التمويل الإسلامي وآفاق تجاوز الآثار الاقتصادية السلبية للجائحة
Hamad Bin Khalifa University

الإنسان التمويل الإسلامي وآفاق تجاوز الآثار الاقتصادية السلبية لجائحة كوفيد-19

الدكتورة دلال عسولي*

لا يزال فيروس كوفيد-19 يواصل إلحاق آثارٍ سلبيةٍ بالغةٍ بالاقتصاد العالمي. فقد ساهم الإغلاق المطبَّق لمجتمعات بأكملها في ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الدخل، وزيادة الشعور بانعدام الأمن الغذائي. وقد تأثر عمال القطاع الخاص والعاملون لحسابهم الخاص بشكل غير متناسب بفعل الانكماش الاقتصادي، الذي يحذر الخبراء من أنه يمكن أن يكون عميقًا وطويل الأمد.

وفي محاولة لمواجهة الركود، نفذت الحكومات والمنظمات الدولية سياسات لدعم الاقتصادات وحماية الموارد المالية. واشتملت هذه السياسات على خفض أسعار الفائدة، وتأجيل سداد القروض، وتقديم حزم التحفيز مثل التسهيلات الكمية. ورغم أن هذه الإجراءات وغيرها شائعة في أوقات الأزمات الاقتصادية، إلا أنها ليست بمنأى عن الانتقادات، لا سيَّما عندما يتعلق الأمر بتلبية احتياجات أفراد المجتمع من الضعفاء. ومع ذلك، فإن ممارسات التمويل والاقتصاد الإسلامي توفر الأمل في إمكانية تحقيق النمو العادل في الأوقات العصيبة، وفي الأماكن التي تكون في أمس الحاجة إليها.

ويهتدي التمويل الإسلامي، الذي يتمتع بأسس راسخة مستمدة من الشريعة الإسلامية، بمجموعة من المبادئ الأخلاقية والمعنوية. وتشتمل هذه المبادئ على الصدق والشفافية، وكذلك تحريم الربا، وبيع الغرر، والميسر، وهو نوع من أنواع المضاربة. ويشجع النظام الاقتصادي الإسلامي على تحقيق المصلحة العامة، ويعزز الرفاهية والفلاح، ويمنع الأذى والضرر والمفسدة. وتعتمد المعاملات في هذا النظام على العقود التي تعزز الشراكات، وتقاسم الأرباح والخسائر، بالإضافة إلى تعزيز الروابط بالاقتصاد الحقيقي. وفي أوقات الأزمات مثل انتشار جائحة كوفيد-19، تشجع هذه المبادئ آليات الدعم التي تسعى إلى سد الفجوة المالية التي تواجهها العديد من البلدان.

كما يعزز التمويل الإسلامي المسؤولية الاجتماعية والتكافل من خلال الزكاة، والوقف، والصدقة، والقروض الحسنة، وهي قروض بدون فوائد. وفي صميم هذه المعاملات، تتواجد مؤسسات التمويل الأصغر الإسلامية، والمنظمات الخيرية التي كانت ولا تزال من سمات المجتمعات الإسلامية لعدة قرون. وعادةً ما تعمل هذه المؤسسات مع المجتمعات الضعيفة التي تفتقر لإمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم، والصحة، والإمدادات الغذائية. كما تزود الشركات الصغيرة بالتمويل الذي غالبًا ما ترفض مؤسسات القطاع الخاص تقديمه. وبذلك، تضع مؤسسات التمويل الأصغر الإسلامية الأسس للمشاريع التي تدر دخلاً وتحد من الاعتماد على التبرعات الخيرية في المستقبل.

ورغم أن التمويل الأصغر سيؤدي دورًا في تعافي العالم الإسلامي من الآثار السلبية لفيروس كوفيد-19، فإن العبء الأكبر يقع على عاتق الحكومات لتحفيز وقيادة المشاريع الرامية لإعادة بناء الاقتصادات والمجتمعات. ولا شك أن هذه الجائحة قد سلطت الضوء على الحاجة لإعادة التفكير في توفير خدمات الرعاية الصحية. ومن الوارد أيضًا أن تُطرَح وجهات نظر جديدة بشأن سلاسل التوريد والبنية التحتية الحيوية. وتحقيقًا لهذه الغاية، يمكن للصكوك والسندات توفير مصادر تمويل مبتكرة ومستدامة لمشاريع الإنعاش الاقتصادي.

وفي حين يمكن للصكوك أن تجمع التمويل اللازم لمجموعة متنوعة من المشاريع المستدامة، فقد شهد السوق مؤخرًا تطور الاستثمار المستدام والمسؤول والصكوك الخضراء. ويركز الاستثمار المستدام والمسؤول على القضايا الاجتماعية، مثل برامج التطعيم ومبادرات التعليم. وتستهدف الصكوك الخضراء المشاريع التي لها تأثير على البيئة والاستدامة، بما في ذلك إمدادات الطاقة المتجددة وتيسير سبل الوصول إلى المياه النظيفة. وتقترح بعض التصنيفات توحيد كليهما تحت مصطلح جامع هو "صكوك الاستثمار المستدام والمسؤول". ويستلزم فيروس كوفيد-19 إضافة فئة ثالثة.

ويمكن أن نُرجِع جذور "الصكوك الوبائية" إلى عام 2017، عندما طرح البنك الدولي، لأول مرة، فكرة السندات الوبائية لدعم عمل مرفق تمويل حالات الطوارئ الوبائية. وتوفر هذه الآلية تمويلًا متدفقًا للدول النامية الأكثر عرضة لخطر تفشي الأمراض الخطيرة. وتصبح هذه التسهيلات متاحةً بمجرد وصول حالات التفشي إلى مستويات محددة سلفًا من العدوى، مثل عدد الحالات المسجلة والإصابات، فضلاً عن انتشار العدوى عبر الحدود الدولية.

وفي وقت كتابة هذا المقال، لم يكن مرفق تمويل حالات الطوارئ الوبائية قد استُخدم بعد في المواجهة العالمية ضد فيروس كوفيد-19، وهو قرار يرجع جزئيًا إلى تعقيد آليات تنفيذ استخدامه. ومع ذلك، ليس من المتوقع أن تسير "الصكوك الوبائية" على نفس المنوال بأي حالٍ من الأحوال. وبخلاف مرفق تمويل حالات الطوارئ الوبائية، يمكن لهذا الشكل من الصكوك الاستفادة من مؤسسات التمويل الاجتماعي الإسلامية مثل الزكاة والوقف لتطوير آليات تمويل مختلطة تهدف إلى تحقيق كلٍ من الانتعاش والاستدامة. وتشتمل قائمة المستثمرين المستهدفين المحتملين على الشركات ومجتمعات الشتات، التي ساهمت بشكلٍ كبيرٍ، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في المبادرات المجتمعية غير الرسمية التي تتصدى للجائحة. 

وتتوافق المبادئ الأساسية لجميع أشكال الصكوك مع مقاصد الشريعة الإسلامية، حيث أن أسمى مقاصد الشريعة بالنسبة للبشر هي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. وأي شيء يدعم هذه المقاصد الخمسة هو من المصلحة، في حين أن أي شيء يؤثر سلبًا عليها هو من المفسدة. وتُشكِّل الممارسات الاقتصادية المستدامة، بطبيعتها، جزءًا لا يتجزأ من النهج "المقاصدي" للتنمية الذي يقوم عليه الاقتصاد والتمويل الإسلامي. ويؤكد هذا النهج أيضا على أهمية تحسين حياة ورفاهة الأفراد والمجتمعات.

وقد سلط فيروس كوفيد-19 الضوء أيضًا على الحاجة إلى إحداث نقلة نوعية في كيفية جمع الأموال العامة وتوزيعها على المتضررين بالفيروس. ويتمتع التمويل الإسلامي والممارسات الاقتصادية الإسلامية بوضع جيد تؤهلها لدعم عملية إصلاح أنظمة الإدارة المالية العامة، وتعزيز البنية التحتية للصحة، والتعليم، والأمن الغذائي. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الحكومات والمؤسسات متعددة الأطراف استكشاف إمكانيات الصكوك الوبائية، وهي فئة أصول جديدة تستهدف المستثمرين التقليديين والإسلاميين على حد سواء.

* تشغل الدكتورة دلال عسولي منصب أستاذ مساعد ومنسق برنامج ماجستير العلوم في التمويل الإسلامي بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة. 

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.
 

Hamad Bin Khalifa University

أخبار متعلقة

جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، تعرض بحوثها في مجال الرعاية الصحية والتكنولوجيا الرقمية المتقدمة التي طورتها خلال مؤتمر ويش 2020

شاركت جامعة حمد بن خليفة في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (ويش) 2020 باعتبارها أحد شركاء المؤتمر، وذلك بما يتماشى مع رسالتها المتمثلة في تعزيز التحول الإيجابي داخل دولة قطر مع المشاركة في إحداث تأثير عالمي.

كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة تُطلق برنامج تصميم إنسانية ما بعد كوفيد-19

أطلقت كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة برنامجًا جديدًا يتناول الجهود المبذولة لتصميم إنسانية أكثر عدلاً وشمولاً واستدامةً بعد انتهاء فيروس كوفيد-19.