بناء قاعدة من صناع التغيّر الأخلاقي لمعالجة التحديات العالمية ...

بناء قاعدة من صناع التغيّر الأخلاقي لمعالجة التحديات العالمية

28 مارس 2019

تمثل استضافة الحوارات الفكرية حول الإسلام، وخاصة التي تسلط الضوء على الدراسات الإسلامية المعاصرة، جزءًا مهمًا من رسالة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة نحو بناء وتخريج قادة الغد من رواد التغيّر الأخلاقي.

بناء قاعدة من صناع التغيّر الأخلاقي لمعالجة التحديات العالمية

ولمواصلة العمل نحو هذه الغاية، تبنت كلية الدراسات الإسلامية مؤخرًا مبادرة فريدة من نوعها وهي: "التعاون الأخلاقي" Ethics Co-Lab؛ لتعزيز فهم أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر كما حددتها الأمم المتحدة، وربطتها بالممارسات الأخلاقية والدين.

من جانبه، قال الدكتور محمد إفرين توك، العميد المساعد لمبادرات الإبداع والتقدم المجتمعي والذي يقود المبادرة من جانب كلية الدراسات الإسلامية: "تمثل مبادرة ’التعاون الأخلاقي‘ أرضًا خصبةً لجمع مختلف البرامج عن الدراسات الإسلامية والثقافة. إن بناء وتشكيل قادة المستقبل لهو أمر مهم، لكن الجانب الأكثر أهمية هو التأكد من أن هؤلاء القادة مسلحون بقيم تُمكنهم من التعامل مع المشاكل العالمية من خلال أسس أخلاقية راسخة. وهذا ينسجم أيضًا مع فلسفة مؤسسة قطر وجميع الكيانات التابعة لها نحو تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في تعزيز القدرات البشرية ذات المرونة الأخلاقية".

 تقدم كلية الدراسات الإسلامية خمس درجات أكاديمية على مستوى الماجستير والدكتوراه، وتتيح القواسم المشتركة بين هذه البرامج أنها جميعًا، وبطريقة ما، تتعلق بالحكم الأخلاقي على الأفراد، والعوامل الداخلية والخارجية على حد سواء، التي تؤثر على اتخاذ القرار الأخلاقي. قد يكون هذا على مستوى الفرد والأسرة والمؤسسة والوطن والعالم.

يقول الدكتور توك: "نواجه، كمسلمين وطلاب علم من حول العالم، الفقر وعدم المساواة وممارسات غير محتملة وغياب السلام والظلم ومشكلات أخرى لا حصر لها تؤثر على صحتنا ورفاهنا وأمننا. نحن نريد أن نمنح الطلاب فرصة للتعرض لهذه المشكلات، حتى يتمكنوا من رسم وتحديد القضايا الأساسية، وبعد ذلك، تقديم حلول من وجهات نظر تغذّيها القيّم الإسلامية والفضائل والأخلاق".

أصول التربية الفريدة

 عمل فريق مبادرة "التعاون الأخلاقي" لمدة ستة أيام مطلع العام الحالي، في إطار جهود تعزيز الوعي بأهداف التنمية المستدامة بين الطلاب على مستوى الدراسات العليا. وشهدت الفعالية مشاركة 21 طالبًا إلى جانب 10 مشرفين. وكانت المبادرة مفتوحة لجميع طلاب كلية الدراسات الإسلامية من مختلف البرامج الأكاديمية، في محاولة للتعبير عن وجهات نظر متعددة التخصصات، وتضمين مفاهيم تجمع بين الدين وأهداف التنمية المستدامة.

يضيف الدكتور توك: "هناك اهتمام متزايد بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وخاصة على مستوى التعليم الثانوي، وتأتي برامج أكاديمية قطر كمثال جيد على ذلك، أما على مستوى الدراسات العليا، فنحن متأخرون. فمن خلال مبادرة "التعاون الأخلاقي"، أسسنا بنجاح أربعة مشاريع مبتكرة في نهاية الأيام الستة، وجميعها تدعم أهداف التنمية المستدامة بطرق إبداعية".

وقد استفاد فريق مبادرة "التعاون الأخلاقي" من منصة تعليمية فريدة تعمل بطرق مبتكرة على دمج الأخلاق والدين في نهجها ومقاربتها للشؤون العالمية. وجمعت الجلسات المختلفة للفعالية عناصر من جميع البرامج متعددة التخصصات التي تقدمها كلية الدراسات الإسلامية، بما في ذلك التمويل الإسلامي والاقتصاد، والفن والعمارة الإسلامية والعمران، والدراسات الإسلامية. وسلطت الجلسة التي عقدت حول تكنولوجيا سلاسل البيانات الضوء على كيفية تجاوب التقنيات المالية بشكل جيد مع المنتجات والأدوات المالية المصرفية الإسلامية. وفي جلسة أخرى، اقترح خمسة من الطلاب يمثلون برنامج الفن والعمارة الإسلامية والعمران المقدم في كلية الدراسات الإسلامية طرقًا مختلفة للتعامل مع القضايا المتعلقة بالتوسع الحضري، والمدن، ونقاط التباين المتزايدة، منوهين إلى أن هذه لم تكن مشاكل محلية فحسب، بل كانت أيضًا مشاكل حضرية. وتبادل طلاب من برنامج مقارنة الأديان وجهات النظر حول تعامل الأديان بطرق مختلفة مع العدالة البيئية والاجتماعية.

استفاد المشاركون أيضًا من التوجيهات والقيادة المتميزة لعشر مشرفين، من رواد الأعمال الاجتماعية والمؤسسات الحاضنة للأعمال من أربع قارات.

 وعلق د. توك قائلاً: "للوهلة الأولى، تبدو جهود التعاون غير عادية. ومع ذلك، يتعين على المرء أن يفهم أنه في تعامله مع المشاكل العالمية المعاصرة، وخاصة أهداف التنمية المستدامة، هناك حاجة إلى مجموعة محددة من المهارات والقدرات ذات الصلة بريادة الأعمال. وقد يشمل ذلك تصميم وابتكار المنتجات، وابتكار الخدمات، وما إلى ذلك. فنحن كلية تعزز الدراسات متداخلة التخصصات، ولذا فإن هذا التعاون المتبادل وضعنا جميعًا في نفس الحيز".

الخلاصة والنتائج

 في نهاية الأيام الست من العمل المكثف، قدَّم الطلاب المشاركون أربعة مشاريع تضم حلولاً مبتكرة؛ كان أحدها نظام مرحاض لمخيمات اللاجئين يتوافق مع القيّم الإسلامية، وقُدم هذا المشروع إلى صندوق قطر للتنمية، وسيكون جزءًا من مشاريع الصندوق القادمة. وكان المشروع الثاني عبارة عن حافظة بيئية للأطفال، تتضمن قصصًا وألعابًا حول الاستدامة والقضايا البيئية التي عُرضت من منظور ديني. أما المشروع الثالث فتضمن اقتراح السياسات الحكومية والبلدية، وخاصة لمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، للاستثمار في أفران الطهي التي تعمل بالطاقة النظيفة والتي تقلل من الانبعاثات الضارة أثناء إعداد الطعام.

 يتمثل أحد الجوانب الرئيسة لهذه المبادرة في تعريف الطلاب بالأدوات المتنوعة واللازمة لكي يصبحوا رواد أعمال. ويفسر د. توك ذلك قائلاً: "قدمنا للمشاركين الآليات والتصورات الضرورية، وقاموا بأنفسهم ببحث أهداف التنمية المستدامة. أردنا منهم أن يتعاملوا مع المشكلة أو التحدي، وأن يدمجوا رؤاهم وقيّمهم، ثم يُوجدوا الحل الاستراتيجي الذي يضيف القيمة المرجوة".

ونتيجة لمبادرة "التعاون الأخلاقي"، أصبحت كلية الدراسات الإسلامية منوطة بإنتاج مواد تعليمية في شكل دورات تدريبية مكثفة مفتوحة عبر الإنترنت، إضافة إلى مواد مكتوبة للاستخدام في قاعات الدراسة. وتأمل كلية الدراسات الإسلامية مستقبلاً في أن تصبح هذه المبادرة البرنامج الأكثر استخدامًا. وهنالك خطط قيد العمل لتوسيع المبادرة، وجاري التواصل مع الجهات المعنية لإدراج الجهات الفاعلة المحلية منها والدولية. وهذا من شأنه أن يوفر للمشاركين معرفة عملية بالتحديات الموجودة، ويقلل من حجم الجانب النظري. كما عَبَرَ د. توك عن أمله في دعوة الطلاب من الكليات الأخرى للمشاركة في هذه الفعالية، متوقعًا أن تنوعهم ومجالات خبرتهم المختلفة سوف تضفي مزيدًا من الإثراء على التجربة. وخلص إلى القول بأن "أعجب شيء في التعليم هو أنك لا تتوقف أبدًا عن التَعَلُّم".