فيروس كورونا حَوَّل سلوكيات البعض من الاستجابة العقلانية
Hamad Bin Khalifa University

مقال رأي فيروس كورونا حَوَّل سلوكيات البعض من الاستجابة العقلانية إلى نمط السعي للبقاء على قيد الحياة

د. محمد فرحان

تسبب انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) في حدوث أزمة عالمية تهدد البشرية. وتتسارع وتيرة انتشار هذا الوباء، إذ بات يهدد الآن أكثر من 200 دولة، بعد تسببه في إصابة أكثر من مليون وأربعمائة ألف شخص بالعدوى، ووفاة ما يزيد عن 80,000 مصاب بالفيروس في جميع أنحاء العالم.

وقد فرضت معظم الدول إجراءات حظر التجول الكامل أو الجزئي لعدة أسابيع، بهدف الحد من انتشار الفيروس. وخلال هذا الوضع المخيف والغامض، شهد العالم مظاهر تدلل على فقدان عدد كبير من الناس لعقلانيتهم، وهو ما أدى إلى تدافعهم بذعر على شراء مواد مثل معقمات اليدين وورق المرحاض، بالإضافة إلى تخزين السلع الغذائية إلى حد جعل العديد من أرفف المتاجر تبدو فارغة تمامًا.     

وقد يبدو هذا التدافع بذعر على الشراء، دون مراعاة للآخرين، تصرفًا أنانيًا بالنسبة للأشخاص غير القادرين على شراء السلع الأساسية، ولكن السلوك الإنساني يعتمد على إشارات نفسية وبيئية مختلفة.  

ومن العوامل النفسية لتوضيح أسباب حدوث مثل هذه التصرفات التحول السلوكي من الاستجابة المنطقية العادية إلى استجابة السعي للبقاء على قيد الحياة. وربما يكون الغموض الكبير في وضع مستجد مثل ذلك المرتبط بانتشار فيروس كورونا قد ساهم في تحول بعض الناس إلى وضع السعي للبقاء على قيد الحياة، وهو ما يمنع الأفراد الذين لم يسبق لهم تلقي تدريبات عسكرية أو التدريب على إدارة الكوارث من اتخاذ قرارات عقلانية، ويجبرهم على التفكير بشكلٍ أكبر في أنفسهم ومن يعولونهم.

ويجلب التدافع بذعر على الشراء راحة البال لهؤلاء الأفراد بالفعل. ومن الأسباب الأخرى التي تدفع البعض إلى القيام بهذا التصرف التصور الخاطئ حول إمكانية نقص السلع، وهو تصور ينشأ إما بسبب مشاهدة تزاحم الناس على التسوق أو رؤية الأرفف الفارغة، وهو ما يمكن أن يجعلنا نعتقد أن بعض العناصر تُعدُ أكثر أهمية وتستحق الشراء.

من الناحية البيولوجية، ترتبط المشاعر السلبية مثل التوتر، والقلق، والخوف، باستجابة السعي للبقاء على قيد الحياة، حيث ترسل هذه المشاعر إشارة تفيد بوجود خطر إلى المخ، الذي يفضل بدوره هذه السلوكيات التي قد تقلل من تلك المخاطر.

ومن الناحية العصبية، تتكون المشاعر في اللوزة العصبية، وهي مجموعة من الأعصاب موجودة بعمق في الفص الصدغي الإنسي للدماغ، وتُعالج بشكلٍ إضافي في مراكز الدماغ العليا مثل القشرة الأمامية، التي تعزز التفكير العقلاني قبل اتخاذ القرار. 

ولكن في حالة الذعر، يتم تجاوز هذا المسار الواصل إلى القشرة الأمامية، ويجبر المسار المتوسط للوزة العصبية الناس على اتخاذ قرار سريع، دون التفكير بشكلٍ عقلاني. وبأسلوب أبسط، يُعدُ التدافع بذعر على الشراء حالة من حالات القرارات التي تحركها المشاعر، وتكون عرضة للإشارات الاجتماعية. 

ويستمر إقبال الناس على الشراء بذعر في العديد من الدول رغم التطمينات التي تقدمها حكوماتهم بأن إمدادات السلع الأساسية لن تتوقف. وقد لوحظت سلوكيات التكالب على تخزين السلع بشكلٍ أكبر في دول لم تحقق الاكتفاء الذاتي في تلبية متطلبات سكانها من منتجات البقالة والسلع الأساسية. 

ويُمكن أن تكون هذه السلوكيات مرتبطة بثقة الناس في إمكانية توافر الإمدادات في الوقت المناسب. وفي دول مثل قطر، لم يُلاحظ تدافع الناس بذعر على الشراء أو تخزين السلع الأساسية على الرغم من استمرار قرار الإغلاق الجزئي. 

وهناك سبب آخر ربما يكون قد ساهم في ظهور سلوكيات إنسانية غير مسؤولة وأنانية، وهو التغطية الإعلامية، والمناقشات الجماعية على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر مزاعم غير صحيحة، وربما تكون الإجراءات المفاجئة التي اتخذتها بعض الحكومات مسؤولة عن ظهور مشاعر الذعر في بلدان معينة. وعندما يشاهد المزيد من الناس، أو يقرأون، أو يلاحظون ذلك، ترتفع فرص تزايد القلق والخوف لديهم.

وعلى الرغم من التحذيرات الصارمة المتعددة التي قدمها خبراء الصحة ضد الاختلاط بالآخرين، فقد تحدى بعض الأشخاص، لا سيَّما الشباب في بعض الدول، النصائح المتعلقة بالتباعد الاجتماعي، وأظهروا سلوكيات غير مسؤولة عبر الاستمرار في الاختلاط بالآخرين، والذهاب إلى الحدائق العامة، أو ربما إلى صالات التمارين الرياضية أو الشواطئ.

ويمكن أن تكون التقارير الإعلامية الأولية، التي أشارت إلى أن الشباب غير معرضين لخطر الإصابة بفيروس كورونا، من الأسباب التي دفعت عددًا كبيرًا منهم إلى الحفاظ على نمط حياتهم العادي، دون أن يدركوا أنهم يعرضون حياة من يحبون مثل والدّيهم أو أجدادهم للخطر. وقد يكون "تحيز التفاؤل" لدى البعض الذي يجعلهم يستبعدون إمكانية إصابتهم بالفيروس، وعدم الاهتمام بالمطالب التي تدعو الشباب إلى تغيير عاداتهم، وحتى الرؤية التي تقول إن "خوض المخاطرة أمر جيد"، من العوامل المحتملة كذلك لتوضيح أسباب حدوث تلك السلوكيات. 

وتُعدُ الفترة الحالية من الفترات غير المسبوقة لنا جميعًا، وأنصح الجميع بألا يسمحوا لحالة الذعر أو القلق أن تستحوذ على تفكيرهم وعمليات اتخاذ قراراتهم العقلانية في أوضاع مثل الوضع الراهن. وفي حال عدم تعاون شبابنا معنا، فسوف نضطر لدفع ثمن باهظ جدًا.  

وسوف تمر هذه الأزمة، وستبقى البشرية، ولكن تصرفاتنا وقراراتنا ستترك بصمتها على اقتصادنا، وسياساتنا، وثقافتنا.

* يشغل الدكتور محمد فرحان منصب أستاذ مساعد بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة. 
 

Hamad Bin Khalifa University

أخبار متعلقة

من كوفيد-19 إلى طوكيو 2021: كيف سيعود الرياضيون إلى مضامير المنافسات؟

ما هو تأثير تأجيل عقد دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بطوكيو إلى يوليو 2021 على جداول تدريب الرياضيين؟ ومع تخفيف الإغلاق تدريجيًا، كيف ستتطور تدريباتهم وتكيفهم واستعداداتهم على المدى الطويل للمشاركة في أكبر حدث رياضي في العالم؟

أين نحن من لقاح فايزر؟

شاركت شركة التكنولوجيا الحيوية "بيونتيك"، المملوكة لزوجين ألمانيَين من أصلٍ تركي هما الدكتور أوغور شاهين وأوزليم توريتشي، بعض الأخبار الواعدة مع شركة فايزر في أعقاب السباق الأكثر احتدامًا في العالم على التوصل للقاح للتحصين ضد فيروس كوفيد-19.