سعادة الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني، مدير مكتب الاتصال الحكومي في دولة قطر، ورئيس مجلس إدارة مدينة الإعلام، في منصة الجامعة.

استندت إسهامات جامعة حمد بن خليفة لمؤتمر ومعرض قطر لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (كيتكوم) 2019 على الركائز الأربع اللازمة لتطوير مدن آمنة، وذكية، ومستدامة. وتمكنت الجامعة من عرض عدد غير مسبوق من المشاريع لصانعي السياسات، والقيادات الفكرية، والمشاركين الآخرين عبر التركيز بشكلٍ خاصٍ على مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وإنترنت الأشياء، والتعليم الإلكتروني.

وكانت الأجهزة اللاسلكية القابلة للارتداء، والمُصممة لعمال البناء، والطائرات المُسَّيَرَّة لتحليل الحركة المرورية، من بين المشاريع المتطورة الخمسة عشر التي سلطت كلية العلوم والهندسة الضوء عليها. كما حازت منصة التنبؤ بالحركة المرورية المرتكزة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومنصة الرعاية الصحية عن بعد، اللتان طورهما معهد قطر لبحوث الحوسبة، على اهتمام كبير. ولكن عندما يتعلق الأمر بتطوير المدن الذكية، فإن مثل هذه التقنيات نادرًا ما تعمل بمعزل عن غيرها، وهي نقطة أثبتها مشروع جامعة حمد بن خليفة الذي يهدف إلى تعزيز الاستثمار وإتاحة سبل الوصول إلى مصادر الطاقة المتجددة المحلية.

سوق متكاملة للطاقة

رغم أن دولة قطر من أكبر المنتجين للنفط والغاز الطبيعي، إلا أن إقبال سكان البلاد على شراء السيارات الكهربائية آخذ في التزايد. وتعمل هذه السيارات باستخدام بطاريات تتطلب شحنها بانتظام. وعلى النقيض من ذلك، تنتج العديد من المنازل في قطر الطاقة عبر الألواح الشمسية، وتُخزن بعضًا من الطاقة الناتجة لاستخدامها في المستقبل. واستجابةً لذلك، تطور جامعة حمد بن خليفة تكنولوجيا تُمَكِن السيارات الكهربائية من شراء الطاقة من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك الإمدادات المحلية. ويتمتع المشروع، الذي يديره الدكتور محمد عبد الله والدكتور نور الدين الأصلع، من كلية العلوم والهندسة، بالقدرة على دمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وممارسات الأمن السيبراني. 

وتتميز فرضية التكنولوجيا التي طورتها كلية العلوم والهندسة ببساطتها، حيث تعتمد على استخدام مالك السيارة الكهربائية لتطبيق يحدد موقع المصادر البديلة للطاقة المخزنة بدلًا من الذهاب على الفور إلى موفر معروف لتلك المصادر. وسيحصل المالك على قائمة تضم مقدمي الخدمات، والأسعار، والموقع، وخيارات الحجز. وعند العثور على مقدم الخدمة المناسب، سيحجز التطبيق بعد ذلك موعدًا لشحن البطارية.

ويدخل عنصر السرية في صميم كل معاملة، وتسهل تكنولوجيا سلاسل البيانات من عمليات الدفع وتخزن المعلومات ذات الصلة. وتكتمل تلك العمليات عبر صياغة "عقد ذكي" يطبق على الطرفين. ولن يتواصل أي طرف مع الطرف الآخر بشكلٍ مباشرٍ في أي مرحلة من المراحل. وسيحصل مُلاك السيارات الكهربائية على تحليل يصدر تلقائيًا لقيمة الطاقة التي قاموا بشرائها.

وبفضل قدرات التشفير لسلاسل البيانات، سيدخل بائع الطاقة ومشتريها في معاملات محكمة تمنع تدخل المجرمين والتهديدات الأمنية السيبرانية الأخرى. ويعكس هذا أيضًا أن سلاسل البيانات تؤدي دور دفتر الحسابات الموزعة في إحدى الشبكات التي يمتلك جميع الأعضاء فيها نسخة كاملة من الدفتر. ويُصَّعِب الوصول الجماعي المشترك للدفتر أيضًا من التلاعب الداخلي والخارجي فيه، كما يسهل جدًا من اكتشاف حوادث التلاعب.

ويتعزز أمن المعاملة بعنصر "الإضافة فقط" الموجود في سلاسل البيانات، حيث يمكن إضافة البيانات فقط في سلسلة البيانات بترتيب تسلسلي، وهو ما يعني أن الانحراف عن هذه العملية يمكن اكتشافه بسهولة مجددًا. وفي الحقيقة، يمكن أن تجري التحديثات المشروعة لدفتر الحسابات فقط بموافقة الشبكة بأكملها. ويجب أن تلتزم المدخلات الجديدة كذلك بمعايير صارمة، على النحو الذي حدده بروتوكول سلاسل البيانات.     

ما وراء سلاسل البيانات

ستقدم تكنولوجيا شبيهة بإنترنت الأشياء طبقة تأمين إضافية للتطبيق الذي طورته كلية العلوم والهندسة، حيث ستسجل عدادات ذكية بدقة كمية الطاقة التي تُشترى في كل معاملة. ومع ذلك، تسلط العدادات الذكية، التي لا تُعدُ من وسائل التكنولوجيا الجديدة، الضوء على الدور المركزي الذي يؤديه إنترنت الأشياء لمبادرات المدن الذكية. وتتميز حلول إنترنت الأشياء في الأساس بأنها عبارة عن شبكة من الأجهزة التي تنقل البيانات وتخزنها. ويمكن استخدام تلك البيانات بعد ذلك في توفير المعلومات للمشاريع التي تهدف إلى جعل المدن أكثر ذكاءً. ولتحقيق هذه الغاية، يبرهن ارتباط العدادات الذكية بالأبحاث الجارية في كلية العلوم والهندسة أن قدرًا كبيرًا من إطار العمل المطلوب لتوسيع نطاق سوق الطاقة وأنماط الاستهلاك في المدن الذكية قد يكون مطبقًا بالفعل.   

وتعمل العدادات الذكية المحلية كذلك باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأساسية لجمع وتصنيف البيانات التي تدعم عمليات التشغيل الكامل للمرافق. وتُعالَج هذه الكمية الهائلة من البيانات في كثير من الأحيان، ومن ثم تُخزن في بيئة سحابية. ولكن حسبما يوضح الدكتور ريد ستانويفتش من معهد قطر لبحوث الحوسبة، ليست هذه هي السحابة الوحيدة التي يمكن أن تحقق الفائدة لمشروع كلية العلوم والهندسة.

يقول الدكتور ستانويفتش: "يمكن أن يقوم الذكاء الاصطناعي بأكثر من مجرد تسجيل وقت استخدام الطاقة. وعلى النقيض من ذلك، يمكن أن تحدد أدوات التعلم الآلي أفضل وقت في اليوم أو الموسم لجمع الطاقة المتجددة."  

ويبدو الدكتور ستانويفتش مقتنعًا بإمكانية دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في إجراء تنبؤات قصيرة الأمد بحالة الطقس وتتبع مواقع السحب. ولن يحسن هذا الأمر من تقييم عملية جمع الطاقة في أوقات محددة فحسب، ولكنه سيوفر كذلك فرصًا لتحديد كمية الطاقة التي يمكن إنتاجها في أي إطار زمني محدد. ويمكن أن يساعد ذلك في ترشيد إمدادات الطاقة المتجددة للتكيف مع أوقات الذروة فيما يتعلق بالطلب على مصادر الطاقة.

ويجب أن يحظى توقيت جمع الطاقة المتجددة كذلك باهتمام ملاك السيارات الكهربائية. ويساعد معرفة أفضل وقت للقيام بهذه العملية في تحسين الفرص المتاحة لإعادة شحن السيارات. ويمكن توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أيضًا لمساعدة السائقين على تقدير كمية الطاقة التي قد يستخدمونها على مدار فترة زمنية محددة.

استشراف المستقبل

الدكتور محمد عبدالله، أستاذ مساعد، كلية العلوم والهندسة.

يؤكد الدكتور محمد عبد الله والدكتور نور الدين الأصلع على أن بحثهما يمكن تطبيقه أيضًا لتحقيق التطلعات الأوسع لدولة قطر فيما يتعلق بالمدن الذكية.
"ويمكن أن توفر مشاركة الطاقة مصدر إلهام لتطبيق نموذج الاقتصاد التشاركي، الذي يشارك فيه المواطنون كل شيء بداية من السيارات ووصولًا إلى شبكات الواي فاي. وفي حالة الواي فاي، يمكن استغلال تقنية سلاسل البيانات مجددًا لتسهيل علمية الدخول المؤقت لشبكة الواي فاي بشكلٍ مجهولٍ. وتعتمد المعاملة على إتاحة مقدم الخدمة لاتصاله بالشبكة عندما يكون خارج المكتب أو في إجازة. وقد يساهم القيام بذلك في إحداث توازن ما خلال فترات الطلب المتزايد، لا سيَّما في المدن التي لا تزال عملية تطوير إنترنت الأشياء فيها قيد التقدم."

وبناءً على ذلك، لا يمكن إنكار أن الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الجديدة يساهمان بشكل كبير في التحول إلى تطبيق تكنولوجيا المدن النظيفة، والصحية، والذكية على الصعيد العالمي. ويعتمد مستقبل هذه المدن كذلك على مرونتها وقدرتها على ضمان امتلاك المواطنين لدور في مسيرة تطورها. وبداية من السيارات العائلية وصولًا إلى أنظمة النقل العامة المتكاملة، ربما تعتبر السيارات الكهربائية واحدة من أكبر عملاء الطاقة النظيفة. والمطلوب هو اعتماد سوق مفتوح وغير مركزي يعكس بشكلٍ أفضل احتياجات وأنماط استهلاك مستخدمي السيارات. ويشكل السماح لمجموعة أكثر تنوعًا من مقدمي الخدمات وملاك السيارات الكهربائية بالإتجار في الطاقة دون وسيطٍ مباشرٍ خطوة ذكية.