إدارة سلاسل التوريد الطبية العالمية في عالم فيروس كوفيد-19
Hamad Bin Khalifa University

التميز إدارة سلاسل التوريد الطبية العالمية في عالم فيروس كوفيد-19

الدكتور فرانك هيمبل*

يُشكل انتشار فيروسSARS-CoV-2  تحديًا كبيرًا للمجتمعات في جميع أنحاء الأرض، حيث بدأ العالم يدرك تدريجيًا حجم وترابط آثاره الطبية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية. وقد أوجدت هذه الجائحة سيناريوهاتٍ معقدةً وديناميكيةً للغاية، حيث اضطرت الحكومات إلى اتخاذ إجراءات صارمة لإبطاء انتشاره وتجنب الحمل الزائد على أنظمة الرعاية الصحية. وعند تحليل تأثير عمليات الإغلاق في جميع أنحاء العالم من منظور لوجستي، سوف تُكتشف ثلاث مراحل: الموجة الأولى الحالية، وموجة ثانية محتملة، وجائحة طويلة الأمد تشهد انتشار فيروسSARS-CoV-2  إلى جانب فيروسات بيتا التاجية الأخرى.

ويتحمل قطاع الخدمات اللوجستية مسؤولية خاصة في جميع هذه المراحل. فمن ناحية، يعزز السفر الجوي العالمي انتشار الفيروسات عن طريق حركة الركاب في جميع أنحاء العالم. ومن غير المرجح أن تعود هذه الحركة، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها الآن، إلى الأرقام المسجلة خلال فترة ما قبل انتشار فيروس كوفيد-19 في أي وقت قريب. لذلك، تبرز أهمية البحوث المتعلقة بكيفية منع انتشار الأمراض واحتوائها عبر المراكز الدولية، مع موازنة توقعات الركاب. ومن ناحية أخرى، يبرز الشحن الجوي باعتباره شريان الحياة لمعظم الدول. وبدون وجود القدرات اللازمة، لا يمكن توفير الإمدادات والمعدات الطبية المهمة، خلال الموجة الأولى وأي موجة لاحقة، طالما لم يتوافر لقاح، وهو ما يجعل الاستراتيجيات اللوجستية العالمية المتطورة ذات أهمية قصوى.

وفي الموجة الأولى الحالية، تسعى جميع دول العالم للحصول على المعدات الطبية المهمة. وعادةً ما تُستخدم الأدوية الجزيئية الصغيرة مثل "بروبوفول" و"ميدازولام"، والكلوروكين، بالإضافة إلى أدوية "رمدسيفير" و"فافيبيرافير" لعلاج فيروس كوفيد-19، بينما لا تزال بعض الأدوية الأخرى في مراحل التجارب السريرية. واليوم، يبدو العلاج تجريبيًا إلى حد كبير، حيث لا يزال العلماء بحاجة إلى فهم ديناميكيات انتشار الفيروس بشكلٍ كاملٍ. وهناك حاجة إلى توافر أجهزة تهوية كاملة الميزات لعلاج المضاعفات والمظاهر الشديدة لفيروس كوفيد-19، ولكنها لم تتوافر بعد بالكمية والنوعية الكافية. وقد حددت الحكومات أقنعة الوجه القياسية، التي تتراوح من أقنعة  N95 إلى FFP2 و FFP3 عالية الترشيح. وقد ظهر سباق بين الدول لتأمين إمدادات هذه المنتجات، بما في ذلك من الشركات المصنعة الأجنبية التي أظهرت قدرات محدودة في تأمينها. وعلاوةً على ذلك، لا تتبع جميع المصانع نفس ممارسات التصنيع الجيدة الموحدة.

وعندما يتجاوز الطلب العالمي على المعدات الطبية المهمة العرض المتاح، تواجه الحكومات ثلاثة خيارات: الخيار الأول هو زيادة واردات هذه المعدات المصنعة من الخارج، مع حظر صادرات المنتجات المحلية. والخيار الثاني هو تحفيز التصنيع المحلي لهذه المعدات. ويستلزم الخيار الثالث تشجيع الابتكار والتصميمات الجديدة.

ويهدف ابتكار المعدات إلى وضع تصور لمنتجات جديدة تتطلب توافر مواد وقطع غيار بديلة، حتى لا تتداخل مع سلاسل التوريد والمنتجات المعمول بها. وبهذه الطريقة، يمكن تشغيل شبكات سلسلة التوريد الجديدة. فعلى سبيل المثال، توصل مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إلى جهاز تهوية يعتمد على عدد أقل من قطع الغيار والآليات. ونظرًا لأن أجهزة التهوية الحديثة عادة ما تحتاج إلى توفير قطع غيار من نحو 50 دولة مختلفة، فإن الحد من تعقيد المنتجات يخفف بطبيعته من تعقيد الخدمات اللوجستية.

ويحظى ابتكار العمليات بنفس القدر من الأهمية، حيث تمكنت دول مثل السنغال من طرح المزيد من الفحوصات الاقتصادية بسبب تجربتها مع أمراض أخرى. وتتعاون فرق من شركات رولز رويس، وإيرباص، والفورمولا 1 في المملكة المتحدة على الابتكار في إنتاج المعدات. وفي حين يبدو هذا الأمر مبشرًا للتعامل مع الموجة الثانية، لا تزال هناك تحديات وشيكة خلال الموجة الأولى. ولقد رأينا أن عنصر التقنين أصبح مهمًا، بما في ذلك أقنعة N95 في الولايات المتحدة، وأسّرة المستشفيات في كوريا الجنوبية، وانخفاض مستوى معدات الحماية لعمال خدمات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة. وقد تعرقل هذه الإجراءات بالفعل من جهود "الاستجابة" إلى حدٍ ما، وهو هدف حددته منظمة الصحة العالمية.

وخلال الموجة الأولى، تستخدم شركات شحن البضائع طائرات الشحن الجوي، بالإضافة إلى المقصورات الرئيسية لطائرات الركاب. وهناك أيضًا طلب مرتفع على طائرات الشحن المستأجرة، نظرًا لأن طاقة استيعاب شبكة الشحن الجوي التجاري لا تزال غير كافية. وعادةً ما تأتي المعدات الطبية المهمة من الصين والهند، وتُسَلَّم في جميع أنحاء العالم. وتنطبق ممارسات التوزيع الجيدة على الشحن عالي القيمة بين أقسام التصنيع، والتعبئة، والتوزيع، والمستخدمين النهائيين. واعتمادًا على نوع الإمدادات الطبية، تكون عمليات النقل مقيدة بسلسلة التبريد، مع تطبيق معايير صارمة واشتراطات تغليف خاصة. ويتلقى عمال المناولة في المطارات تدريبًا وتأهيلًا خاصًا للتعامل مع هذه الإمدادات. ويؤدي الإكراه الحالي على نقل "أي شيء باستخدام أي شيء" إلى نقل المنتجات دون إعلان.

ومع ذلك، تحظى المصادقة على النقل بأهمية قصوى في مجال المستحضرات الصيدلانية، ويجب أن تكون السلامة والأمن على أفضل مستوى. فعلى سبيل المثال، يساهم نقل عينات الدم في تصنيف هذه الرحلة على أنها عملية نقل بضائع خطرة، وهو ما يزيد من إمكانية تحويل العينات إلى مستنبتات، تخضع للإعلان. وفي بداية تفشي المرض، تطلبت معظم عمليات النقل الجوي التي جرت أن تكون مباشِرة، وأن تربط بين الأصول والوجهات في عرف النقل الجوي. ورغم أن هذا الأمر يضمن نقل الإمدادات دون عوائق عبر خطوط الحجر الصحي، فإنه لا يزال غير فعال من منظور الشحن الجوي العالمي. ويتميز أسطول الطائرات العالمي المتاح ببساطة بأنه صغير للغاية، بحيث لا يتمكن من تغطية جميع الأصول والوجهات العالمية في الوقت المناسب.

للاستعداد للموجة الثانية، والاستفادة بشكلٍ أفضل من طاقة الاستيعاب العالمية للنقل الجوي، يجب توزيع المعدات الطبية المهمة عبر البنى التحتية المركزية لشبكات النقل الجوي، مع وجود هذه المراكز في مناطق جغرافية محددة بشكل استراتيجي. ومن المعالم التي يجب معالجتها اجتياز خطوط الحجر الصحي، لكن حركة النقل داخل شبكات النقل الجوي عبر المراكز تبدو مبشرةً بشكلٍ يفوق كثيرًا نماذج التسليم الحالية من نقطة إلى نقطة. وإذا ما نظرنا إلى اللوجستيات العسكرية كنموذج، يُفضِل العرض المعقد لما يُعرف باسم السيناريوهات عالية الإصابات بالمثل الحلول الشبيهة بالشبكات المركزية للشحن العالمي. وسيخفف إنشاء هذه الشبكات بشكل كبير من إجراءات التقنين للموجة الأولى، مع زيادة القدرات التصنيعية، واستخدام القدرات اللوجستية العالمية بشكل أكثر كفاءة.

وتحسبًا لحدوث موجة ثانية محتملة، تناقش شركات الطيران بالفعل العودة إلى البيئات ذات المقصورة المختلطة، وهو ما سيسمح لشركات الطيران ذات التأثير الكبير بالحصول على بعض الإيرادات مجددًا. ومن منظور السلامة والأمن، يمكن نقل بعض البضائع غير الخطرة فقط على المقصورة الرئيسية إلى جانب الركاب. وفي هذا الصدد، يتعاون الاتحاد الدولي للنقل الجوي (الإياتا) مع منظمة الطيران المدني الدولي التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. 
 
وعندما تصبح اللقاحات متاحة، ستكون هناك حاجة ماسّة لإنشاء جسر جوي عالمي يتمتع بطاقة استيعابية كبيرة لنقل الإمدادات الطبية. وستحتاج اللقاحات إلى النقل في بيئة سلسلة التبريد، ويفضل أن يتم ذلك باستخدام مفهوم التوصيل عبر الشبكة الذي يمكن التحكم في درجة حرارتها، لأن أحجام النقل ستكون غير مسبوقة. وقد بدأ التخطيط لهذا المسعى اللوجستي التاريخي بالفعل في جميع أنحاء العالم.

وسوف يستدعي الانتشار طويل الأمد لفيروس SARS-CoV-2  اتباع معايير جديدة في اللوجستيات العالمية، وخاصة فيما يتعلق بالنقل الجوي، بما في ذلك سفر الركاب، الذي كان من أوائل الأنشطة التي شهدت تراجعًا بفعل الإغلاق العالمي. ولن تتغاضى الحكومات عن ضرورة التعاون بشكل وثيق مع القطاعات الصناعية والهيئات الجمركية العالمية. وبدون شحن جوي عالمي سريع ورشيق، لن تكون أي موجة من الموجات الثلاث في عالم فيروس كوفيد-19 مستدامة.

وتعتمد دولة قطر على طرفيَّن رئيسيين هما: الخطوط الجوية القطرية ومطار حمد الدولي. وبفضل الإدارة المثيرة للإعجاب، وإتباع جهود لتوسيع شبكة وموارد شركة الخطوط الجوية القطرية للشحن، تبدو الشركة مؤهلة للقيام بدور رائدٍ بصفتها واحدةً من أكبر شركات الشحن الجوي في العالم، كما أنها تُعدُ من أنسب الشركات للقيام بهذا الدور بفضل البنية التحتية المتطورة للغاية المتاحة في مطار حمد الدولي، التي تتيح إمكانية التحكم في درجة الحرارة. ولدعم الجهود الرامية لإنشاء شبكات مركزية لشحن اللقاحات إلى العالم، يحظى مطار حمد الدولي بوضع جيد جدًا يؤهله للربط بين أوروبا، وأفريقيا، وآسيا.

* يشغل الدكتور فرانك هيمبل منصب أستاذ مشارك في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة. 
 

أخبار متعلقة

في دائرة الضوء: جاسم محمد الملا ضمن سلسلة الفائزين بمنح برنامج المنح الدراسية لطلبة الدراسات العليا

أعلنت كلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، مؤخرًا، عن أنجح مشاركة لها في برنامج المنح الدراسية لطلبة الدراسات العليا المقدمة من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي حتى الآن، حيث حصل 17 طالبًا وطالبةً في الكلية على منح من البرنامج.

عائشة الرميحي في دائرة الضوء ضمن سلسلة الفائزين بمنح برنامج المنح الدراسية لطلبة الدراسات العليا

أعلنت كلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، مؤخرًا، عن أنجح مشاركة لها في برنامج المنح الدراسية لطلبة الدراسات العليا المقدمة من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي حتى الآن، حيث حصل 17 طالبًا وطالبةً في الكلية على منح من البرنامج.