الحاجة للقيادات الإنسانية والتضامن العالمي خلال أزمة كوفيد-19
Hamad Bin Khalifa University

الإنسان الحاجة للقيادات الإنسانية والتضامن العالمي خلال أزمة كوفيد-19

الدكتور أنيس بن بريك*

تُشَكِل جائحة فيروس كورونا أزمة منهجية للتنمية البشرية، حيث باتت تؤثر على الأفراد والمجتمعات بطرق غير مسبوقة، كما أنها تسببت في ظهور احتياجات بشرية جديدة.

ووفقًا للتقديرات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، يمكن أن تتسبب جائحة كوفيد-19 بشكلٍ كبيرٍ في انتقال نصف مليار شخص، أو 8٪ من سكان العالم، إلى دائرة الفقر بحلول نهاية العام. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الجهود الرامية لمكافحة الفقر سوف تتراجع 30 سنةً إلى الوراء. وذكرت لجنة الإنقاذ الدولية خلال الأسبوع الماضي أن الفيروس يمكن أن يتسبب في إصابة مليار شخص بالعدوى، وإحداث 3.2 مليون حالة وفاة في 34 دولة هشة، بما في ذلك أفغانستان وسوريا.

ويسلط التقرير العالمي السنوي الرابع حول الأزمات الغذائية الضوء على اليمن، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأفغانستان، وفنزويلا، وإثيوبيا، وجنوب السودان، وجمهورية السودان، وسوريا، ونيجيريا، وهايتي، باعتبارها من بين الدول الأكثر عرضة لخطر حدوث مجاعات واسعة الانتشار بسبب جائحة فيروس كورونا. ووفقًا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، يمكن أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع من 135 مليون إلى أكثر من 250 مليون شخص. 

وذكرت منظمة العمل الدولية، مؤخرًا، أن ما يقرب من 1.6 مليار عامل في الاقتصاد غير الرسمي (يمثلون العمال الأكثر ضعفًا في سوق العمل) من أصل 2 مليار عامل في جميع أنحاء العالم يتعرضون لخطر مباشر يتمثل في إمكانية خسارتهم لمصدر رزقهم، وأن الحال نفسه ينطبق على قوة عاملة عالمية تتألف من 3.3 مليار عامل.

وقد أكد انتشار فيروس كوفيد-19 على أهمية القيادة الإنسانية والتضامن العالمي. وبتاريخ 2 أبريل، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرارًا، برعاية مشتركة من 188 دولة من بينها قطر، يدعو إلى "التعاون الدولي المكثف لاحتواء الجائحة، وتخفيف حدتها، والتغلب عليها من خلال تبادل المعلومات، والمعرفة العلمية، وأفضل الممارسات، وتطبيق التوجيهات ذات الصلة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية."

ويُمثل التضامن مسألة أخلاقية ورؤية طويلة المدى. وسوف يخَلِّف الفشل في اجتياز هذا الاختبار جروحًا نفسية عميقة في البلدان التي تخلفت عن الركب، وهو ما يمهد الطريق لجميع أشكال التطرف والأزمات الجديدة، بداية من انتشار الأوبئة ووصولًا إلى اندلاع النزاعات، التي من شأنها أن تهدد الجميع. من خلال الالتفاف حول العلم والتضامن اليوم، سنزرع بذور وحدة أكبر نطاقًا في المستقبل.
لا يعترف فيروس كورونا بالحدود، ولا يميز بينها. ويسلط انتشار الفيروس الضوء على الأهمية الحيوية للقيادة الإنسانية. وقد كشفت هذه الأزمة عن وجود تباينات في قدرة الدول على احتواء انتشار الفيروس.

وتفتقر العديد من الحكومات إلى القدرة الكافية إما على الاستجابة للأزمات أو الإرادة السياسية اللازمة لحماية مواطنيها من آثارها السلبية، في بعض الحالات. فعلى سبيل المثال، تمتلك البلدان الأكثر تقدمًا، التي تتصدر قوائم الدول المتقدمة في فئة التنمية البشرية، 55 سريرًا في المتوسط بالمستشفيات، وأكثر من 30 طبيبًا، و 81 ممرضةً لكل 10000 شخص، مقارنة بعدد 7 أسرِّة فقط، و2.5 طبيبًا ، و6 ممرضات في الدول الأقل تقدمًا.

ويمكن للمرء أن يتصور بسهولة أنه إذا كانت الاستجابة لفيروس كوفيد-19 ضعيفة في البلدان المتقدمة، فستكون شبه منعدمة بالنسبة للحكومات التي لا تملك سوى قدرٍ بسيطٍ من الموارد المالية والطبية.

وعلى الرغم من الحصار، تبرز دولة قطر كواحدة من أكثر الدول المشاركة بنشاط في الاستجابة الإنسانية العالمية لجائحة كوفيد-19. وقد قدّمت قطر مساعدات إنسانية كبيرة إلى 20 دولةً حتى الآن، بما في ذلك المساعدة في مجال الإمدادات الطبية، وبناء المستشفيات الميدانية، والمساهمة بمبلغ 140 مليون دولار أمريكي للمنظمات متعددة الأطراف التي تعمل على تطوير اللقاحات أو ضمان مرونة الرعاية الصحية في البلدان الأخرى.

وحتى وقتنا هذا، أرسلت قطر مساعدات كبيرة إلى الصين، وإيران، وفلسطين، وإيطاليا، ولبنان، والجزائر، وتونس، ونيبال، ورواندا. بالإضافة إلى ذلك، وزعت البعثة الممثلة لجمعية الهلال الأحمر القطري في تركيا، مؤخرًا، مساعداتٍ غذائيةً إضافيةً على حوالي 110,000 عائلة في مخيمات النازحين داخليًا بمحافظتي إدلب وحلب، الواقعتين شمال سوريا.

وفي عصر فيروس كوفيد-19، لا تمثل حماية الفئات الأكثر ضعفًا بيننا واجبًا أخلاقيًا فحسب، بل تُعدُ أيضًا هدفًا مُلِّحًا من أهداف الصحة العامة، ذلك أن صحة المجتمع في صحة أفراده.

* يشغل الدكتور أنيس بن بريك منصب أستاذ مشارك في كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.
 

أخبار متعلقة

مسارات التحول في خضم الأزمات - العلم والتعلم الاجتماعي وتمكين المواطن عوامل أساسية

تزامن مقالنا الأخير الذي دعا إلى عقد اجتماعي جديد وأعقبه أحداث عالمية مهمة مثل الإعلان عن إمكانية توفر لقاح فعال قبل نهاية هذا العام من ناحية، وترقب نتائج الانتخابات الأمريكية من ناحية أخرى.

كلية السياسات العامة تشارك في منتدى لمناهضة التطرف

يعيش العالم مرحلة استثنائية في ظل الظروف الحالية والمستمرة. ونظرًا لتطوّر السياق العالمي بوتيرة متسارعة، أدت جائحة كورونا (كوفيد-19) إلى صعود التطرف والعنف، وأوجدت حالة من الديناميكيات الصعبة، مثل التوترات الدينية والعرقية، وقضايا الصحة العقلية، والعنف الأسري، وكلها قضايا تحتاج إلى معالجة.