إعلان شركة بيوجين عن إيقاف التجارب السريرية يسلط الضوء | HBKU

إعلان شركة بيوجين عن إيقاف التجارب السريرية يسلط الضوء على الإخفاقات التي تتربص بصناعة الأدوية

23 مايو 2019

يوضح الدكتور عمر الأجنف، المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة، أسباب ضرورة تغيير شركات الأدوية لاستراتيجيتها من أجل إيجاد دواء فعال لعلاج مرض الزهايمر

إعلان شركة بيوجين عن إيقاف التجارب السريرية يسلط الضوء على الإخفاقات التي تتربص بصناعة الأدوية

تخلل العشرين عامًا الماضية أكثر من 100 محاولة لتطوير دواءٍ فعالٍ لعلاج مرض الزهايمر، ولكن هيئة الأدوية الفيدرالية الأمريكية اعتمدت أربعة من تلك الأدوية فقط. وفي الواقع، هناك حاليًا فئتان فقط من الأدوية المتاحة، وكلاهما يهدفان إلى علاج أعراضٍ محددة لمرض الزهايمر، بدلًا من إيجاد علاجٍ للمرض بحد ذاته.

ويُمَثِل الزهايمر، وهو مرض تنكسي يصيب الدماغ ويُعدُ أكثر أسباب الخرف شيوعًا، مشكلةً كبرى في جميع أنحاء العالم. وتتمثل الأعراض المبكرة الأكثر شيوعًا للإصابة بالزهايمر في وجود صعوبة في تذكر الأحداث الراهنة. ومع تقدم المرض، يمكن أن تشتمل الأعراض على حدوث مشاكل لغوية، وارتباك (يشتمل على سهولة فقدان التركيز)، وتقلب المزاج، وفقدان الدافع، وعدم القدرة على الاعتناء بالنفس، ومشاكل سلوكية.

ويتسم الزهايمر بأنه مرضٌ عضالٌ يؤدي إلى الوفاة في نهاية الأمر، حيث يَلْزَم الأشخاص المصابين بالمرض في مراحله الأخيرة فراشهم، ويحتاجون إلى تلقي الرعاية على مدار الساعة.

ومما يثير القلق أن معدل نجاح التجارب السريرية للزهايمر منخفضٌ للغاية، وأننا لم نتعلم بشكلٍ كافٍ من تلك الإخفاقات.  وقد تجلى هذا الأمر بشكلٍ واضح مؤخرًا، عندما أعلنت شركة بيوجين الأمريكية - متعددة الجنسيات - للتكنولوجيا الحيوية عن إيقاف تجاربها السريرية على دواء يستهدف اللويحات النشوانية (لويحات الاميلويد )، وهي مجموعات من الأجسام النشوانية البائية (بيتا اميلويد)  التي تدمر نقاط الاشتباك العصبي التي تصل بين الخلايا العصبية.ويمتلك الأشخاص المصابين بالزهايمر كميات كبيرة من اللويحات النشوانية في أدمغتهم، لذا فإن من الضروري إجراء أبحاث وتجارب سريرية لتمكيننا من استهداف تلك اللويحات.
 وفي هذا الصدد، ذكرت شركة بيوجين، وشريكتها اليابانية إيساي، أنهما أوقفتا التجارب السريرية في المرحلة الثانية المتأخرة من اختبار الدواء التجريبي "أدوكانوماب" بعد توصلهما إلى أنه من غير الوارد أن يحقق الدواء فائدة للمرضى. 

ويمثل هذا الإعلان خبرًا تعيسًا إضافيًا للمرضى المصابين بمرض الزهايمر وعائلاتهم، حيث أكد مجددًا على تعقيد المرض، والحاجة للتوصل إلى معلومات أكبر عن بيولوجيا هذا المرض.

وأنا أرى بأن الخطأ الذي ارتكبته شركة بيوجين، منذ البداية، يتمثل في أنها بدت تغض الطرف عن  التجارب السريرية الفاشلة السابقة.  

ومن هذا المنطلق، يجب أن تُولِي شركات الأدوية المزيد من الاهتمام للتجارب السابقة إذا ما كنا نرغب في تحقيق أي تقدم على طريق إيجاد علاج للمرض. فعلى سبيل المثال، ماذا كان سيحدث لو حققت الأدوية التي حُكِم عليها بالفشل، النتائج المرجوة لدى مجموعة معينة من المرضى و في الوقت المناسب؟ لقد حان الوقت لاستخلاص الدروس من علم الأورام فيما يتعلق بالطريقة المثلى لإجراء التجارب، ويتعين على شركات الأدوية أن توجه اهتمامًا أكبر للتشخيص المبكر للمرض لكي يتسنى لنا التدخل في مرحلة مبكرة.   

من المعروف على نطاق واسع أن الببتيدات النشوانية البائية (بيتا اميلويد)  لـ 36 – 43 من الأحماض الأمينية، التي تُعد المكون الرئيسي للويحات النشوانية، تبدأ في التراكم قبل عقدين أو نحو ذلك من ظهور أي إشارة للأعراض السريرية. وبحلول ذلك الوقت، يكون من المتأخر للغاية وقف تقدم المرض.       

ونحن نعلم أيضًا أن العديد من المرضى المصابين بالزهايمر في مرحلة متقدمة من المرض لا يصابون فقط باللويحات النشوانية والحبائك العصبية الليفية، وهي تجمعات لبروتينات التاو مفرطة الفسفرة، فحسب، ولكنهم يصابون أيضًا باعتلالات أخرى ترتبط بأمراض عصبية تنكسية أخرى، وهو ما يجعل علاج هؤلاء المرضى أكثر تعقيدًا.

وتشتمل الاعتلالات المرضية الأخرى على أجسام ليوي المرتبطة بالخَرَف، وهو نوع من الخرف الذي يرافقه تغييرات في السلوك والإدراك والحركة وبروتين TDP-43، الذي يؤدي دورًا اعتلاليًا في كلٍ من حالات التصلب الجانبي الضموري والخَرَف الجبهي الصدغي. ولهذا السبب، من المهم التفرقة بين الأنواع المختلفة للحالات العصبية التنكسية لأن هذا الأمر يُمَكِننا من تحديد أفضل طريقة للعلاج.

وإذا كانت هناك أي نتيجة إيجابية لهذا الخبر التعيس بالنسبة لمرضى الزهايمر وعائلاتهم، فهي أنه قد يجبر شركات الأدوية على التركيز على تطبيق استراتيجيات أخرى. وقد حان الوقت للابتعاد عن طريقة "إتباع نموذج واحد مناسب للجميع" في تطوير أدوية الزهايمر، وتبني أساليب الطب الشخصي في علاج المرض بدلًا من ذلك.  

وقد أدى الطب الشخصي إلى حدوث تطورات مذهلة في علاج السرطان، ولكنه يمكن أن يساعد كذلك في تعزيز التفكير المُبْتَكر بهدف التصدي لمجموعة واسعة من الأمراض المعقدة، ومن بينها الزهايمر.

ونحن في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، نُجري أبحاثًا رائدةً في العديد من المجالات، من بينها مرض الزهايمر. 

وقد رَسَخَ المعهد مكانته باعتباره مؤسسةً بحثيةً وطنيةً رائدةً تهدف إلى تحسين الرعاية الصحية عبر الابتكار في الوقاية من الأمراض، وتشخيصها، وعلاجها. ونحن فخورون بمركز أبحاث الاضطرابات العصبية الذي يركز على الأمراض العصبية التنكسية.

ويُمَكِن المركز مختلف الأطراف المعنية من إجراء أبحاث مكثفة حول الأمراض العصبية التنكسية. وتُمَثِل الأبحاث التي تُجرى في المركز خطوة تمهيدية للتعرف على المؤشرات الجينية والحيوية المميزة للسكان العرب، بهدف المساعدة في التشخيص المبكر للأمراض.

ويُشَكِل ذلك، بالطبع، جزءًا بسيطًا من الجهود التي يبذلها معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، ونحن فخورون للغاية كذلك بالمراكز الأخرى التابعة للمعهد، وهي مركز بحوث السرطان ومركز بحوث السكري. وبصفتها جامعةً تُركز على الابتكار، تؤدي جامعة حمد بن خليفة دورًا رائدًا في مجال التعليم والبحوث، حيث تلتزم بالتصدي للتحديات الحرجة التي تواجه دولة قطر والعالم.

وفي ظل إصابة حوالي 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بمرض الزهايمر، من الضروري الاستمرار في تحقيق تطورات كبرى في هذا المجال.