تعزيز التمويل الأخضر في قطر: الفرص والتحديات

تعزيز التمويل الأخضر في قطر: الفرص والتحديات في مرحلة ما بعد انتهاء الجائحة

20 يناير 2021

تعزيز التمويل الأخضر في قطر: الفرص والتحديات في مرحلة ما بعد انتهاء الجائحة

الدكتورة دلال عسولي

خلَّفت جائحة كوفيد-19 الحالية آثارًا كبيرةً على الاقتصادات الوطنية والنظام المالي العالمي، بالإضافة إلى مساهمتها في إعاقة تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن مؤشر التنمية البشرية العالمية، الذي يضم مزيجًا من مؤشرات التعليم والصحة ومستويات المعيشة، يمكن أن ينخفض هذا العام لأول مرة منذ عام 1990، وهو ما يسلط الضوء على أن آثار الجائحة تفرض تحدياتٍ ضخمةً وتطرح فرصًا هائلة لبلوغ غايات أجندة 2030 وأهداف التنمية المستدامة. 

وفي ظل التحديات الإضافية الناجمة عن تغير المناخ، التزمت الحكومات بالعديد من التدابير السياسية التي تعزز الانتعاش الأخضر لإعادة بناء اقتصاداتها، مع تحقيق مصالح الشعوب وكوكب الأرض. وتشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الموارد العامة التي خصصتها الحكومات لدعم الانتعاش الأخضر تبلغ 312 مليار دولار أمريكي على الأقل. وتوفر هذه التدابير فرصًا هائلة للتمويل الأخضر بشكل عام، والتمويل الإسلامي الأخضر بشكل خاص، في سياق البلدان ذات الأغلبية المسلمة.

وفي ضوء رؤيتها الوطنية لعام 2030، ومن أجل تعزيز جهود تنويع مواردها الاقتصادية بعيدًا عن الاعتماد على الهيدروكربونات، فقد اتخذت دولة قطر عدة إجراءات للتخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ. وتشمل هذه الإجراءات زيادة نسبة استخدام الطاقة الشمسية إلى أكثر من 20٪ في شبكة الطاقة الوطنية بحلول عام 2030، وتعزيز الاستخدام الأمثل للمياه، وتحسين جودة الهواء، وإعادة تدوير النفايات، وزيادة المساحات الخضراء، بالإضافة إلى التزام الدولة بتنظيم أول بطولة كأس عالم لكرة القدم "محايدة الكربون" عبر استخدام الملاعب التي تعمل بالطاقة الشمسية وتكنولوجيا التبريد والإضاءة الموفرة للمياه والطاقة. وتجدر الإشارة إلى أن دولة قطر من الدول الموقعة على اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، كما أنها تدعم عددًا من المبادرات العالمية المتعلقة بالتخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ. 

ويمكن تمويل جميع هذه المبادرات من خلال التمويل الأخضر. وفي هذا الصدد، هناك أربعة اتجاهات عالمية في القطاع المالي يمكن لدولة قطر الاستفادة منها لتعزيز التمويل الأخضر من أجل توطيد جهود التعافي الأخضر:

1. نمو الاستثمار المسؤول اجتماعيًا والتوعية بالاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة:
يُعدُ الاستثمار المسؤول اجتماعيًا والاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة من أسرع مجالات الاستثمار نموًا على مستوى العالم، فكلاهما مدفوع بالوعي المتزايد بشأن المسؤولية الاجتماعية والبيئية. وتشير البيانات الصادرة عن التحالف العالمي للاستثمار المستدام إلى أن حجم الاستثمار العالمي المستدام قد بلغ 30.7 تريليون دولار أمريكي في الأسواق الخمسة الرئيسية في بداية عام 2018، بزيادة نسبتها 34 بالمائة خلال عامين. وتضم قائمة الأسواق الخمسة الرئيسية كلاً من أوروبا والولايات المتحدة واليابان وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. ويمكن أن يؤدي تطوير أدوات ومنتجات التمويل الأخضر إلى جذب قاعدة متنامية من مستثمري الاستثمار المسؤول اجتماعيًا تسعى إلى مواءمة القيم الاجتماعية والبيئية مع محافظها الاستثمارية.

2. الاتجاه التصاعدي للتمويل الإسلامي:
تشير البيانات الصادرة عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية إلى أن القيمة الإجمالية لصناعة الخدمات المالية الإسلامية عبر قطاعاتها الرئيسية الثلاثة (البنوك وأسواق رأس المال والتكافل) قُدِرت بنحو 2.44 تريليون دولار في عام 2019، وهو ما يشكل نموًا سنويًا في الأصول بالدولار الأمريكي نسبته 11.4 بالمائة. وذكرت وكالة تومسون رويترز الإخبارية أنه من المتوقع أن تصل القيمة الإجمالية لهذه الصناعة إلى 3.8 تريليون دولار بحلول عام 2022. وتعد قطر واحدة من المراكز العالمية للتمويل الإسلامي، حيث تُشَكِل أصول التمويل الإسلامي فيها أكثر من 20٪ من أصول النظام المالي المحلي. ومع التطور الأخير للتمويل الإسلامي الأخضر، بات لدى قطر الفرصة لتعزيز مكانتها كدولة رائدة في مجال التمويل المستدام في المنطقة عبر تعزيز التآزر بين الأسواق المتنامية للتمويل الإسلامي والأخضر.

3. الابتكار المالي من أجل تعزيز الاستدامة:
يسلط مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) الضوء على أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة سيحتاج إلى توفير ما بين 5 و7 تريليونات دولار أمريكي، مع وجود ثغرة استثمارية في البلدان النامية تبلغ حوالي 2.5 تريليون دولار أمريكي. وتشير البيانات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن صافي الاستثمار الإضافي المطلوب لتنفيذ حلول الطاقة المتجددة يصل إلى 1.4 تريليون دولار، أو حوالي 100 مليار دولار سنويًا في المتوسط بين عامي 2016 و2030. ويتطلب التخفيف من حدة هذه الثغرة في التمويل مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات الخضراء. وهذا هو السبب في تطوير العديد من الأدوات والمنتجات الخضراء عبر مختلف قطاعات الصناعة المالية. وتشتمل هذه الأدوات على المنتجات المصرفية للأفراد، بما في ذلك القروض والرهون الخضراء، ومنتجات الشركات والاستثمارات الخضراء، وتمويل المشاريع الخضراء، ورأس المال الاستثماري الأخضر والأسهم الخاصة، فضلاً عن أدوات سوق رأس المال الأخضر، مثل صناديق الاستثمار الأخضر، والسندات الخضراء، والصكوك. 

4. دمج أهداف الاستدامة في الاستراتيجيات الوطنية:
دمجت العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم أهداف الاستدامة وخرائط طريق التمويل الأخضر في استراتيجياتها الوطنية، إما من خلال نهج تنازلي، حيث يتم تنسيق أطر التمويل الأخضر والتصنيفات على المستوى المحلي (كما هو الحال مع الصين)، أو عبر الإجراءات التعاونية التي يقودها السوق. وبالإضافة إلى ذلك، وضعت العديد من البلدان حوافز في شكل إعانات وإعفاءات ضريبية للتغلب على عوائق الاستثمار في القطاع الخاص، مثل التكاليف المسبقة المرتفعة، والجداول الزمنية الطويلة للاستثمار، والمخاطر المتوقعة الأعلى. ويمكن لدولة قطر الاستفادة من هذه التجارب من خلال برامج التعاون والشراكات لتطوير نموذج فريد للتمويل الأخضر في المنطقة.

الصكوك الخضراء: سوق سريع النمو

الصكوك الخضراء هي وسيلة مبتكرة لتمويل البنية التحتية الخضراء لديها القدرة على أن تصبح فئة جديدة للأصول تستهدف كلاً من المستثمرين الإسلاميين والمستثمرين المسؤولين اجتماعيًا. 

ومنذ إصدار أول صك أخضر في ماليزيا خلال عام 2017، شهد السوق نموًا ملحوظًا، حيث استفادت 12 جهة إصدار في إندونيسيا وماليزيا والإمارات العربية المتحدة من هذه السوق، بالإضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية. وتم جمع حوالي 7.6 مليار دولار بأربع عملات (هي اليورو، والروبية الإندونيسية، والرينجت الماليزي، والدولار الأمريكي) حتى سبتمبر 2020، بفترات استحقاق تتراوح من سنتين إلى 21 عامًا. وخُصِصت المبالغ التي جُمِعت لمشاريع البناء الأخضر وكفاءة الطاقة والمواصلات الصديقة للبيئة.

تعزيز التمويل الأخضر في قطر

رغم أن سوق التمويل الأخضر لا يزال في مرحلة مبكرة من النمو في قطر، فقد شهد السوق العديد من المبادرات التي قدمتها المؤسسات المحلية، والتي قد تمهد الطريق لتطوير سوق أكثر ديناميكية. ففي شهر سبتمبر 2020، أصدر بنك قطر الوطني أول سند أخضر على الإطلاق في قطر، بشريحة قيمتها 600 مليون دولار، في إطار برنامج السندات متوسطة الأجل، بأجل استحقاق مدته خمس سنوات بموجب إطار السندات الخضراء والاجتماعية والاستدامة.
بالإضافة إلى ذلك، طرحت بورصة قطر للأوراق المالية إرشادات الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة في عام 2017 لمساعدة الشركات المدرجة في البورصة التي ترغب في دمج تقارير الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة في عملياتها الحالية لإعداد التقارير.

ورغم أن عمليات إصدار السندات والصكوك في قطر بلغت قيمتها 28 مليار دولار في عام 2019، فإن السوق يبقى مدفوعًا إلى حد كبير بالإصدارات الحكومية والبنوك التجارية في إصدارات الشركات، باستثناء صكوك إزدان التي صدرت خلال عامي 2016 و 2017. ويمكن أن يساهم تطوير الصكوك الخضراء في الدولة مع منظومة التمكين في تسهيل عملية إصدار صكوك الشركات، وبالتالي تعزيز السيولة في السوق.

وفي الختام، سيتطلب تعزيز الانتعاش الأخضر، بما يتماشى مع أهداف تنويع الموارد الاقتصادية للدولة واستراتيجيات التخفيف من حدة تغير المناخ، تطوير منظومة مواتية لتنمية التمويل الأخضر في قطر. وسيوفر تطوير مجموعة من المشاريع الخضراء القابلة للتمويل على المستوى المحلي، والوعي بالسوق، وتعزيز التآزر بين التمويل الإسلامي والتمويل الأخضر، الأساس للمزيد من الابتكارات والإجراءات السياسية، مثل العلامات الخضراء، والأطر، والحوافز.

تشغل الدكتورة دلال عسولي منصب أستاذ مساعد ومنسق برنامج ماجستير العلوم في التمويل الإسلامي بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة. 

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.