يلتزم معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، بدعم دولة قطر في جهودها الرامية لمكافحة تغيّر المناخ، وتعزيز الاستدامة داخل البلاد وخارجها، من خلال أحدث الأبحاث والابتكارات في مجالات تشمل جودة الهواء، والطاقة، والمياه. ويهدف المعهد إلى إحداث تأثير إيجابي دائم في دولة قطر، بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030، والاستراتيجية الوطنية للبحوث.
ويسعى برنامج تغيّر المناخ في مركز البيئة والاستدامة التابع للمعهد إلى فهم التغيرات الإقليمية في درجات الحرارة، وأسباب ارتفاع مستوى سطح البحر، وكثافة العواصف الترابية، والتقلبات في معدل هطول الأمطار المرتبطة بتغيّر المناخ. وتحظى قضايا صحة واستدامة النظم البيئية في منطقة الخليج العربي، وآثار الارتفاع المفرط في درجات الحرارة والرطوبة على صحة الإنسان، وتأثيرات تلوث الهواء وجودة المياه، وإمكانية الإصابة بالأمراض المنقولة عبر عوامل وسيطة، بأهمية كبيرة حيث تأتي على رأس الأجندة البحثية للبرنامج.
وقال محمد أيوب، مدير أبحاث أول في مركز البيئة والاستدامة بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة: "نحن في قطر لسنا بمنأى عن الآثار السلبية لتغيّر المناخ. ويمكن أن يُترجَم ارتفاع درجات الحرارة العالمية بواقع 1.5-2.0 درجة مئوية إلى حدوث زيادة بواقع 3-6 درجات مئوية في درجات الحرارة بالمنطقة، وفقًا للتوجهات الأخيرة. وستكون لهذه الارتفاعات آثار بيئية، واجتماعية، واقتصادية طويلة المدى، فضلًا عن آثارها المحتملة على صحة الإنسان. ونحن بحاجة إلى فهم التغيرات المقبلة، وبناء استراتيجيات للتكيف معها، والتخفيف من آثارها، لضمان استمرار الرخاء في المنطقة".
ويجب أن تشتمل استراتيجية التخفيف من آثار تغير المناخ على نشر مصادر الطاقة المستدامة، ومن بينها الطاقة الشمسية، حيث يُعدُ معدل توافر الاشعاع الشمسي في قطر من بين أعلى المعدلات في العالم. ومع ذلك ، تعتمد جودة الطاقة الشمسية على عوامل بيئية مختلفة، ومن بينها الحرارة، والغبار، والرمال، والرطوبة، والرياح، والملوحة. ويدرس مركز الطاقة في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة هذه العوامل لتحسين عملية نشر الطاقة الشمسية ودمجها في الشبكة الوطنية للطاقة. ويساهم مركز الطاقة بالفعل في دمج مصادر الطاقة المتجددة في المنظومة الوطنية للطاقة وتطوير سوق الطاقة المتجددة في قطر. كما يهدف إلى دعم تحول منظومة الطاقة في قطر نحو تحقيق الكفاءة المثلى وخفض الانبعاثات الضارة. ويشتمل عمل المركز على توفير التوجيه اللازم، وتطوير فهم أفضل لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة في قطر، وطرح حلول ذكية لشبكة الطاقة. ويدمج هذا العمل ما بين حلول تخزين الطاقة، بالإضافة إلى إجراء أبحاث حول كيفية دمج المركبات الكهربائية بكفاءة في الشبكة الوطنية للنقل والمواصلات.
ومن الإسهامات الرئيسية الأخرى التي يقدمها مركز الطاقة، تطوير ونشر نماذج تجريبية أولية يمكنها المساهمة في تعزز استدامة الطاقة في قطر. ومن أبرز الأمثلة على ذلك منصة فحص الشبكة الكهربائية المصغرة، البالغة قدرتها 100 كيلو واط في وقت الذروة، والموجودة في مرفق الفحص الخارجي بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، ومنصة فحص الشبكة الدقيقة، البالغة قدرتها 20 كيلو واط في وقت الذروة، والموجودة في مختبر الشبكة الذكية التابع للمعهد. وقد تعاون معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة كذلك مع المؤسسة العامة للكهرباء والماء (كهرماء) في محطة الخرسعة للطاقة الكهروضوئية، وهي محطة للطاقة الشمسية بطاقة إنتاج 800 ميجا واط، تمثل الخطوة الأولى على طريق تحقيق أحد الأهداف الوطنية لدولة قطر على المدى البعيد عبر إنتاج 20 بالمائة من الكهرباء من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030.
ويبني مركز المواد والعمليات الحسابية في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة نماذج محاكاة لفهم تأثير هذه العوامل البيئية على استخدامات الطاقة الشمسية على مدار فترات طويلة. ويهدف المركز كذلك إلى تطوير الفهم الحركي والديناميكي الحراري الضروري لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون والتشبع بالمواد المعدنية في محاليل مختلفة. ويمكن أن يتيح ذلك تكنولوجيا جديدة لتحويل ثاني أكسيد الكربون في المنتجات ذات القيمة المضافة، والحد من انبعاثه في الغلاف الجوي، وتخفيف تأثيره على تغير المناخ.
ويُجري علماء من مركز المياه التابع للمعهد أبحاثًا حول اقتران مصادر الطاقة المتجددة بالتقنيات الراسخة والحديثة لتحلية المياه، بهدف تقليل البصمة الكربونية خلال عملية إنتاج مياه الشرب. ويحدث أثر تغير المناخ على درجة الحرارة والملوحة في منطقة الخليج العربي، وعلى مصادر مياه الشرب في قطر، تأثيرًا كبيرًا على كفاءة أنظمة تحلية المياه، بينما يمكن أن يكون للمحلول الملحي الناتج عن عملية التحلية تأثير كبير على الصحة في منطقة الخليج. ولهذا السبب، يعمل المركز أيضًا على تطوير تقنيات جديدة لمعالجة المياه مع زيادة كفاءة الطاقة، والحد من استخدام المواد الكيميائية، وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويُجري المركز أبحاثًا حول إعادة تدوير المياه تقلل من البصمة الكربونية لدورة استخدام المياه، وتوفير البيانات اللازمة لضمان ثقة الجمهور في إعادة استخدام المياه المعالجة.
وتشتمل التقنيات المستجدة التي لا تزال قيد التطوير على تقنية تستند على استخدام الأغشية والمواد المستجدة، بالإضافة إلى تقنيات حرارية متقدمة وهجينة لمعالجة المياه يمكنها استخدام الحرارة التي يمكن فقدانها بخلاف ذلك. ويعزز ذلك بالفعل من جهود الاستدامة والأمن الغذائي بدولة قطر في مواجهة تغير المناخ.
ويمثل الصدأ السبب الرئيسي لمعظم عمليات التسرب والانسكاب في محطات إنتاج النفط والغاز التي تساهم بشكل كبير في تلوث الهواء والاحتباس الحراري. ويدعم مركز دراسة التآكل في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة شركات النفط والغاز في التصدي لمشاكل التآكل، لمنع التسرب من المحطات، والحيلولة دون تضرر االمعدات الهندسية. ويُجري الفريق تحليلات لتحديد السبب الرئيسي لتضرر االمعدات، ويقدم توصيات بشأن اختيار المواد ونوافذ التشغيل الآمنة. وبالتعاون مع المختبرات الأساسية في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، وعدد من المراكز البحثية العالمية يقدم المركز خدمات تقنية ويشارك مركز دراسة التآكل أيضًا في العديد من المشاريع البحثية التي تقدم حلولًا لبعض مشكلات التآكل الرئيسية في قطر، مثل التآكل االناتج عن الظروف المناخية، وتشقق الصدأ الناتج عن الإجهاد، والتآكل تحت العزل، والتآكل الحمضي، والتآكل المتأثر بعوامل ميكروبيولوجية، واستدامة الطلاء المقاوم للصدأ.
وقال الدكتور مارك فيرميرش، المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة: "يشكل تغيّر المناخ خطرًا حقيقيًا قائمًا بالفعل، أو وشيكًا على أقل تقدير، وعلينا أن نتكاتف لمواجهة الأزمات البيئية والاجتماعية الاقتصادية التي تلحق بكوكبنا. وفي هذا الإطار، يمثل التعاون مع الأطراف المعنية الوطنية والدولية مفتاح الحل لهذه الأزمات. ومن الضروري التوصل إلى فهم متبادل قوي للاحتياجات، والاستفادة من قدراتنا المشتركة بكفاءة، وتطوير وتقديم حلول مبتكرة ومؤثرة تُنَفذ على فترات زمنية مختلفة. ونحن نعمل بشكل وثيق مع شركائنا، سواء على المستوى الحكومي أو المهني، ونهدف إلى الاستفادة من خبرات العلماء والباحثين والمهندسين، فضلًا عن مرافقنا وقدراتنا البحثية، لتحقيق هدفنا المشترك المتمثل في دعم الجهود التي تبذلها دولة قطر للتعامل مع قضية تغير المناخ."
ويهدف المعهد، من خلال مراكزه وبرامجه المختلفة، إلى مساعدة دولة قطر في التصدي للتحديات الكبرى التي تواجهها في مجال الطاقة، والمياه، والبيئة، عبر إجراء أبحاث رائدة، وتوفير بيانات قوية قد تؤثر على عملية صنع السياسات من أجل تحقيق الاستدامة في المستقبل.