إتاحة موارد المعرفة والنهوض بالأبحاث العلمية | جامعة حمد بن خليفة

إتاحة موارد المعرفة والنهوض بالأبحاث العلمية

30 ديسمبر 2020

بقلم: الدكتورة جولي ديكوك، العالم بمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي

إتاحة موارد المعرفة والنهوض بالأبحاث العلمية

تُعد البحوث الطبية الحيوية مجالاً سريع التطور، يشهد بزوغ رؤى جديدة وتقدّمًا يسير بوتيرة متسارعة. لقد كشفت جائحة كورونا (كوفيد-19) بوضوح الكم الهائل من المعرفة والبيانات والمؤلفات العلمية التي تصاغ وتنشر كل يوم. فمنذ ظهور الوباء في ديسمبر 2019، شهدت هذه السنة زيادة كبيرة في الدراسات البحثية والأوراق الأكاديمية، حيث نُشرت أكثر من 23,000 مقالة علمية فريدة من الأول من يناير إلى 30 يونيو 2020، وتشير التقديرات إلى أن عدد المقالات يتضاعف كل 20 يومًا.

ومن الأهمية بمكان، في مثل هذه الظروف الحرجة وغير المسبوقة، الحصول على المعلومات الصحيحة وذات الصلة من المجتمع العلمي ووصولها إلى الجمهور الأوسع في الوقت المناسب. هذه الفلسفة هي جزء لا يتجزأ من حركة العلم ومواده المتاح الوصول إليها، والتي تسعى جاهدة لجعل البحث العلمي ومواده المنشورة في متناول الجميع.

إزالة الحواجز

على الرغم من تعهد العديد من جهات النشر الرئيسية بإتاحة المقالات المتعلقة بكوفيد-19 مجانًا، تبيّن في أبريل 2020 أن ما يقدر بنحو 20٪ من هذه المقالات يكمن خلف جدران حظر الاشتراك غير المدفوع، ومن المرجح أن يكون هذا العدد قد ارتفع منذ ذلك الحين. وفي محاولة لإزالة هذه الحواجز، وإتاحة نتائج الأبحاث بسهولة للجميع، بدأ العديد من الباحثين في نشر موادهم العلمية على خوادم ما قبل الطباعة، مما يتيح التبادل السريع للنتائج دون الحاجة إلى المرور بعملية مراجعة النظراء. بهذه الطريقة، "يمكن نشر النتائج بسرعة، مما يحتمل أن يكون مفيدًا لصنع السياسات، ويُسرع عملية البحث التي قد تؤدي إلى تطوير اللقاحات والعلاجات"، كما أوضحت ديانا كوون في المجلة العلمية المرموقة "نيتشر".

واستجابة للزيادة في عدد المقالات التي تُنشر على خوادم ما قبل الطباعة، طبقت المنصتان الرئيسيتان (BioRxiv) و(MedRxiv) إجراءات الفحص الخاصة بهما بدرجة أكثر صرامة لحماية جودة المواد المنشورة.

موارد المعرفة المتاحة وفوائدها العديدة

المعرفة المفتوحة والمتاحة للجميع هي حركة تتبنى الشفافية في العلوم التي تعزز إتاحة المعرفة، من خلال الوصول المتاح إلى المقالات والبيانات البحثية، والإجراءات المختبرية، وكود البرامج، وأدوات البحث. ويأتي تعزيز الجودة والنزاهة والكفاءة والتأثير العالمي والابتكار وتبادل المعرفة والمشاركة العامة من بين الفوائد العديدة لهذه المعرفة المتاحة للمتخصصين والمواطنين على حد سواء.

أولاً: تساعد موارد المعرفة المفتوحة الباحثين على معالجة "أزمة إعادة الانتاج"، حيث تسهل تكرار المخرجات باستخدام أساليب موثقة جيدًا وبيانات علمية، وتثبط جميع أشكال سوء السلوك. كما أن هناك اعتقاد بأن الأزمة تؤثر على مختلف التخصصات، فعلى سبيل المثال، لا يمكن إعادة إنتاج ما يصل إلى 40٪ من نتائج أبحاث السرطان بشكل موثوق. ثانيًا: يؤدي تحسين الوصول إلى نتائج الأبحاث أيضًا إلى تعزيز الكفاءة في العلوم عن طريق الحد من ازدواجية الجهود، وتعظيم فرص البحث باستخدام نفس الموارد. ثالثًا: تعزز المعرفة المتاحة التعاون البحثي عبر المناطق الجغرافية المختلفة وفي مختلف المهن، وتشرك الباحثين والمؤسسات وصناع السياسات والمستثمرين، فضلاً عن عامة الناس. رابعًا: يقود الوصول المتاح جهود الابتكار وتبادل المعرفة، حيث يمكن إعادة استخدام البيانات المتاحة وإعادة تصميمها لتطوير منتجات وتقنيات وخدمات جديدة. خامسًا: تعمل هذه الموارد المفتوحة على زيادة الوعي والمشاركة بين الجمهور، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تعزيز التقدم العلمي من خلال زيادة الثقة والمشاركة في الدراسات العلمية.

أخيرًا، توفر إتاحة المعرفة الفرصة لإلهام الشباب وتشجيعهم على التفكير "خارج الصندوق"، والاستفادة من طبيعتهم الشغوفة، للتوصل إلى أفكار وتصورات جديدة. على سبيل المثال، كرّمت مجلة "تايم" جيتانجالي راو، البالغة من العمر 15 عامًا، بحصولها على أول جائزة بعنوان "طفل العام" في 2020 نظرًا لتقنياتها، التي تمكن من اكتشاف مياه الشرب الملوثة وإدمان الأفيون، والتنمر الإلكتروني. ربما لم يكن لهذه المبتكرة الصغيرة القدرة على تحقيق هذا الإنجاز المدهش، بدون الوصول إلى بيانات وأدوات البحث الحالية.

تعزيز إتاحة المعرفة في قطر

عمدت قطر إلى الاستثمار بشكل كبير في التعليم والبحوث العلمية على مدار العقد الماضي، وركزت جهودها لدعم بناء القدرات من خلال تدريب الأفراد ذوي المهارات العالية والاحتفاظ بهم، وتحفيز البحوث التحويلية، وغرس ثقافة الابتكار. من جانبها، تقدّم مكتبة قطر الوطنية خدمات متنوعة لدعم المعرفة المتاحة في جميع أنحاء البلاد. أما اتفاقيات الوصول المفتوح مع دور النشر الرئيسية، وصندوق النشر المفتوح، فهي مجرد جزء من مبادراتها لدعم الوصول غير المقيد عالميًا إلى الأبحاث الصادرة عن المعاهد البحثية في قطر.

في أغسطس 2020، أعلنت مكتبة قطر الوطنية عن إطلاق جائزتها للمبادرة المفتوحة للنهوض بالمعرفة المتاحة في قطر. وقد تشرفت كثيرًا بأن أكون أول من حصل على الجائزة من الأفراد، عبر تعزيز المعرفة المتاحة من خلال الإشراف على الطلاب والبحث المفتوح في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، وهو معهد أبحاث رائد يعمل تحت مظلة جامعة حمد بن خليفة. يُعد برنامج البحوث الصيفي السنوي في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي لطلبة المرحلة الجامعية مبادرة مهمة بالنسبة لنا كعلماء وكأعضاء هيئة تدريس، لتوجيه وتقديم الخبرات العملية في المختبرات، ومساعدتهم على استكشاف الجوانب المختلفة للمعارف المفتوحة من خلال ورشة عمل متخصصة، حيث يعتبر تدريب وتطوير قدرات الجيل القادم من العلماء والباحثين من ذوي المهارات العالية التزامًا مؤسسيًا لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي.

كجزء من أنشطتي البحثية اليومية، أعمد بهمة على تشجيع الوصول المفتوح إلى البيانات والمقالات البحثية، وأسعى إلى تعزيز هذه الفلسفة لدى أعضاء فريقي البحثي. وتتضمن جهودنا التي اضطلعنا بها في الأونة الأخيرة الوصول المفتوح إلى المقالات البحثية، والتي تلقينا بشأنها دعمًا من مكتبة قطر الوطنية، بالإضافة إلى الوصول المفتوح إلى بيانات البحث وكود البرامج. كدليل على جهود قطر لدعم المعرفة المتاحة، دعمت مكتبة قطر الوطنية النشر المفتوح لما يقرب من 500 مقالة في عام 2019، وقدمت الدعم لـ 352 مؤلفًا من 18 مؤسسة مختلفة في قطر. ومن بين الدروس المستفادة خلال جائحة كوفيد-19، تأتي الحاجة إلى مواصلة هذه الجهود، وجعل ممارسة التعاون البحثي والعلمي وتبادل النتائج والمعرفة ملموسًا وفي متناول الجميع.