كوفيد-19: ما الذي يجعل المرض معديًا؟ | جامعة حمد بن خليفة
Hamad Bin Khalifa University

البيانات الصحفية كوفيد-19: ما الذي يجعل المرض معديًا؟

على الرغم من التقدم البارز الذي تحقق في علاج الأمراض المختلفة، لا يزال العبء العالمي الذي تفرضه الأمراض المعدية وغير المعدية ثقيلاً. ويشكل هذا العبء مصدرَ قلقٍ كبيرٍ للاقتصادات وقطاعات الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. وبناءً على منشأ المرض أو سببه، وانتقاله أو قابليته للوراثة، ونوع تطور المرض وطرق العلاج، يمكن لعلماء الأوبئة تصنيف المرض على أنه معدٍ أو غير معدٍ. وفي الواقع، تساهم الأمراض المعدية وغير المعدية في أكثر من 90 بالمئة من إجمالي العبء العالمي للمرض. وتشكل الأمراض مجهولة السبب فئة ثالثة من الأمراض ذات الأصول غير المؤكدة أو غير المعروفة.

تصنيف الأمراض المعدية وغير المعدية

استنادًا إلى تعريفات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية، تميل الأمراض غير المعدية إلى أن تكون اضطرابات مزمنة وبطيئة الحركة، بسبب الوقت الذي تستغرقه لإظهار علامات المرض (حتى فترة زمنية قد تصل إلى عقد كامل). بالإضافة إلى ذلك، عادة ما تستمر الأمراض غير المعدية لفترة طويلة (أي لأكثر من عام واحد عمومًا). ويُعدُ الاستعداد الجيني، والظروف البيئية، فضلًا عن التغيرات الغذائية والفسيولوجية والسلوكية، والشيخوخة، من العوامل الأساسية لانتشار الأمراض غير المعدية. ووفقًا لتقرير صدر حديثًا عن منظمة الصحة العالمية وتقديرات العبء العالمي للأمراض، تُشكل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة، والخرف، وأمراض الكبد والكلى، والنوع الثاني من داء السكري، 70 إلى 80 في المئة من جميع الوفيات في فئة الأمراض غير المعدية.

والأمراض غير المعدية ليست معدية أو ناقلة للعدوى، وهو ما يعني أنها لا تمتلك القدرة على الانتقال من شخص إلى آخر. ويمكن تجنب جزء كبير من العبء الناجم عن الأمراض غير المعدية عبر التعرف على الأفراد الأكثر عرضة للخطر، وحثهم على اتخاذ تدابير وقائية. وتشمل هذه التدابير التشخيص المبكر للمرض، والكشف عنه، والتحكم في عوامل الخطر التي تساهم في حدوث المرض، مثل الإقلاع عن التدخين، والتوقف عن تناول الكحول، وتعزيز نظام غذائي صحي، والمشاركة في الأنشطة الرياضية.

وعلى النقيض من ذلك، تبدأ الأمراض المعدية (المعروفة أيضًا باسم الأمراض السارية أو الحادة) بظهور العوامل المعدية، ويمكن أن تنتقل إلى أشخاص آخرين من خلال الاتصال المباشر أو غير المباشر. ويُعرف هذا في الأوساط العلمية بمصطلح الانتقال المجتمعي. وعندما تدخل الحيوانات في عملية انتقال العدوى، تُعرف هذه العملية بمصطلح الانتقال حيواني المنشأ. وتنشأ حالات العدوى الأخرى من مصادر ملوثة في أجوائنا المحيطة. ويمكن أن يساهم وجود حمولة عالية من هذه العوامل المعدية في الدم أو سوائل الجسم الأخرى، وأثناء الحمل أو الرضاعة، بشكل كبير في انتشار المرض. وعلى عكس الأمراض غير المعدية، لا يمكن توارث الأمراض المعدية عبر الأجيال. ويمكن للأمراض المعدية أن تؤدي كذلك إلى حدوث "استجابة حادة" مرة واحدة في الجسم. وتظهر هذه الاستجابات في عدد من الأعراض بما في ذلك السعال، والعطس، والإسهال، والقيء، والصداع، والأنفلونزا، والحمى.

وتنقسم العوامل المعدية إلى أربع مجموعات وهي: البكتيريا، والفيروسات، والفطريات، والطفيليات. وعندما تجتمع هذه العوامل معًا، فإنها يمكن أن تعرض حياة الملايين من الأفراد للخطر، لا سيما في البلدان الفقيرة. وتشتمل استراتيجيات التخفيف من الآثار السلبية للأمراض المعدية على الأدوية (مثل المضادات الحيوية، والعوامل المضادة للفيروسات، واللقاحات)، بالإضافة إلى الوقاية (مثل تدابير النظافة الجيدة، والحجر المنزلي، والتباعد الاجتماعي).    

كيف يتطور العامل المعدي إلى مرضٍ معدٍ؟

يتضمن مسار المرض الناتج عن عاملٍ معدٍ سلسلة من الأحداث المترابطة، تسمى سلسلة الانتقال. وتعتمد قدرة العامل المعدي على التسبب في حدوث المرض على عدة عوامل تعمل في حلقة مفرغة. وتشمل هذه العوامل، على سبيل المثال لا الحصر، طبيعة وحمل العامل المعدي، وإمكانية تعرض الأفراد للضرر، ومستودع العدوى، وطريقة الانتقال، وطرق الدخول والخروج.

فيروس كوفيد-19: مرضٌ معدٍ 

ينشأ مرض كوفيد-19 من فيروس كان مسؤولًا تاريخيًا عن فيروس كورونا 2 المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (فيروس SARS-CoV-2)، ويُصنف بالتالي كمرضٍ معدٍ. ولا تزال الآليات الكامنة وراء التسبب في مرض كوفيد-19 تخضع لدراسات مكثفة، وهو ما يعني أن العلاج الفعال لهذا الفيروس لا يزال غير متاح. ويبدو أن منع انتقال العدوى هو الاستراتيجية المثلى، حيث يترقب العالم إمكانية التوصل إلى علاجٍ لهذا الفيروس.

وقد ربطت الدراسات الوبائية بين انتشار الفيروس والعديد من العوامل، التي تشمل على سبيل المثال، مصدر العدوى، والحمل الفيروسي، وطريق انتقال الفيروس، ومواطن الضعف لدى كل فرد. وقد أدى فهم هذه المُحدِدات وتطبيق تدابير التباعد الاجتماعي والتشديد على العزل كإجراءات صحية عامة إلى التخفيف من خطر الإصابة بالعدوى.

في المراحل الأولى من اكتشاف فيروس كورونا في الصين، بدأ التفكير في إمكانية أن يكون الفيروس قد انتقل من الحيوانات إلى البشر. وطفت على السطح تعليقات وتقارير بشأن العديد من المرضى الصينيين الذين أصيبوا بكوفيد-19، وكانت لديهم صلة بأسواق المأكولات البحرية والحيوانية في مدينة ووهان، وأن ذلك هو ما أوجد بيئة مثالية لانتقال الفيروس من الحيوانات إلى البشر. ومع ذلك، وفي ظل استمرار انتشار العدوى، بات من الواضح أن عددًا كبيرًا من المرضى لم يتعرضوا أبدًا لأسواق الحيوانات. وأصبح من الواضح أيضًا أن انتقال العدوى من إنسان إلى آخر يحدث عبر طرق أخرى مختلفة. من بين هذه الطرق، ينتشر فيروس كورونا من شخص لآخر من خلال الاتصال عن قرب في مسافة أقل من متر واحد مع الأفراد المصابين. كما ينتقل الفيروس عن طريق إفرازات الجهاز التنفسي على شكل جزيئات رذاذية (5-10 ميكرومتر)، أو نوى رذاذية (أقل من 5 ميكرومتر) بعد السُعال أو العطس أو الكلام. ويؤدي استنشاق هذا الرذاذ إلى انتقال العدوى، وكذلك التعرض للأسطح المصابة مثل الجلد والملابس والأبواب، حيث يمكن أن يظل الفيروس نشطًا لعدة ساعات وحتى ثلاثة أيام.

يستطيع الفيروس أن يبقى نشطًا لفترة طويلة على مجموعة متنوعة من الأسطح، وأن يوفر مخزونًا من الفيروسات. ويصبح الاتصال بالفيروس ممكنًا عندما يلمس الأشخاص هذه الأسطح الملوثة، حيث ينتقل الفيروس إلى أيديهم والأغشية المخاطية، باعتبار أن الفم والأنف والعينين هي نقاط الدخول الرئيسية الثلاث للفيروس. ويمثل الاتصال الجسدي مع الأفراد الذين يحملون الفيروس على الجلد أو الملابس وسيلة أخرى لانتقال الفيروس. بالإضافة إلى جزيئات الرذاذ، يُمثل وجود الحمض النووي الريبوزي لفيروس كورونا في عينات البراز والدموع واللعاب، وعينات البول والدم من الأفراد الذين تظهر عليهم أعراض المرض، مصدرًا محتملاً للإصابة بكوفيد-19.

ولا تتوافر حتى الآن دراسات وبائية كبرى توثق الانتقال المحتمل للفيروس من الأم إلى الجنين أثناء الحمل، وهو ما يعرف بالانتقال الرأسي داخل الرحم، أو الانتقال خلال الولادة وأثناء الرضاعة الطبيعية، ومع ذلك هناك بعض التقارير المحدودة التي لم تتوصل إلى أي طرق انتقال محتملة لكي تعتبر سببًا للعدوى. وتتماشى هذه التقارير مع الدراسات الطبية الأخرى التي لم تفلح في الكشف عن الفيروس في السائل المحيط بالجنين، أو في دم الحبل السري، أو في حليب الرضاعة لدى الأمهات المصابات بالفيروس. ومع ذلك، تتطلب هذه الاستنتاجات المزيد من التحقق من صحتها عبر دراسات مستعرضة واسعة النطاق. وفي ظل استمرار جائحة كورونا الحالية، من الضروري إجراء المزيد من الدراسات لفحص العواقب القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى لإصابة الأمهات بكوفيد-19 على الأطفال حديثي الولادة. وفي تلك الأثناء، يعد اتخاذ تدابير وقائية صارمة أمرًا مهمًا للغاية لحماية الأم والجنين معًا.

جهود معهد قطر لبحوث الطب الحيوي في مكافحة كوفيد-19

تشمل مجالات تخصص معهد قطر لبحوث الطب الحيوي الأمراض غير المعدية، ويركز المعهد بدرجة كبيرة على المجالات البحثية المتعلقة بأمراض السكري والسرطان والاضطرابات العصبية. ومع ذلك، خصص المعهد قدرًا كبيرًا من موارده وخبراته لمكافحة الجائحة. ففي فترة زمنية قصيرة، تمكن المعهد من تطوير اختبار تشخيصي لفحص الأفراد الذين يحملون الفيروس. ويعتمد هذا الفحص على اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل في الوقت الحقيقي (PCR)، ويجري الآن التحقق من صحته. وسيساعد وجود مثل هذه الإمكانات في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي مؤسسات الرعاية الصحية الرئيسية في قطر بشكل كبير.

بالإضافة إلى ذلك، نحن بصدد تنفيذ خطط للتعاون البحثي مع الجهات المعنية الداخلية والخارجية، مثل معهد قطر لبحوث الحوسبة، ومؤسسة حمد الطبية، ومؤسسة الرعاية الصحية الأولية، وجامعة قطر، وشركة سينجينكس في سنغافورة. وتشمل مجالات الأبحاث التعاونية الرئيسية تحديد المؤشرات الحيوية المرتبطة بالمرض، وفهم مُسببات المرض، واستكشاف السُبل العلاجية القائمة على الاستجابة المناعية، وكذلك زيادة الأيضات التفاعلية الذاتية، وميثيل غليوكسال، لتعزيز النشاط المضاد للفيروسات.

المساهمون: 

عبد الله ديان، باحث ما بعد الدكتوراه
نعمت خطاب، معاون أبحاث أول 
حنان أبو ندا، مساعد أبحاث
إيمان الدوس، معاون أبحاث أول
ألكسندرا باتلر، باحث رئيسي
محمد دهبي، باحث رئيسي
مركز بحوث السكري، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، جامعة حمد بن خليفة
 

أخبار متعلقة

تسلط الضوء على اليوم العالمي للسكري 2020

في خضم الجائحة العالمية الحالية التي نتجت عن تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، من المهم أن نركز على الحالات الطبية الشائعة والمعقدة الأخرى مثل مرضى السكري.

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة ينشران دراسة مشتركة حول أداة لتقييم خطورة فحص مقدمات السكري

اشترك علماء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة، التابعَين  لجامعة حمد بن خليفة، في نشر أول تقييم للخطورة لفحص مقدمات السكري في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد واحدةً من أعلى معدلات الإصابة بهذا المرض في العالم.