أكتوبر الوردي: مكافحة سرطان الثدي | جامعة حمد بن خليفة
Hamad Bin Khalifa University

التميز أكتوبر الوردي: مكافحة سرطان الثدي

رؤية مقدمة من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

يصيب سرطان الثدي واحدة من كل ثمان سيدات، مما يجعله أكثر أنواع الأورام السرطانية شيوعًا في العالم عامة وفي دولة قطر خاصة. ويعد سرطان الثدي أحد الأسباب الرئيسية للوفاة المرتبطة بالسرطان لدى المرأة على مستوى العالم. وقد جرى اختيار أكتوبر ليكون شهر التوعية بسرطان الثدي في جميع أنحاء العالم. في هذه الدراسة، يناقش خبراء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي التطورات العلمية الحديثة في تشخيص سرطان الثدي وعلاجه، بالإضافة إلى تسليط الضوء على دور معهد قطر لبحوث الطب الحيوي في دعم مكافحة هذا النوع من الأورام السرطانية من خلال استراتيجية بحثية شاملة.

المؤشرات الحيوية والطب الدقيق

يعتبر سرطان الثدي مرضًا غير متجانس، وهذه الخاصية تؤثر على فرص نجاة المرضى واستجابتهن للعلاج. وقد تبين أن حوالي 10% فقط من حالات سرطان الثدي وراثية أو تعود إلى تاريخ عائلي، حيث تنتقل عوامل الخطر الوراثية غير الطبيعية من جيل إلى جيل داخل العائلة الواحدة. في المقابل، فإن غالبية حالات سرطان الثدي متباينة بطبيعتها، أو تواكبها عوامل خطر وراثية غير معروفة حتى الآن.

في ضوء هذه المعضلة، يتطور مجال الطب الدقيق بسرعة، ويستكمل تشخيص سرطان الثدي وعلاجه والوقاية منه من خلال مراعاة تغيرات جينية فردية محددة، ومدى وكم التغيرات والطفرات الجينية، وعمر المريضة، وحالة انقطاع الطمث، ونمط الحياة. يمكن أن يساعد هذا النهج الأطباء في تحديد خطة العلاج بشكل أكثر دقة لكل مريضة للوصول إلى نتيجة علاجية أفضل (الشكل 1)، مقارنة بنهج واحد يطبق على الجميع.

الشكل (1) عرض تخطيطي لاستخدام العلامات الحيوية والطب الشخصي في علاج سرطان الثدي

الشكل (1) عرض تخطيطي لاستخدام المؤشرات الحيوية والطب الشخصي في علاج سرطان الثدي

تحدث في الخلايا السرطانية تغيرات متنوعة وغير عادية على المستويات الجينية، والتخلقية، والبروتينية، والأيضية التي يمكن أن تسبب إزعاجًا للعديد من العمليات الجزيئية أو الخلوية "المعتادة"، التي تنظم تكاثر الخلايا وبقائها، وحركة الخلايا، مما يؤدي في النهاية إلى إنتاج غير طبيعي للجزيئات البيولوجية. ويمكن استخدام المستويات غير الطبيعية من هذه الجزيئات كمؤشرات حيوية لتحديد مرحلة سرطان الثدي ونوعه الفرعي بدقة، وبالتالي يمكن أن تساعد في تحديد اختيار استراتيجية العلاج (1-3). كما يمكن أن تشمل المؤشرات الحيوية الحمض النووي، والحمض النووي الريبوزي، والبروتينات، والمستقلبات، ويمكن تصنيفها على أنها دلائل على انتشار الورم الموجود في العينات البيولوجية غير الهجومية مثل الدم أو البول، أو كدلالات أنسجة الورم (الشكل 2).

تعتمد الاختبارات التشخيصية والتنبؤية والإنذارية المستخدمة حاليًا إما على مستويات البروتينات المختلفة في أنسجة ورم الثدي، بما في ذلك مستقبل عامل نمو البشرة لدى الإنسان 2 (هير2)، ومستقبلات هرموني الإستروجين والبروجسترون، أو على تحليل الطفرات (طفرة BRCA1 / 2)، والاختبارات متعددة الجينات الوراثية (oncotype DX ، MammaPrint ، ProSigna) التي تفحص الطفرة / النشاط في مجموعة من الجينات الوراثية للتنبؤ بنتيجة المرض وحساسية الجسم أو مقاومته للعلاج. فعلى سبيل المثال، يستخدم التغيير في تعبير هير2 على نطاق واسع لتحديد المرضى الذين من المرجح أن يستفيدوا من العلاج بعقار تراستوزوماب، وهو مثبط محدد يستهدف هير2 (4). يوضح الجدول (1) المؤشرات الحيوية التشخيصية والإنذارية والتنبؤية المختلفة المستخدمة في معالجة سرطان الثدي.

على الرغم من التقدم التكنولوجي وفهمنا الواسع للجينوم البشري، إلا أن الكشف الدقيق عن التباين الجزيئي لأورام الثدي في الطب السريري يظل صعبًا ومكلفًا ويتطلب مختبرات تشخيص جزيئي متطورة.

الشكل (2) عرض تخطيطي للعلامات الحيوية شائعة الاستخدام (الصناديق) وتطبيقاتها (الدوائر الوردية).

الشكل (2) عرض تخطيطي للمؤشرات الحيوية شائعة الاستخدام (الصناديق) وتطبيقاتها (الدوائر الوردية).


الجدول (1): المؤشرات الحيوية لسرطان الثدي 

هير2، مستقبل عامل نمو البشرة 2، فيش، (فلوريسنت) في التهجين في الموقع، التلوين بالكيمياء النسيجية المناعية، مستقبل هرمون الإستروجين، ومستقبل هرمون البروجسترون، وفحص ارتباط الربيطة، وتفاعل البوليميراز المتسلسل باستخدام إنزيم التنسخ العكسي، إدارة الغذاء والدواء. اختبار PAM50: فحص توقيع الجين بروسيجنا النذير بسرطان الثدي.

الإنجازات الحديثة في مجال العلاج

تشمل العلاجات التقليدية لسرطان الثدي، التي تستهدف منع انتشار الخلايا السرطانية إلى الأعضاء الأخرى، الجراحة، والعلاج الإشعاعي، والعلاج الكيميائي، والعلاجات الهرمونية (الشكل 3 العلاجات التقليدية). ونظرًا لأن سرطان الثدي هو مرض غير متجانس، يعتمد علاجه على عوامل متعددة، بما في ذلك الخصائص الخلوية والجزيئية للورم، ومرحلة المرض وتاريخه (9). يزيد معدل الشفاء والنجاة من مرض سرطان الثدي عن 90٪ بشكل قاطع في حال تشخيص المرض وعلاجه في مرحلة مبكرة.

تشمل العلاجات الحديثة لسرطان الثدي الأدوية التي تستهدف، على وجه التحديد، الجزيئات ذات الأدوار المهمة في نمو الخلايا السرطانية وبقائها، والمعروفة أيضًا باسم العلاجات الموجهة (الشكل 3 العلاجات المستحدثة). على سبيل المثال، يثبط علاج البيليسيب (بيقوراي، نوفارتس) على وجه التحديد مسار فوسفاتيديلينوسيتول 3-كيناز(PI3K) الذي يساهم في تنشيط نمو الخلايا السرطانية. ويطيل العلاج باستخدام البيليسيب بقاء المرضى على قيد الحياة بدون تقدم في حالات مستقبلات الهرمونات الإيجابية، وهير2 سالب، وسرطان الثدي المتقدم المتحور-PI3KCA (10).

مثال آخر لأدوية سرطان الثدي هو عقار تالازوباريب (تالازينا، بفيزر) الذي يقوم، على وجه التحديد، بتثبيط مسار إصلاح تلف الحمض النووي المتكامل (مثبط بوليميراز Poly-ADP-Ribose)، وبالتالي يعرض بقاء الخلايا السرطانية للخطر، وقد اُعتمد استخدامه في عام 2018 لعلاج سرطان الثدي سالب هير2 المتقدم أو النقيلي موضعيًا المصاحب لطفرات (BRCA1/2) (11). علاوة على ذلك، فإن كفاءة مثبطات إنزيم هيستون ديستيلاز، مثل (توسيدينوستات) التي تتداخل مع إشارات تقوية الورم وكبح جماح نمو الخلايا السرطانية، قيد الفحص حاليًا في التجارب السريرية (12).

وفي الآونة الأخيرة، تم التوصل إلى علاج مناعي، هو نوع من علاج السرطان، يهدف إلى تقوية الاستجابة المناعية ضد الخلايا السرطانية، وهو إنجاز يعمل على تحسين شفاء المرضى الذين يعانون من أنواع معينة من السرطان. وقد جرى تطوير العديد من الأدوية للتعامل مع نقاط التفتيش المناعية، وهي جزيئات تعمل "كإشارات" على الخلايا المناعية لمنع تفاعلها مع الخلايا الطبيعية. ويساعد استخدام مثبطات نقاط التفتيش المناعية في السرطان على إطلاق العنان للاستجابة المناعية وتنشيطها في مواجهة الخلايا السرطانية.

ويعد عقار أتيزوليزوماب (تسينتريك، جينينتيك) واحدًا من هذه الأدوية التي تثبط على وجه التحديد جزيء نقطة التفتيش المناعي لـ (ligand) أو ما يعرف بموت الخلية المبرمج (PD-L1)، وبالتالي يعزز القدرة على التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها من قبل الجهاز المناعي. وقد اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية هذا الدواء في عام 2019، مع العلاج الكيميائي لمعالجة أورام الثدي المتقدمة التي لا تعبّر عن مستقبلات الهرمون أو هير2، ولكن تتميز بتعبير (PD-L1) (13).

يظل التحدي الأكبر الذي يواجه مساعي علاج سرطان الثدي حتى الآن هو الاستئصال المستهدف للخلايا السرطانية مع ضمان الحد الأدنى من الآثار الضارة غير المحددة على الخلايا السليمة. والطرق العلاجية مثل العلاج باستخدام الخلايا التائية، الذي يتضمن نقل الخلايا اللمفاوية التائية المعدلة وراثيًا، والتي تتعرف على الخلايا السرطانية التي تعبر عن جزيء معين ولقاحات السرطان وتقضي عليها على وجه التحديد، يمكن أن يكون لها فوائد علاجية واعدة في القضاء على الخلايا السرطانية بدقة وكفاءة عالية (14 - 15). وأخيرًا، يمكن تصميم العلاجات المركبة الموجهة بناءً على المؤشرات الحيوية التنبؤية والتوصيل الفعال للعقاقير من خلال أنظمة الناقل، مثل الجسيمات النانوية، التي لديها إمكانات هائلة لتحسين علاج سرطان الثدي (16).

الشكل (3) علاجات سرطان الثدي المتوفرة حاليًا والاستراتيجيات العلاجية المقترحة لتحسين النتائج السريرية لدى المرضى الذين لا يستفيدون من العلاجات التقليدية.

الشكل (3) علاجات سرطان الثدي المتوفرة حاليًا والاستراتيجيات العلاجية المقترحة لتحسين النتائج السريرية لدى المرضى الذين لا يستفيدون من العلاجات التقليدية.

الجهود البحثية لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي في مجال سرطان الثدي

يتكون برنامج بحوث السرطان في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي من عدة فرق بحثية تتمتع بخبرات متنوعة واهتمامات بحثية يمكن تصنيفها وفقًا لموضوعين: اكتشاف المؤشرات الحيوية وآليات المقاومة، والمناعة السرطانية والعلاج المناعي لهذا المرض.
يستفيد البرنامج من أحدث التقنيات والنهج التكاملي متعدد التخصصات، مع إمكانية التطبيق من خلال الطب الشخصي بهدف نهائي هو تحسين بقاء مرضى سرطان الثدي على قيد الحياة.

تركز العديد من الأنشطة البحثية على تطوير المعارف الحالية بشأن عوامل خطر الإصابة بسرطان الثدي، وتحديد المؤشرات الحيوية الجديدة لهذا النوع من السرطان في المنطقة العربية. على هذا النحو، فإن اكتساب نظرة ثاقبة حول بيولوجيا سرطان الثدي على المستويين الجزيئي والخلوي يمكن أن يساعد في تحديد المؤشرات الحيوية للتشخيص والتنبؤ باستجابة الجسم للعلاج.

على سبيل المثال، أجرى الفريق مؤخرًا تحليلاً نسخيًا شاملاً لأورام الثدي، وحدّد عددًا كبيرًا من الأحماض النووية الريبوزية ذات البروتين المشفر وغير المشفر، الذي يتم التعبير عنه بشكل مختلف في سياق التحول من الأورام الحميدة إلى الخبيثة في نطاق سرطان الثدي. ويجري حاليًا فحص الاستخدام المحتمل لتلك الجينات كعلامات حيوية وأهداف علاجية لهذا المرض.

من ناحية أخرى، يتعلق مجال آخر من مجالات البحث في برنامج بحوث السرطان بدراسة التفاعل بين الخلايا السرطانية ونظامنا الدفاعي الطبيعي، أي جهاز المناعة، وكيف يمكن للخلايا السرطانية أن تفلت من تعرف الخلايا المناعية عليها والتخلص منها، وكذلك كيف يمكننا التدخل علاجيًا مع هذا الهروب المناعي. وبفضل جهودنا في هذا المجال، تم تحديد جزيئات شديدة الخصوصية للورم يمكن استخدامها لتدريب الخلايا المناعية للتعرف على الخلايا السرطانية التي تحتوي على هذا الجزيء والتخلص منها، أو التي تؤثر سلبًا على نشاط الخلايا المناعية، وبالتالي يمكن استخدامها لغايات علاجية بهدف تحسين المناعة من خلال القضاء على الأورام السرطانية بمساعدة جهاز المناعة.

ولتحقيق رسالته، انخرط برنامج بحوث السرطان في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي في بناء علاقات تعاون قوية مع شركاء وطنيين وإقليميين، مثل مؤسسة حمد الطبية في قطر، ومركز الحسين للسرطان في المملكة الأردنية الهاشمية. بالإضافة إلى مهمته المتمثلة في التزامه بتحقيق التميز في البحوث، يلتزم قادة فريق برنامج بحوث السرطان أيضًا ببناء القدرات الواعدة في قطر، ويشاركون بكثافة في برامج التدريس والبحوث في كلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة.

المشاركون في هذه الدراسة:

المؤشرات الحيوية والطب الدقيق: د. جوفيندا لينكا (باحث ما بعد الدكتوراه، ود. فارون ساسيداران ناير، باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
الإنجازات الحديثة في مجال العلاج: د. ريم صالح، باحث ما بعد الدكتوراه، وسلمان محمد تور، باحث مشارك، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
جهود معهد قطر لبحوث الطب الحيوي في مجال أبحاث سرطان الثدي: د. جولي ديكوك، عالم، ود. نهاد العجيز، عالم أول، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
الرسوم التوضيحية: د. جوفيندا لينكا، ود. فارون ساسيداران ناير، ود. ريم صالح، وسلمان محمد تور، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
مراجعة الترجمة العربية: رويدة زياد طه، باحث مشارك، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
المحررون: د. أدفيتي نايك، باحث ما بعد الدكتوراه، ود. ألكسندرا باتلر، باحث رئيسي، ود. جولي ديكوك، عالم، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

لتصفح المراجع، يُرجى الضغط هنا.

 

أخبار متعلقة

فهم سرطان الثدي في المنطقة العربية يبدأ بالتعرف على العوامل الوراثية لحدوث المرض

الدكتور فارس العجة، العالم بمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة، يتحدث عن بحثه الذي يركز على العوامل الوراثية لفهم أسباب إصابة سيدات في مقتبل العمر بسرطان الثدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.