إلى عملائها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. وأدت هذه العوامل وغيرها بطبيعة الحال إلى تعطل كبير أثّر على سلاسل التوريد من قطر وإليها.

سلاسل التوريد العالمية قبل حصار قطر

قبل بدء الحصار، كانت سلاسل التوريد العالمية، التي تجلب لقطر احتياجاتها من السلع والمنتجات الاستهلاكية الأساسية والجافة، قد صُممت وفقًا لاستراتيجيات سلاسل التوريد المُرَشدة. وهذا يعني اعتماد تدفق المنتجات بشكل كبير على النقل البري والبحري عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر وبعض البلدان الأخرى. وكان هذا النموذج يعتمد أساسًا على الاستفادة من دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز تجاري. وقد اعتاد معظم المستوردين في قطر على شراء منتجاتهم من موردين في المنطقة الحرة بجبل علي بدولة الإمارات العربية المتحدة. وفي بعض الحالات، احتفظت الشركات الموجودة في قطر بمخزونات سلعية في المنطقة الحرة بجبل علي، واعتادت على جلب الكميات المطلوبة حسب الحاجة.

أما بالنسبة للمنتجات القابلة للتلف والسلع الابتكارية، حيث يصعب التنبؤ بمدى الطلب عليها، وتكون المهلات الزمنية لاستيرادها غير مؤكدة بدرجة كبيرة، فتُصمم عمليات التسليم استنادًا إلى سلاسل التوريد المرنة وسريعة الاستجابة بالنسبة للمنتجات التي تصل من خلال العديد من خطوط الطيران عبر مطار حمد الدولي. أما الأزياء والأجهزة الالكترونية (بما في ذلك الموديلات الجديدة لجوال آيفون)، والمنتجات القابلة للتلف، فتأتي ضمن هذه الفئة. وتتوافق عمليات إعادة ترتيب سلاسل التوريد هذه مع المفاهيم التي وضعت على المحك من الناحية الاستراتيجية، وهي الموثقة في أدبيات سلاسل التوريد.

يوضح الشكل رقم (1) العمليات الرئيسية لسلاسل التوريد في فترة ما قبل الحصار. وفي هذا الشكل، نوضح الأنماط الثلاثة لعمليات تسليم المنتجات التي اعتادت أن تتدفق من الموردين عبر مركز العبور في جبل علي، وصولاً في النهاية إلى وجهاتها المحددة. وكانت دبي في السابق مقرًا كبيرًا لتجميع البضائع التي كانت تُنقل لاحقًا إلى قطر، وتبين أن لعبور البضائع عبر جبل علي قدرة تنافسية من حيث التكلفة مقارنةً بالتسليم المباشر نظرًا لفوائد التجميع واقتصاديات الحجم.

سلاسل التوريد العالمية لقطر بعد إعادة ترتيبها

في الأسابيع القليلة الأولى بعد الحصار، تبنت جميع الشركات نفس السيناريو، الذي يتألف من إعادة تحديد مسارات الشحن من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتحويلها إلى سلطنة عمان، مع نقل الشحنات العاجلة جوًا عبر دول أخرى.

ومع ذلك، فقد كان إعادة تحديد مسارات أخرى عملية معقدة بسبب الواقع الذي فرضته السلطات الإماراتية من حيث أنها لم تسمح للشاحنات بالمغادرة إلى سلطنة عُمان إذا كانت وجهة الشحنة في نهاية المطاف إلى دولة قطر، وبالتالي، كان لازمًا اختيار البديل الوحيد للتسليم، وهو يتألف من مرحلتين تبدأ بسلطنة عُمان ثم تنتهي بقطر (انظر الشكلين 2 أ و2 ب).

وقد أدت إعادة ترتيب سلاسل التوريد إلى العديد من التغييرات التي ترتبط بالعمليات المُرشدة وسريعة الاستجابة. وللتوضيح، نعرض هنا عمليات التسليم الجديدة للبضائع من جبل علي إلى الدوحة عبر صحار (انظر الشكلين 2 أ و2 ب).
 
يُبين تحليل سلاسل التوريد الناجمة عن هذه الأحداث وجود أنشطة إضافية تشمل (النقل والتخزين والتوثيق وعمليات التشغيل بالموانئ وما إلى ذلك)، بسبب تغيّر المسارات من جبل علي إلى ميناء حمد عبر وضعين مختلفين، الأول: بري - بحري والثاني: بحري - بحري، مع ترتيبات جديدة في صحار باعتبارها الآن جزءًا من المسارات الجديدة. وبطبيعة الحال، نجم عن هذه الترتيبات فترات تأخير إضافية وتكاليف متكبدة، كما هو موضح في الجدولين 1 و2.

مسارات جديدة لسلاسل التوريد العالمية ومراكز قيد التطوير

منذ ذلك الحين، قام العديد من مقدمي الخدمات اللوجستية بدمج الموانئ العالمية الأخرى في سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى قطر. فعلى سبيل المثال، أضافت شركة ملاحة في قطر خدمات جديدة تربط ميناء حمد بصحار وصلالة والكويت وباكستان والهند. وجرى إنشاء خدمة مستقلة أخرى بين كولومبو في سريلانكا وبنجلاديش. علاوة على ذلك، تقوم شركات الشحن الرئيسية مثل: شركة البحر المتوسط للتوكيلات الملاحية والشحن بإعادة تحديد مسارات بعض من خدماتها لتشمل ميناء حمد.

إعادة صياغة الشبكات والدروس المستفادة

إذا عدنا بالذاكرة إلى فترة ما قبل الحصار، فسوف نرى أن الترتيبات الخاصة بسلاسل التوريد التجارية العالمية والخاصة بقطر بدت جيدة من حيث التصميم والتخطيط والتنفيذ. وفي الواقع، كانت معظم السلع والمنتجات الاستهلاكية الأساسية تمر عبر سلاسل توريد تتسم بالكفاءة والترشيد، مع تدفق السلع إلى مراكز تجمعها؛ بغرض الاستفادة من اقتصاديات الحجم ولتقليل آثار مخاطر التجميع.

ومع بدء الحصار المفروض على قطر، تبين أن سلاسل التوريد المُرشدة محفوفة بالمخاطر بدرجة كبيرة وغير قادرة على ضمان قوة وصلابة المنظومة اللوجستية الشاملة. وبالتالي، فرضت الترتيبات ذات الصلة بتحديد المسارات الجديدة سلاسل توريد مرنة وسريعة الاستجابة، حتى بالنسبة للمنتجات والسلع الاستهلاكية الأساسية. 

نبذة عن الدكتور الحسين كرباش

يشغل الدكتور الحسين كرباش منصب أستاذ اللوجستيات وإدارة سلاسل التوريد في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة في قطر. وقد تبوء في السابق منصب العميد والرئيس التنفيذي لجامعة أتش إي سي - باريس في قطر. الدكتور كرباش حائز على درجة الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس في الهندسة الصناعية وبحوث العمليات من جامعة ماساتشوستس في أمهرست بالولايات المتحدة الأمريكية. وهو حاصل على شهادة التأهيل لإجراء البحوث من جامعة نانت في فرنسا، ودبلوم في "برنامج المعلم الدولي" من المعهد الدولي للتنمية الإدارية في لوزان بسويسرا. وقد أجرى بحثه بالتعاون مع جامعة أتش إي سي - باريس في قطر.