معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ورؤى حول بيولوجيا فيروس كورونا

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ورؤى حول بيولوجيا فيروس كورونا

28 أبريل 2020

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ورؤى حول بيولوجيا فيروس كورونا

لا تستطيع الفيروسات، بما في ذلك فيروس كورونا (كوفيد-19)، وسلالة الفيروسات التاجية عمومًا، أن تنمو وتتعايش من تلقاء نفسها، وتعتمد في تكاثرها على انتقال العدوى إلى الخلايا المضيفة في جسم الإنسان أو الحيوان. لقد ساعدتنا البحوث التي تُجرى في علم الأحياء الجزيئي على استكشاف "المعلومات الداخلية" حول كوفيد-19 وآلياتها المُسببة للأمراض. في حلقة هذا الأسبوع، يشرح خبراء معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ما يحدث بمجرد أن يجد الفيروس طريقة ما لدخول جسم الإنسان، وكيف يمكن تطبيق هذا الفهم في تحديد مواصفات التدخلات العلاجية اللازمة.

دورة حياة كوفيد-19

ينتمي فيروس كوفيد-19 إلى فيروسات بيتا، وهي عائلة من فيروسات بيتا التاجية، على غرار فيروس سارس، المغلفة بغطاء خارجي وحماية من الحمض النووي الريبوزي منفرد السلسة. وقد غيّر الحمض النووي الريبوزي لفيروس كوفيد-19 الشفرة الجينية للبروتين الفيروسي، مثل "البروتين المتنسخ" غير الهيكلي، في ظل أدائه لمهمة التكاثر الفيروسي، والبروتينات الهيكلية، بما في ذلك، النوع الشوكي، والغلاف، والغشاء، والقفيصة النووية، التي تتجمع كلها لتكوين جسيم الفيروس. 

تشمل حياة الفيروس ما يلي: 1) العدوى – وهي دخول الفيروس إلى الخلايا المضيفة، و2) النسخ المتماثل – وهو التكاثر باستخدام موارد الخلايا المضيفة، و3) إطلاق الجزيئات الفيروسية من الخلايا المضيفة. 

بمجرد دخوله جسم الإنسان، يتعين على كوفيد-19 اقتحام خلايا الجسم من أجل البقاء والتكاثر. ويتضمن دخول كوفيد-19 تفاعل البروتين الشوكي الفيروسي مع بروتين مُستقبل الخلية المضيفة على سطحها. وقد وردت إفادات حول الإنزيم المحول للإنجيوتنسين2 (ACE2) بأنه البروتين المُستقبل المضيف لفيروس كورونا على غرار فيروس سارس. ويشارك الإنزيم المحول للإنجيوتنسين2 المتواجد في خلايا الرئتين والقلب والكليتين والأمعاء والأوعية الدموية والخصيتين في تنظيم ضغط الدم، وقد ارتبط فشله في أداء وظيفته بأمراض القلب والأوعية الدموية. وقد أشارت دراسة حديثة نُشرت في "مجلة EMBO العلمية" إلى اتجاهات تعكس زيادة في ظهور الإنزيم المحول للإنجيوتنسين2  مع تقدّم العمر، خاصة عند الذكور، وذلك في خلايا المجرى التنفسي، وربما يفسر ذلك شدة المرض لدى كبار السِن.
يتكون البروتين الفيروسي الشوكي من جزئين: (S1) و(S2). في البداية، يرتبط الجزء السطحي لـ (S1) باستضافة خلية الإنزيم المحوّل للإنجيوتنسين2، وبعد ذلك، يقوم نوع من "المقص الجزيئي" الموجود على الخلية المضيفة (سيرين البروتياز) بالالتصاق بالبروتين (S) الذي يسمى بطلاء بروتين (S).

وأخيرًا، يتيح الجزء (S2) اندماج فيروس كوفيد-19 في الخلية المضيفة، مما يؤدي إلى دخول الفيروس في خلايا جسم الإنسان. بمجرد اقتحامه للجسم، يخطف فيروس كورونا آلية الخلية المضيفة لتكاثر حمضها النووي الريبوزي وتصنيع أو "ترجمة" البروتينات الخاصة بها. ويتجمع الحمض النووي الريبوزي الجيني الفيروسي والبروتينات داخل عبوات تسمى "الحويصلات"، ويتم إطلاق جزيئات كوفيد-19 المتكوّنة حديثًا من الخلايا المضيفة.

 فيروس كوفيد-19

دورة حياة كوفيد-19

يرصد جهاز المناعة لدى الإنسان العدوى الفيروسية، ويستجيب بسهولة للقضاء على الفيروسات المهاجمة للجسم. على سبيل المثال، يمكن لبروتينات المُستقبل في الخلايا المضيفة، مثل مُستقبلات (TLRs)، التعرف على كل من الجزيء الفيروسي الكامل أو أجزاء منه. ويساعد تنشيط مُستقبلات (TLR) على إنتاج السيتوكينات الموالية للالتهابات والإنترفيرون، باعتبارها خط الدفاع الطبيعي لجسم الإنسان ضد الفيروسات التي تغزوه. وتتجمع الخلايا المناعية المتنوعة بالتسلسل في موقع الإصابة بالعدوى، وتشتبك في معركة مع هذه الفيروسات.

ونتيجة لذلك، تفرز خلايا الرئتين بشكل متزايد مخاطًا يؤثر سلبًا على الأداء الوظيفي المعتاد لخلايا الرئتين وتبادل غازات الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون، ما ينتج عنه سعال الأشخاص المصابين، وخروج رذاذ يحتوي على الفيروس.

وتظهر عدوى كوفيد-19 على أنها التهاب في الجهاز التنفسي العلوي، أو التهاب رئوي، أو متلازمة تنفسية حادة وخيمة (سارس). ويعتبر السارس التهابًا رئويًا ناتجًا عن التنشيط المفرط لجهاز المناعة، ما يؤدي إلى تلف رئوي على المدى الطويل. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يحدث فشل وظيفي في العديد من أعضاء الجسم، بسبب التهاب بعض الأجهزة، ما قد يؤدي إلى الوفاة.

الكشف عن جينوم كوفيد-19 باستخدام تفاعل البوليمراز المتسلسل اللحظي مع النسخ العكسي

يعتمد الاختبار التشخيصي المعياري الحالي لفيروس كوفيد-19 وتفاعل البوليمراز المتسلسل اللحظي مع النسخ العكسي على الكشف عن مناطق فريدة في جينوم كوفيد-19. ففي يناير 2020، نشرت منظمة الصحة العالمية أول بروتوكول برفقة ثلاثة اختبارات لتفاعل البوليمراز المتسلسل اللحظي مع النسخ العكسي، مصممة للكشف عن ثلاثة جينات مختلفة للفيروس، وهي: 1) الفئة الأولى من الفحص تخص جين (E)، (الموجود في منطقة "E" التي تغيّر شفرة البروتين المغلف، و2) اختبار تأكيدي لجين (RdRp) في منطقة "ORF1ab" التي تغيّر شفرة البروتينات غير الهيكلية المحفوظة جيدًا، و3) اختبار تأكيدي إضافي للجين (N) في المنطقة "N" التي تغيّر شفرة بروتينات نيوكليوكابسيد.

عينات تشخيصية من الجهاز التنفسي: مسحة أو بلغم من البلعوم والأنف. بمجرد أخذ هذه العينة، يتم حلها أولاً باستخدام أدوات استخلاص الحمض النووي لإطلاق الحمض النووي الريبوزي لفيروس كورونا. وبعد ذلك، يتم تحويل الحمض النووي الريبوزي إلى (حمض نووي ريبوزي منزوع الأوكسجين: حمض نووي ريبوزي تكميلي)، وهو جزيء قابل للقياس الكمي، باستخدام إنزيم يسمى المنتسخ (transcriptase) أو (retrotranscriptase) وبالتالي يسمى بـ (RT).

وفي حال وجوده، يجري تكبير الحمض النووي الريبوزي منزوع الأوكسجين لفيروس كورونا (ملايين المرات) بواسطة تفاعل تسلسل البوليميراز واكتشافه بواسطة تفاعل كيميائي فلوري. ويسمح نظام الكشف هذا عن تفاعل البوليميراز اللحظي المتسلسل  بقياس تركيز الفيروس وعدد نسخه الموجودة بكل عينة. وأخيرًا، إذا كان التفاعل إيجابيًا، فإنه يظهر إشارة الفلورسنت فوق عتبة تركيز محددة مسبقًا.  أما في حال وجود مجرد ضجيج في الخلفية أو غياب التنشيط التألقي فهذا يعني أن الاختبار سلبي النتيجه.

وهناك فترة كُمون أو اختفاء لا يمكن فيها اكتشاف الحِمل الفيروسي لكوفيد-19 في المراحل المبكرة من العدوى. وأثناء الإصابة بالعدوى، يتكاثر الفيروس بنشاط، وتكون مستويات الحمض النووي الريبوزي الفيروسي في أعلى مستوياته، مع ظهور أعراض كوفيد-19 لأول مرة، ما يسمح بالكشف الدقيق.

ومع ذلك، لا يمكن لتفاعل البوليمراز المتسلسل اللحظي مع النسخ العكسي اكتشاف حالة متعافية من فيروس كورونا، حيث لا يمكن تحديدها إلا من خلال مستويات الأجسام المضادة، وبالتالي، يحتاج تفاعل البوليمراز المتسلسل اللحظي مع النسخ العكسي إلى استكماله بطرق تشخيصية مصلية تكشف عن الأجسام المضادة لكوفيد-19.

النسخ العكسي - تفاعل البوليمراز المتسلسل

النسخ العكسي - تفاعل البوليمراز المتسلسل

اكتشاف العدوى بفيروس كورونا

اكتشاف العدوى بفيروس كورونا

إعادة تحديد الأغراض التي تستخدم لأجلها الأدوية: خط الدفاع الأول في مواجهة جائحة كورونا 

من شأن توافر لقاح لفيروس كورونا أن يبطئ من انتشاره وتفشيه في جميع أنحاء العالم، ويضمن تخفيض العدد الذي يعاني من أعراض المرض، وبالتالي، يمكن إنقاذ المزيد من الأرواح. ولكن الحقيقة القاسية هي أنه حتى عندما يتوصل الباحثون إلى لقاح يعمل ضد فيروس كورونا المستجد، فقد يستغرق الأمر من 12 إلى 18 شهرًا على أفضل تقدير قبل أن يصبح جاهزًا للاستخدام العام.

حتى أن هذا الإطار الزمني هو مجرد جزء من الوقت المعتاد واللازم لتطوير اللقاحات. وكاستجابة طارئة لكوفيد-19، يعتمد الأطباء في جميع أنحاء العالم على "إعادة تحديد الأغراض التي تستخدم لأجلها الأدوية"، وهي استراتيجية ناشئة، حيث يتم إعادة استخدام الأدوية الحالية، التي جرى اختبارها بالفعل على الإنسان، وثبت أمانها في مكافحة الأمراض التي يصعب علاجها.

من جانب آخر، تُوصف العوامل المضادة للفيروسات واسعة النطاق التي اُعتبرت "آمنة على الإنسان" من خلال اختبارها في التجارب السريرية في مرحلها المبكرة أنها أدوية جيدة مرشحة لإعادة استخدامها. وتوفر طريقة استيعابنا لخطوات دورة حياة الفيروس أهدافًا محتملة للعلاج بهذه العقاقير. وتشمل الأهداف الدوائية الواعدة للبروتينات غير الهيكلية (على سبيل المثال، البروتياز شبيه إنزيم كيموتربسين)، والبروتياز شبيه بالبابين، وبوليميراز الحمض النووي الريبوزي المعتمد على الحمض)، الذي يتشارك في التماثل مع الفيروسات التاجية المستجدة. 

تشمل الأهداف الدوائية الإضافية دخول الفيروس للجسم ومسارات تنظيم المناعة. بالإضافة إلى إعادة تحديد مواصفات الأدوية الحالية، فإن البحث عن أدوية جديدة لعلاج فيروس كورونا مستمر. ففي 9 أبريل 2020، أفاد علماء في شنغهاي بالصين من خلال مجلة "نيتشر" أن الفحص الافتراضي للأدوية فائقة الإنتاجية لأكثر من 000,10 مُرَكَب قد حدد ستة أدوية محتملة جديدة تعمل على إعاقة البروتياز الرئيسي لفيروس كوفيد-19، الذي يساهم في تكاثر الفيروس. من هنا نستطيع أن نقول أن هنالك مؤشرات إيجابية بشأن إمكانية التوصل إلى دواء فعال وجديد مضاد لفيروس كورونا (كوفيد-19).

أدوية محتملة لعلاج فيروس كورونا

المساهمون في هذه الدراسة:

الوبائيات: د. يوشي كوباياشي ود. فيجاي جوبتا
التشخيص: د. سلام سلوم أسفر
العلاج: د. أبو صالح محمد معين
الرسوم التوضيحية: د. يوشي كوباياشي ود. سلام سلوم أسفر ود. أبو صالح محمد معين
المحررون: د. أدفيتي نايك ود. ألكسندرا باتلر

لتصفح المراجع، يُرجى الضغط هنا.