هل تُوفر أدوية مكافحة الملاريا حلًا في معركتنا ضد فيروس كورونا؟

هل تُوفر أدوية مكافحة الملاريا حلًا في معركتنا ضد فيروس كورونا؟

15 أبريل 2020

بقلم الدكتور فؤاد الشعبان، عالم أول في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة، وخبير في وبائيات الأمراض المعدية

هل تُوفر أدوية مكافحة الملاريا حلًا في معركتنا ضد فيروس كورونا؟

بينما تواصل دول العالم تطبيق سياسة الحجر الصحي الذاتي، وخوض معارك صحية واقتصادية ضد فيروس كورونا (كوفيد-19)، يتضح أن السباق المحتدم لإيجاد دواء فعال ضد الفيروس يمكن أن يكون ماراثونًا وليس سباقًا قصيرًا. 

لقد تجاوز عدد وفيات فيروس كوفيد-19 فعليًا 125,000 شخص، ولذلك هناك ضغوط يمكن تفهمها لإيجاد لقاح فعال لمكافحة انتشار الفيروس في أسرع وقت ممكن، ولكن نظرًا لوجود الكثير من المخاطر، هل يمكن لعلماء العالم تحمل تبعات سلك طرق مختصرة؟

وقبل اعتماد اللقاحات تمامًا، فإنها عادةً ما تمر بثلاث مراحل من الاختبارات السريرية، ولهذا السبب يشير البعض إلى أن الأمر قد يستغرق عامًا على الأقل حتى يكون لدينا لقاح مقبول ثبتت فعاليته في مكافحة فيروس كوفيد-19.

ويستلزم الأمر اتباع سبل الوقاية قبل تناول اللقاحات وبعدها، وتُعدُ اللقاحات المستخدمة حاليًا لمعالجة مرض الملاريا، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والإنفلونزا، والتهاب الرئة، من بين مئات اللقاحات التي تخضع حاليًا للاختبار. 

ومن بين الأدوية المقاومة للملاريا التي يُنظر حاليًا في استخدامها لعلاج فيروس كورونا دواء الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين، حيث أنهما يستخدمان بالفعل في علاج بعض الالتهابات الفيروسية مثل مرض الالتهاب الوبائي الحاد (السارس) والتهاب الكبد الوبائي، على سبيل المثال لا الحصر. 

وقد نتج فيروس كوفيد-19 عن فيروس سارس- CoV-2، وهو شكل متحور من فيروس سارس التاجي الأصلي الذي انتشر في عام 2003، وبما أن هذه الأدوية أثبتت فعاليتها في علاج فيروس سارس السابق، فإنها تُجرَّب الآن في علاج الإصابة بالفيروس الجديد المتحور.

ويُستخدم الكلوروكين لعلاج مرض الملاريا والوقاية منه منذ عام 1934، وهو مُدرج في القائمة النموذجية للأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، التي تحتوي على الأدوية الأكثر فعاليةً وأمانًا لتلبية الاحتياجات الأكثر أهمية في النظام الصحي. ويُصنَّع الكلوروكين من مادة الكينين التي تُستخرج من لحاء شجرة الكينيا.

ويتميز دواء الهيدروكسي كلوروكين بأنه مشتق من الكلوروكين، وقد طُوِّر لمكافحة أنواع من الملاريا مقاومة لدواء الكلوروكين، وبالتالي فإنه يفوق دواء الكلوروكين من حيث القوة. ويُباع هذا الدواء تحت اسم العلامة التجارية "بلاكنيل" من بين علامات تجارية أخرى، وقد اعتُمد للاستخدام الطبي في الولايات المتحدة خلال عام 1955، كما أنه مُدرج في قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية.

وتتميز حبوب الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين بأنها فعالة للغاية في مكافحة مرض الملاريا. وتدخل المواد الفعالة الموجودة في هذه الحبوب إلى خلايا الدم الحمراء، حيث يعيش طفيل الملاريا في العادة ويتكاثر أثناء العدوى، لتقتل هذا الطفيل وتمنع تكاثره.

ولهذه الأدوية تأثير فعال في مكافحة الفيروسات، حيث أنها تمنع تخليق الحمض النووي وقد استُخدمت في علاج التهابات فيروسية معينة مثل السارس، والتهاب الكبد الوبائي، وغيرها من الالتهابات، وهو ما دعا بعض الأطباء والمراكز للتفكير في استخدام هذه الأدوية في علاج المرضى المصابين بفيروس كوفيد-19.

وقد أشارت التجارب السريرية التي أُجريت في الصين، حيث اكتُشف فيروس كوفيد-19 للمرة الأولى في نهاية عام 2019، إلى أن دواء الكلوروكين يقلل من فترة حياة الفيروس، ويحسن وظيفة الرئتين، ويمنع تفاقم الالتهاب الرئوي، ويعزز إمكانية التخلص من الفيروس.

ورغم أن الفحوصات لا تزال جارية، فقد كشفت التجارب السريرية عن تحقيق الدوائين لنتائج جيدة في التخلص من الفيروس لدى المرضى المصابين، وخصوصًا عند استخدامها بالاشتراك مع عقار أزيثروميسين (زيثروماكس).

قد أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بالفعل ترخيصًا باستخدام هذه الأدوية في حالات الطوارئ، وهو ما سيسمح للمرضى الذين يعانون من فيروس كوفيد-19 بتلقي العلاج باستخدام فوسفات الكلوروكين وسولفات الهيدروكسي كلوروكين.

وتستخدم مؤسسة حمد الطبية هذه الأدوية كذلك ضمن بروتوكول علاجي بالاشتراك مع عقار زيثروماكس. وقد استخدمت هذه الأدوية لفترة طويلة جدًا في علاج مرض الملاريا والوقاية منه، ولديها سجل جيد فيما يتعلق بالسلامة.

وهناك بعض الآثار الجانبية لهذه الأدوية مثل أي أدوية أخرى، وأهمها الآثار التي قد تلحق بشبكية العين والقلب، وهو ما قد يؤدي إلى عدم انتظام معدل نبضات القلب وإيقاعه في حالات معينة.

ومع ذلك، يجب الامتناع عن تناول هذين الدوائين إلا بوصفة طبية. ويجب على الناس الامتناع عن تناول الدواء بوصفة ذاتية، لأن هذا الأمر قد يشكل خطورة بالغة. وأنا أنصح بالامتناع عن تناول هذه الأدوية دون الحصول على موافقة من الطبيب المعالج، لكنني أوصي باستخدامه الأطقم الطبية المخالطة للمرضى المصابين بفيروس كوفيد-19 لها لتقليل خطر تعرضهم للإصابة بالفيروس.

وتعمل الشركات في جميع أنحاء العالم، ليلًا ونهارًا، لإنتاج كمية كبيرة جدًا من هذه الأدوية، التي تتوفر الآن بالملايين، والخبر السار هو أن هذه الأدوية من بين أرخص الأدوية المتاحة في الصيدليات، حيث تتراوح تكلفة العبوة التي تحتوي على 30 قرصًا ما بين دولارين إلى ثلاثة دولارات فقط. 

وحسبما ذكرت في ورقتي البحثية التي نشرت مؤخرًا بعنوان "توصية باستخدام الكلوروكين، أو الهيدروكسي كلوروكين، أو البريماكين، أو التانفينوكين للوقاية من فيروس كورونا المستجد 2019"، حيث يمكن أن تساهم هذه الأدوية في منع انتشار هذا المرض عند تناوله من قبل الملامسين بعد ثبوت فعاليتها الكبيرة في الوقاية من مرض الملاريا.

* يشغل الدكتور فؤاد الشعبان منصب عالم أول في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة، حيث يترأس فريق بحوث وبائيات التوحد في مركز بحوث الاضطرابات العصبية. 

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.