رؤى حول فيروس كوفيد-19 وأمراض الكبد | جامعة حمد بن خليفة
Hamad Bin Khalifa University

التميز رؤى حول فيروس كوفيد-19 وأمراض الكبد

رؤية مقدمة من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

إحدى الحقائق المثبتة حول فيروس كورونا (كوفيد-19) هي أن شدة الإصابة بالفيروس تزداد مع تقدم العمر، وتتفاقم لدى المرضى الذين يعانون من ظروف صحية كامنة وحرجة. في نسخة هذا الأسبوع، يناقش خبراء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي مدى تأثير الإصابة بفيروس كوفيد-19 على الكبد ومضاعفاته بالنسبة للمرضى الذين يعانون من أمراض الكبد.

ما هي الحقائق المعروفة حتى الآن؟

يغطي مصطلح أمراض الكبد تشخيص أمراض كبدية متعددة تشمل مرض الكبد الدهني، ومرض الكبد الدهني غير الكحولي، والتهاب الكبد، تشمّع الكبد (أو التليّف الكبدي)، وسرطان الكبد. بوجه عام، تتسبب أمراض الكبد في وفاة ما يقرب من مليوني شخص في جميع أنحاء العالم سنويًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مضاعفات تنتج عن تشمّع الكبد، والباقي بسبب الالتهابات الكبدية الفيروسية والأورام السرطانية بالكبد.

السمة الرئيسية التي تجمع بين المرضى الذين يعانون من أمراض الكبد هي التليّف الكبدي المتقدم، وهي حالة يمكن أن يؤدي فيها اعتلال الكبد بشكل مزمن أو الالتهاب المزمن إلى ترك ندبات على أنسجة الكبد، وبالتالي منع التعافي الذاتي وضعف مستوى وظائف الكبد. وتتراوح الإصابة بتليف الكبد، وهي مرحلة متأخرة من الاعتلال الكبدي في عموم السكان، بين 4.5٪ و9.5٪.

في قطر، ووفقًا لإحصاءات عام 2017، يحتل تليف الكبد المرتبة السابعة كسبب رئيسي للوفاة. ومن الناحية السريرية، يجري تشخيص التليف الكبدي من خلال فحوصات وظائف الكبد غير الطبيعية، مثل إنزيم الألانين أمينوترانسفيراز، ومؤشر نسبة ناقلة أمين الأسبارتات، وإجمالي البيليروبين، جنبًا إلى جنب مع التشوهات الموضحة من خلال التصوير بالمسح الفيبروسكان (وهو نوع متخصص من المسح بالموجات فوق الصوتية صُمم خصيصًا للكشف عن مشكلات الكبد)، لمعرفة المزيد، انظر (الشكل رقم 1).

Figure.1 Potential mechanisms of liver injury

وكما لُوحظ في السابق، فإن المدخل الرئيسي لفيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة النوع 2 (سارس-كوف-2) أو ما يُعرف بفيروس كوفيد-19 لإصابة الخلايا البشرية يكون من خلال الإنزيم المحول لمستقبلات الأنجيوتنسين 2، الذي يظهر في الغالب في الجهاز التنفسي. ومع ذلك، تم العثور على هذا الإنزيم أيضًا بنسبة صغيرة في خلايا الكبد (2.6٪)، وفي (59.7٪) من الخلايا الظهارية للقناة الصفراوية، الأمر الذي يتيح للفيروس إصابة هذه الخلايا والإخلال بوظائف الكبد. 

إلى جانب النتائج الشائعة ذات الصلة بكوفيد-19 والالتهاب الرئوي غير النمطي، تظهر مستويات أولية مرتفعة من إنزيم الألانين أمينوترانسفيراز، وانخفاض في مستوى الألبومين وعدد الصفائح الدموية، ما يشير بشكل جماعي إلى خلل وظيفي في الكبد يرتبط بارتفاع معدل الوفيات. وبالإشارة إلى الأبحاث التي نشرت مؤخرًا حول هذا الموضوع، أظهر المرضى الذين يعانون من إصابة شديدة بفيروس كوفيد-19 معدلاً مرتفعًا من فحوصات وظائف الكبد غير الطبيعية بمقدار مرتين، مقارنة بأولئك الذين يعانون من إصابة معتدلة بكوفيد-19، مما يشير إلى تلف محتمل بالكبد، إضافة إلى أعراض حادة بالجهاز التنفسي (التأثير الأساسي لعدوى كوفيد-19). علاوة على ذلك، أظهر المرضى الذين يعانون من مشاكل في وظائف الكبد مستويات أعلى من السيتوكين والكيموكين المصلي المحرض على الالتهابات، وهي إحدى سمات عاصفة السيتوكينات المصاحبة للإصابة بكوفيد-19 الشديدة، مقارنة بأولئك الذين يتمتعون بوظائف كبد طبيعية.

تُعد الأهمية السريرية للخلل الكبدي المصاحب لمرض كوفيد-19 ومدى انتشاره غير واضحة تمامًا لندرة الدراسات المتوافرة حول الموضوع.. من هنا، يحاول العلماء استيعاب ما إذا كانت هذه المضاعفات ناتجة عن المرض نفسه، أو نتيجة لعوامل أخرى مثل رد فعل الجسم الالتهابي أو المضاعفات الدوائية. وغالبًا ما ترتبط العدوى الفيروسية الجهازية بارتفاع مؤقت في المؤشرات الحيوية للكبد ناتج عن التنشيط المناعي دون الإخلال بوظائف الكبد وهي ظاهرة تعرف باسم التهاب كبدي عابر. ويمكن للأدوية الموصوفة حاليًا والمستخدمة للتخفيف من بعض أعراض كوفيد-19 الشديدة أن تتسب في إجهاد الكبد لدى المصابين بالفيروس والذين يعانون من أعراض شديدة، خاصةً بالنسبة للمرضى الذين يعانون بالفعل من مشاكل في الكبد بشكل مسبق. علاوة على ذلك، قد يتفاقم اعتلال الكبد بشكل ملحوظ ويكون ناتج عن تناول أدوية مثل مضادات الفيروسات، والمضادات الحيوية، وخافضات الحرارة ومسكنات الألم. وقد يتعرض المرضى الذين يعانون من تليف كبدي والمصابين بكوفيد-19 لخطر متزايد يتعلق بإمكانية الإصابة بفشل كبدي حاد ومزمن.

وقد أظهرت تقارير حول أمراض الكبد لدى المصابين بفيروس كوفيد-19 تغيّرًا دهنيًا خفيفًا، وهو مصطلح يستخدم لوصف تراكم الدهون الزائدة على الكبد. وغالبًا ما يعاني مرضى الكبد الدهني غير الكحولي من تنكس دهني مرتبط بالأمراض المصاحبة، مثل مرض السكري، والسمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ما يجعلهم أكثر عُرضة للإصابة بنوع حاد من فيروس كوفيد-19.

وعلى المستوى الخلوي، ظهر لدى مرضى الكبد الدهني غير الكحولي شكل من أشكال الاستقطاب أو التنشيط لنوع متخصص من الخلايا المناعية، والخلايا البلعمية الكبدية (زيادة في نسبة الخلايا البلعمية M1 المُحرضة للالتهاب وخلايا بلعمية M2 كابحة للالتهاب)، والتي يمكن أن تلعب دورًا في تطور العدوى بفيروس كوفيد-19. كما أن هنالك توافق على أن مرضى الكبد الدهني غير الكحولي قد ظهرت عليهم مخاطر أعلى تتعلق بتطور الإصابة الشديدة بفيروس كوفيد-19 واحتياجهم لوقت أطول للتخلص من الفيروس والتعافي منه.

علاوة على ذلك، يمثل ضعف جهاز المناعة  عاملاً محوريًا يجعل من الصعب مكافحة فيروس كوفيد-19 لدى المرضى الذين يعانون من أمراض الكبد. فعندما يصاب الأشخاص الذين يعانون من أمراض الكبد بكوفيد-19، لا سيما أولئك الذين يعانون من أمراض الكبد المناعية الذاتية، أو المرضى الذين أُجريت لهم عمليات زراعة أعضاء، أو أولئك الذين يعانون من سرطان في الكبد ويخضعون للعلاجات المثبطة للمناعة، فإنهم يتعرضون لخطر متزايد عند الإصابة بالفيروس بسبب جهاز المناعة المنهك لدى هؤلاء المرضى.

وبالتالي، هناك العديد من الاعتبارات السريرية المهمة عند تقييم المخاطر لدى المرضى الذين يعانون من أمراض الكبد بشكل مسبق وقت إصابتهم بفيروس كوفيد-19، كما هو مفصل في الجدول رقم (1).
 

الجدول (1): المخاطر التي يجب مراعاتها لدى مرضى الكبد المصابين بفيروس كورونا

المراجع

المضاعفات

المخاطر

دبليو يو واي وآخرون

إمكانية انتقال الفيروس عبر البراز والفم.

إفراز الكبد والقنوات الصفراوية للمنتجات الفيروسية في الجهاز الهضمي، حيث يمكن لمرضى كوفيد-19 التخلص من الفيروس في البراز لعدة أيام بعد اختفاء جميع الأعراض بالجهاز التنفسي.

إكس يو، زي وآخرون

إل أي إكس وآخرون

زيادة خطر الإصابة

قد يوفر التثبيط المناعي الخفيف بعض الحماية من الأمراض المناعية وتلف بالرئتين والفشل متعدد الأعضاء في حالات كوفيد-19 ذات الأعراض الأكثر خطورة.

تأثير العلاج المثبط للمناعة على شدة ومسار الإصابة بفيروس كوفيد-19

 

بويتلر، تي وآخرون

زيادة في خطر الإصابة

الخلل المناعي المرتبط بتليف الكبد لدى مرضى الكبد في الحالات المزمنة المتقدمة

بويتلر، تي وآخرون

تليف كبدي متقدم

إجهاد جهاز المناعة في حالة الإصابة بفيروس كوفيد-19 ومضاعفاته على أمراض الكبد المزمنة

ألبيلوس، أيه وآخرون

يتحول رد الفعل المناعي في تحولات تليف الكبد بشكل أساسي من "محرض على الالتهاب" لدى المرضى الذين يعانون من تليف الكبد غير التعويضي المستقر إلى "نقص المناعة" في الغالب لدى المرضى الذين يعانون من تليف كبدي لا تعويضي شديد وفشل وظيفي عضوي بخلاف الكبد

تدهور وظائف الكبد ورفض الطعم نتيجة للإصابة بفيروس كوفيد-19

 

توصيات العلاج 

لا يوجد حتى الآن دواء واحد محدد ومعتمد لعلاج عدوى كوفيد-19. ومع ذلك، هناك العديد من الأدوية المعاد استخدامها التي جرى اختبارها خلال جائحة كورونا المستمرة، ولا يزال بعض هذه الأدوية قيد الفحص والدراسة. وهناك مشكلة أساسية، خاصة بالنسبة للمرضى الذين يعانون من أمراض الكبد الكامنة والمزمنة، وهي المضاعفات السُمية الكبدية لبعض العلاجات، لأن الكبد يلعب دورًا محوريًا في التخلص من السموم الناتجة عن تعاطي الأدوية. لذلك، يجب مراقبة المرضى الذين يُعالجون ببعض الأدوية المثبطة للمناعة عن كثب، فلربما يواجهون تفاعلات متعددة مع هذه الأدوية. نوضح أدناه اعتبارات محددة للأدوية المستخدمة في مواجهة جائحة كوفيد-19 الحالية:

  • يجب استخدام لوبينافير/ ريتونافير كإنزيم مثبط للبروتاز المضاد لفيروسات النسخ العكسي بحذر لأن العلاج المضاد لفيروسات النسخ التنكسي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التهاب الكبد الفيروسي (ب) و(ج) الموجود سابقًا، حيث يمكن أن يتسبب هذا العلاج في ارتفاعات طفيفة وذاتية التحديد في مستويات الإنزيم الناقل للأمينو المصلي.
  • هيدروكسي كلوروكين علاج مضاد للملاريا لم تُلحظ له مخاطر تتعلق بمشكلات في الكبد دون مضاعفات واضحة على هذا العضو. ومع ذلك، لا يزال هيدروكسي كلوروكوين قيد الدراسة كخيار علاجي لمرضى كوفيد-19، حيث لم تُظهر أي بيانات سريرية فائدة واضحة له ضد المرض على الرغم من أنه يشكل خطرًا يتعلق بمضاعفات قلبية جانبية خطيرة.
  • توسيليزوماب هو عبارة عن جسم مضاد يستهدف إنترلوكين‐6، باعتباره سيتوكين التهابي. وبشكل عام، يرفع هذا الجسم المضاد بشكل معتدل ومؤقت مستويات ناقل أمين الألانين / ناقل أسبارتات و (TB) في المصل. وقد تم إعطاء توسيليزوماب بطريقة آمنة للمرضى الذين يعانون من أمراض الكبد دون حدوث مضاعفات شديدة. الأهم من ذلك، قد يزيد توسيليزوماب من خطر إعادة تنشيط فيروس التهاب الكبد (ب).
  • ارتبط إيفرمكتين، وهو علاج مضاد للطفيليات، بزيادة مؤقتة في الإنزيم الناقل للأمينو المصلي، وتم الإبلاغ عن حالات عرضية لإصابات كبدية سريرية.
  • ريمديسفير هو نظير جديد للنيوكليوتيد، وهو قيد الدراسة في الوقت الحالي، وليس له تاريخ كعلاج مستخدم مع مرضى تليف الكبد. ويواجه ما يقرب من 25% من المرضى الذين يستخدمون هذا الدواء ارتفاعًا في مستويات إنزيم أمينوترانسفيراز.

وقد أثار الانتشار العالمي السريع لفيروس كوفيد-19 العديد من الأسئلة الصعبة والمخاوف المتعلقة بالصحة العامة. وعلى الرغم من أن الكبد هو العضو الأكثر تأثرًا بفيروس كوفيد-19 خارج الجهاز التنفسي، لا تزال هنالك حاجة إلى مزيد من المسح المكثف والمنهجيات العلاجية المصممة خصيصًا لحالات كوفيد-19 الخطرة، خاصة بين أولئك الذين يعانون في السابق من أمراض الكبد المتقدمة. وعلى الرغم من عدم تحديد الفيزيولوجيا المرضية والمضاعفات المترتبة على إصابة الكبد المصاحبة للإصابة بفيروس كوفيد-19 بشكل كامل حتى الآن، إلا أن الكشف المبكر والعلاج في الوقت المناسب لمرضى الكبد  يعتبران ضروريان للغاية. وتظل المراقبة الدقيقة والإلتزام بتدابير الحماية لتجنب الإصابة بفيروس كوفيد-19 أفضل الوسائل الدفاعية.

المشاركون في هذه الدراسة: 

د. ألفة خليفة (باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي) ود. نائلة العقل (باحث أول مشارك، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
رسوم توضيحية: د. ألفة خليفة ود. نائلة العقل
مراجعة النص العربي واعتماده: د. نور مجبور (باحث مشارك، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
المحررون: د. أدفيتي نايك (باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي) ود. ألكسندرا باتلر (باحث رئيسي، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
 

 

أخبار متعلقة

تسلط الضوء على اليوم العالمي للسكري 2020

في خضم الجائحة العالمية الحالية التي نتجت عن تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، من المهم أن نركز على الحالات الطبية الشائعة والمعقدة الأخرى مثل مرضى السكري.

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة ينشران دراسة مشتركة حول أداة لتقييم خطورة فحص مقدمات السكري

اشترك علماء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة، التابعَين  لجامعة حمد بن خليفة، في نشر أول تقييم للخطورة لفحص مقدمات السكري في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد واحدةً من أعلى معدلات الإصابة بهذا المرض في العالم.