المقرصنون ليسوا جميعاً مجرمين والأخلاقيون منهم قد يجنوا مليون ...

المقرصنون ليسوا جميعاً مجرمين والأخلاقيون منهم قد يجنوا مليون دولار

24 فبراير 2020

يشرح الدكتور روبرتو دي بيترو، أستاذ الأمن السيبراني في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، الالتباس الكائن في كلمة "مقرصن"

المقرصنون ليسوا جميعاً مجرمين والأخلاقيون منهم قد يجنوا مليون دولار

باتت "القرصنة" تحمل مدلولاً سلبياً، مع اعتقاد معظم الأشخاص بأن المقرصنين هم سيئون ولديهم نيات إجرامية. لكنه من الضروري فهم حقيقة أن المقرصنين ليسوا جميعاً سيئين، حيث أن العديد منهم يؤدون بالفعل أدواراً إيجابية في حمايتنا من المقرصنين ذوي النوايا السيئة.

في سياق حديثنا، فإن "المقرصن" هو فرد يستمتع بالتحدي الفكري الذي يحتّمه استخدام الحاسوب، والتشابك، أو المهارات الأخرى التي تسمح بتخطي عائق تقني. وعلى سبيل المثال، إذا قمت بتحويل خلاطة الخضار إلى مروحة، أو استخدمت الحاسوب للتحكّم بريّ حديقتك، فمن الممكن توصيفك كمقرصن.

لكن بالنسبة لغالبية الأفراد، فإن تعبير "مقرصن" يقتصر على المدلول السلبي للمجرمين السيبرانيين الذي يتسللون إلى أنظمة الحاسوب أو أجزاء منها من أجل أغراض خبيثة.

ويُعرف هؤلاء أيضاً بالمقرصنين ذوي القبعات السوداء، ممن يستغلون الثغرات الإلكترونية في شبكات الحاسوب، لدى الشركات أو الأفراد، من أجل تحقيق مكتسبات مالية. وغالباً ما يصنع هؤلاء الأخبار، ويتسببون بالسمعة السيئة للمقرصنين، خاصة عند الدخول والحصول بشكل غير قانوني على معلومات عن المصارف (على غرار تلك الحادثة التي أصابت بنك قطر الوطني عام 2016) أو الشركات الأخرى.

وعادة ما يسرق المقرصنون ذوو القبعات السوداء المعلومات الشخصية من أجل انتحال الشخصية، أو معلومات البطاقة الائتمانية، أو الأسرار الصناعية. وهذه الأعمال غير قانونية بالطبع، لكن السوق السوداء التي تطلب هذه المعلومات موجودة فعلاً، وتجعل من هذه الأنشطة مربحة للغاية، لدرجة أن البعض بات يعتقد بأن الأشرار قد ربحوا الحرب بالفعل ضد الأخيار.

ويُعرف الأخيار في هذه الحالة بالمقرصنين ذوي القبعات البيضاء، ممن يُشاركون فيما نسميه القرصنة الأخلاقية. ويسعى هؤلاء لتحديد نقاط الضعف الكامنة في الأنظمة الحالية (سواء أكانت حواسيب أو شبكات أو مكونات إنترنت الأشياء)، وتقديم المقترحات أحياناً لإزالتها.

والتسميات المستخدمة هنا آتية من أفلام رعاة البقر القديمة في ستينات القرن الماضي، حيث كان الأشرار يعتمرون قبعات سوداء، فيما كان الأخيار يعتمرون البيضاء.

بالرغم من أن المقرصنين ذوي القبعات البيضاء يستخدمون التقنيات ذاتها التي يستخدمها الأشرار، إلا أنهم يلتزمون بقواعد محددة، على غرار الحصول على إذن مسبق لخرق شبكة ما، ويحترمون عقود العمل الممهورة بتوقيعهم، ويراعون الممارسات الأمنية السليمة، ويتّبعون سياسات مسؤولة عند تحديد أي ثغرات أو نقاط ضعف، حيث يبلغون عنها بائعي الأجهزة والبرامج أولاً بأول.

يلعب المقرصنون ذوو القبعات البيضاء دوراً رئيسياً في المجتمع والصناعة في آن معاً، حيث أنهم يُمكّنون المنظمات من معالجة الثغرات الكامنة في منتجاتهم الحالية والمستقبلية عند إعدادها للبيع. وعلى سبيل المثال، تشتمل التحديثات الأمنية لأنظمة مايكروسوفت أو أبل iOS على العديد من المساهمات التي طوّرها المقرصنون الأخلاقيون الذين اكتشفوا ثغرات أمنية ما.

وقد يجادل البعض قائلين بأن المقرصن يبقى مقرصناً، وبأنه لا يوجد شيء يُسمى قرصنة أخلاقية، لكن الحقيقة تسرد قصة مختلفة. بالإضافة لذلك، فقد ازدادت أهمية القرصنة الأخلاقية نتيجة الازدياد الكبير للتصيّد والجرائم الإلكترونية.

يدفع ضحايا الجرائم الإلكترونية أثماناً باهظة، لدرجة أن عدداً متزايداً من المنظمات باتت تدفع مبالغ كبيرة للمقرصنين القادرين على تحديد الثغرات الأمنية والإبلاغ الحصري عنها. وقد ورد تقرير مؤخراً عن تلقي ستة مقرصنين أخلاقيين، كان أحدهم فتى يافع من أمريكا الجنوبية، مليون دولار لكل منهم ثمن اكتشافهم لثغرات أمنية حيوية.

يدّعي العديد من المقرصنين الأخلاقيين أنهم يُمارسون مهامهم كهواية، وليس لمجرد الكسب المادي. لكن بات بإمكان الراغبين منهم بمتابعة مسيرة مهنية في هذا المجال الحصول على فرص عديدة للتوظيف، لأن عدداً متزايداً من الشركات تسعى لاستخدامهم. والمنافع قد تكون هائلة بالفعل، كما يُمكن لسانتياجو لوبيز، الفتى الأرجنتيني الذي يبلغ من العمر 19 عاماً وأول مقرصن أخلاقي في العالم ينال مليون دولار، أن يشهد.

تقدّم كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة شهادة ماجستير العلوم في الأمن السيبراني، وأخرى في علوم البيانات وهندستها. وصُممت الأولى للسماح لطلابنا بالتعامل الفاعل مع أساسيات الأمن، وصياغة الحلول الأمنية، وتعزيز أمان الأنظمة الحيوية المعقدة، وهذه مجرد أمثلة قليلة على الأهداف التعليمية المهمة لهذا البرنامج.

وتتمثل المنافع الجانبية لهذا البرنامج، الذي يمتد على مدار عامين، في تسهيل الطريق لبعض الطلاب حتى يكتشفوا المقرصن ذي القبعة البيضاء الكامن في أعماقهم، والسماح للآخرين بصقل قدراتهم ومهاراتهم والارتقاء بها إلى آفاق أعلى.
 
الدكتور روبرتو دي بيترو، المكلل بجائزة العالم المميز من جمعية الآلات الحاسوبية، هو أستاذ الأمن السيبراني في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، الذي يقود الجهود الرامية لإنشاء مركز بحثي وابتكاري على مستوى عالمي في مجال الأمن السيبراني. وهو خبير في الخدمات التقنية المالية وخاصة العملات الرقمية، ولديه 8 براءات اختراع/براءات اختراع مؤقتة في مجالات الأمن، على غرار تقنية سلسلة الكتل.