للتعليم دورٌ رئيسيٌ في القضاء على التطرف العنيف

يحتفي اليوم الدولي للتعليم، الذي يصادف يوم 24 يناير من كل عام، بدور التعليم في تعزيز السلام والتنمية. وبمناسبة هذا اليوم، سألنا عميدين من جامعة حمد بن خليفة عن أفكارهما حول كيف يمكن للتعليم أن يساعد في القضاء على التطرف والعنف.

وقد شارك الدكتور ليزلي ألكسندر بال، العميد المؤسس لكلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة؛ والدكتورة سوزان كارامانيان، عميد كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، في منتديات "التعليم للقضاء على التطرف" التي عُقدت في جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر. ويشرح كلٌ منهما الدور الذي يمكن أن يؤديه التعليم في التصدي لهذه المشكلة.

يشرح الدكتور ليزلي أدناه كيف تطور التطرف العنيف ويناقش التحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي والتأثير الذي يمكن أن تحدثه منتديات التعليم للقضاء على التطرف.

كيف تطورت طريقة تعاملنا مع التطرف العنيف على مر السنين وما رأيك في مبادرة "التعليم للقضاء على التطرف" والأهداف المرجوة منها؟

يتعين علينا النظر بعين الاعتبار إلى أن التطرف العنيف يحدث نتيجةً لتأثير مجموعة من العوامل. فعلى سبيل المثال، عندما يندلع حريقٌ في مبنى، فإن أول شيء يتعين علينا القيام به هو معالجة الحريق نفسه والأضرار التي قد يسببها. ويمكننا معالجة التطرف العنيف، إلى حدٍ كبيرٍ، من خلال هذا الأسلوب. وبمرور الوقت، ومع استمرار المشكلة واندلاعها في أماكن مختلفة، حاولنا، من خلال الندوة، إلى التوصل إلى الأسباب الجذرية لحدوث التطرف. وتقودنا تلك الجهود إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تخلق الظروف التي يتحول فيها الناس إلى تبني نهج العنف. وقد حاولنا فهم الظروف الاقتصادية التي تحرض على التطرف، واتضح لنا أن استمرار البطالة هو السبب الرئيسي. كما حاولنا أيضًا فهم الدور الذي تؤديه الثقافة والأيديولوجيا، لذلك ركزنا على الشعبوية والانحرافات في فهم مقاصد الشريعة الإسلامية. لقد حاولنا معرفة كيف يُكَوِن الناس تصوراتهم عن العالم، ونوع الأخبار التي يعتمدون عليها، وخصوصًا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وتتميز مبادرة "التعليم للقضاء على التطرف" بتبنيها لنهج واسع يهدف إلى التصدي لتلك العوامل، ومحاولة كسب القلوب والعقول والعيون والآذان.

ما التحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي اليوم والتي قد تشكل صعوبات للدور الذي يمكن أن تؤديه في وقف نمو التطرف العنيف؟

من بين التحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي أن هذه المؤسسات بعيدة كل البعد عن تناول حالات الفقر الاقتصادي والضيق الاجتماعي. ويتمثل التحدي الثاني في أن تلك المؤسسات تركز على التدريس وإجراء البحوث، وليس على حل المشكلات الاجتماعية أو على التوعية أو النشاط الاجتماعي. ومع ذلك، لا تزال مؤسسات التعليم العالي تتمتع بمستويات عالية من الثقة، على وجه التحديد لأنها بعيدة نوعًا ما عن الخطوط الأمامية. وتمنحهم مهمتهم البحثية القدرة على التفكير بشكل أعمق في التطرف العنيف ودراسة أفضل الطرق لمواجهته. وأعتقد أن هناك فرصًا هنا، لا سيَّما في التعاون مع الشركاء والمنظمات غير الحكومية، للقيام بعملٍ حكيمٍ ومثمرٍ على المدى الطويل.

ما هي آثار مبادرة "التعليم للقضاء على التطرف" من منظور السياسات العامة؟

إذا ما أردنا تفعيل مبادرة "التعليم للقضاء على التطرف"، فلا بد من إدراجها في السياسات التعليمية وسياسات المساعدة الإنمائية الرسمية وأطر التعاون العالمي. وعلى الصعيد التعليمي، هناك جهود رائعة تبذل بهدف تطوير أدوات للطلاب والمعلمين على جميع المستويات مثل وسائل التعرف على الأخبار المزيفة والتعرف عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفيما يتعلق بالمساعدة الإنمائية الرسمية، يتعين علينا التعامل مع الحقيقة التي تشير إلى أن بعض أنواع التطرف العنيف تنشأ في بلدان فقيرة ومعدومة للغاية، وبالتالي يجب أن تتضمن مساعداتنا لتلك البلدان مكونًا من مكونات مبادرة التعليم للقضاء على التطرف. وأخيرًا، يواجه التطرف العنيف المجتمع العالمي. وتعرف منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ذلك، وتعمل جاهدة لتنسيق الجهود التي تبذلها من أجل التصدي لهذه الظاهرة بشكل أفضل. وستكون مبادرة التعليم للقضاء على التطرف جزءًا مهمًا من ذلك.

وتوضح الدكتورة سوزان كارامانيان أدناه كيف يؤدي التعليم دورًا إيجابيًا يمكنه مساعدة الطلاب على التفكير النقدي والمستقل، كما تستعرض الطرق المختلفة لتعامل الجامعات مع الحق في حرية التعبير.

ما الدور الإيجابي الذي يمكن أن يؤديه التعليم في محاولة القضاء على التطرف العنيف؟

للتعليم دور مهم في الحيلولة دون حدوث التطرف العنيف منذ البداية. فمن خلال التعليم، يجتمع أفراد لديهم خلفيات اجتماعية ووجهات نظر مختلفة من جميع أنحاء العالم لفهم الأهداف المجتمعية المشتركة بشكل أفضل. ويساهم التعليم الدراسي في التركيز على احترام الآخرين والمسؤولية الشخصية، فضلاً عن تطوير مهارات التحليل وحل المشكلات في بيئة عالمية، وتمكين كل فرد من فهم وصياغة وجهة نظر ذاتية لها هدف خيِّر. وعلاوة على ذلك، فإن التعليم الذي يعد الفرد ليكون مدافعًا عن هذه القيم عندما يغادر الفصل الدراسي أمرٌ ضروريٌ، لأن الاختبار الحقيقي يحدث دائمًا عندما يتم الطعن في القيم المستنيرة للفرد.

كيف توازن الجامعات بين الحق في حرية التعبير والتزامها بتوفير بيئة تعليمية آمنة ومواتية لأفراد المجتمع؟

عادةً ما توفر الجامعات بيئة حيوية تشجع أفراد المجتمع على طرح الأسئلة والمشاركة في النقاشات المفتوحة. والعامل الأساسي لتحقيق هذه المهمة هو ضمان حق كل فرد في التعبير بحرية عن آرائه. ومع ذلك، فإن الحق في حرية التعبير يمكن أن يهدم الشعور بالأمان في الحرم الجامعي عند استخدامه للتشجيع على التطرف، بل وقد يؤدي إلى العنف حين تدفع الكلمات البعض إلى القيام بأعمال تخريبية ومؤذية.

وقد سنت بعض الجامعات قوانين تحظر الفعاليات التي يمكن أن تتسبب في ظهور بيئة يغلب عليها الخوف أو الترهيب. وقد تطلب بعض الجامعات من المتحدثين تقديم نسخ من خطاباتهم قبل انطلاق الفعاليات. وخصصت جامعات مختلفة مناطق للتعبير الحر.

وقد تبنت جامعة شيكاغو نهجًا واسع النطاق لحرية التعبير في الحرم الجامعي وفقًا لما وصفته بـ "الاستثناءات الضيقة". وتمنح هذه الاستثناءات الجامعة سلطة "تقييد التعبير الذي ينتهك القانون، أو الذي يشوه سمعة فرد معين بشكل زائف، أو يشكل تهديدًا حقيقيًا أو مضايقةً، أو ينتهك بشكل غير مبرر الخصوصية أو المصالح السرية، أو الذي يتعارض بشكل مباشر مع عمل الجامعة."

ومن بين الاستجابات الأخرى التي قد تكون أكثر فاعلية تعامل أفراد المجتمع الجامعي مع الخطاب الذي يحتمل أن يكون عنيفًا بكلمات وأفعال غير عنيفة. ومن الأمثلة على ذلك ما فعلته جامعة تكساس إي أند أم عندما عقدت في عام 2016 فعاليةً تنافسيةً لتوحيد المجتمع من خلال الموسيقى والخطب ردًا على دعوة مجموعة طلابية لمتحدث مثير للجدل من اليمين المتطرف. 

بصفتك محَاضِرة، هل هناك أي مهارات ينبغي تشجيع الطلاب على اكتسابها من أجل تحقيق الغاية الأسمى المتمثلة في مكافحة التطرف؟

يجب أن يغرس المعلمون في نفوس الطلاب القدرة على تمييز الحقيقة من الخيال والتفكير النقدي والمستقل. وفي عالم اليوم، تشكل الرسائل المتاحة بسهولة في العديد من المصادر عبر الإنترنت لغة الحوار. وهناك احتمال حقيقي لظهور أفكار هدامة ما لم يطرح القراء الأسئلة الصحيحة. ثانيًا، يحتاج المعلمون إلى تطوير مهارات الاتصال الشفهية والمكتوبة لدى طلابهم، لكي يكونوا نشطاء فاعلين. وأخيرًا، يجب أن يتمتع الطلاب بفهم قوي للتاريخ. ومن خلال هذا الفهم، يمكننا تجنب الأخطاء المستقبلية أو على الأقل وضع مشاكل اليوم في سياقها المناسب.