كيف ستشكّل جائحة كورونا مستقبل المنطقة العربية؟
Hamad Bin Khalifa University

الإنسان كيف ستشكّل جائحة كورونا مستقبل المنطقة العربية؟

كتبه: الدكتور أنيس بن بريك

إضافة إلى الآثار البشرية المدمرة لجائحة كورونا (كوفيد-19) التي اجتاحت المنطقة العربية في الأشهر الأخيرة، فقد تسبب تفشي الفيروس في إحداث حالة من الارتباك الاجتماعي والاقتصادي الكبير في المنطقة، مدفوعًا على وجه الخصوص بهبوط في الطلب على المستويين المحلي والخارجي، وتباطؤ تجاري، وتعطل في الإنتاج، وتراجع في مستوى ثقة المستهلك، وتقشف في الأوضاع المالية.

وفقًا للبنك الدولي، من المتوقع أن تؤدي هذه الصدمة الاقتصادية إلى تفاقم مشكلات البطالة والفقر في المنطقة العربية، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن المنطقة العربية يمكن أن تخسر قرابة 42 مليار دولار من إيراداتها هذا العام بسبب هذه الجائحة. وتقدّر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) أن التباطؤ الاقتصادي سيدفع 8.3 مليون شخص إضافي في هذه المنطقة نحو خط الفقر.

ارتفاع نسبة البطالة

واستنادًا إلى منظمة العمل الدولية، من المتوقع أن تشهد المنطقة العربية فقدان نحو 6 ملايين وظيفة بدوام كامل خلال الربع الثاني من عام 2020، حيث سيؤدي ذلك بشكل مباشر إلى تراجع في مستويات الدخل، خاصة في البلدان التي تتسم بمحدودية الفضاء المالي وضعف في سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك، قد تشهد المنطقة العربية تآكل الطبقة ذات الدخل المتوسط، ما يدفع 8.3 مليون شخص إلى الفقر، ويتسبب في معاناة 1.9 مليون شخص من نقص في الغذاء.

حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن التحويلات، التي تشكل شريان حياة للعديد من الأسر في جميع أنحاء المنطقة، ستنخفض بنسبة 20%. علاوة على ذلك، يمكن أن تشهد المنطقة العربية، التي يقدّر متوسط مستوى إنفاقها على الواردات الغذائية بنحو 110 مليار دولار، نقصًا في الغذاء وارتفاعًا في الأسعار، إذا استمرت هذه الجائحة الممتدة في تعطيل الإمدادات الغذائية على مستوى العالم. بالإضافة إلى ذلك، سيكون لكوفيد-19 تأثير سلبي على الفئات المحرومة في المجتمعات العربية، التي تشمل اللاجئين، والمشردين، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، والعاملين في القطاعات غير الرسمية، فضلاً عن المرأة التي تهيمن على قطاع الرعاية، ولديها درجة أقل من الحماية الاجتماعية.

ويبقى هناك احتمال أن تتسبب هذه الجائحة في تفاقم التباينات والفوارق الاجتماعية والاقتصادية، حيث يواجه العمال المهاجرون، واللاجئون، والأسر الفقيرة التي تمثل نسبة كبيرة من المجتمعات العربية، ضغوطًا أشد على مصادر دخلهم. ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، سوف يفاقم التباطؤ الاقتصادي من ضعف فرص الشباب في سوق العمل في جميع أنحاء المنطقة. علاوة على ذلك، يمكن أيضًا أن يكون لهذه الأزمة تأثير سلبي على مخيمات اللاجئين المكتظة بالسكان في عموم المنطقة، ما سيمثل تهديدًا إنسانيًا كبيرًا آخر يحتاج إلى إجراءات وقائية فورية.

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مرحلة ما بعد الجائحة

في عالم ما بعد كوفيد-19، من المتوقع أن تختلف المنطقة العربية عما كانت عليه قبلها. من جانبها، أتخذت العديد من الحكومات العربية سلسلة من الإجراءات، للحد من أنشطة النقل وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، وعلّقت الدراسة في المدارس والجامعات، وحظرت التجمعات في الأماكن العامة، وفرضت الحجر الصحي، وطبقت حظر التجول. ومن الواضح أن الوضع مختلف وفقًا لتصور دول الخليج، وبلاد الشام، ودول شمال أفريقيا. كما أن هذه الإجراءات لم تطبق بنفس الدرجة من الصرامة في البلدان الضعيفة التي مزقَّتها الصراعات.

من جانب آخر، تبنت بعض دول المنطقة تدابير سريعة وحاسمة ومبتكرة لاحتواء الفيروس، مثل الاستعانة بأطباء افتراضيين، وروبوتات تعقيم، والتوجه نحو زيادة إنتاج الأقنعة المحلية. وفي نفس الوقت، أعلنت دول الخليج عن حزم تحفيز اقتصادي بلغ مجموعها 97 مليار دولار. تهدف حزمة قطر البالغة 75 مليار ريال قطري (20.5 مليار دولار أو ما يقرب من 13% من إجمالي الناتج المحلي) إلى تخفيف تبعات جائحة كوفيد-19، ودعم الشركات الصغيرة والقطاعات التي تضررت بشدة بسبب هذه الجائحة.

في حين، تعاني دول أخرى مثل اليمن وليبيا وسوريا والعراق وفلسطين، من ضعف في القدرة على الاستجابة لمعالجة التبعات المدمرة لتفشي الوباء. ومع ذلك، فقد أكدت جائحة كورونا على أهمية التضامن والتعاون على المستوى الإقليمي، وكشفت عن زيف الانعزالية. وعلى هذا النحو، فإن الأزمة الحالية تعزز الحاجة إلى إنشاء إطار للتضامن الإقليمي الذي لا يستثني أحدًا.

وسيساعد هذا الإطار في التخفيف من الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية السلبية لكوفيد-19، وسيعمل على تعزيز التعاون على مستوى المنطقة، علمًا بأن الشكل الذي ستبدو عليه هذه المنطقة في مرحلة ما بعد الجائحة سوف يعتمد على الخيارات التي تتخذها حكوماتها.

كتبه:
د. أنيس بن بريك أستاذ مشارك في كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة في قطر.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب، والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.
 

أخبار متعلقة

مسارات التحول في خضم الأزمات - العلم والتعلم الاجتماعي وتمكين المواطن عوامل أساسية

تزامن مقالنا الأخير الذي دعا إلى عقد اجتماعي جديد وأعقبه أحداث عالمية مهمة مثل الإعلان عن إمكانية توفر لقاح فعال قبل نهاية هذا العام من ناحية، وترقب نتائج الانتخابات الأمريكية من ناحية أخرى.

كلية السياسات العامة تشارك في منتدى لمناهضة التطرف

يعيش العالم مرحلة استثنائية في ظل الظروف الحالية والمستمرة. ونظرًا لتطوّر السياق العالمي بوتيرة متسارعة، أدت جائحة كورونا (كوفيد-19) إلى صعود التطرف والعنف، وأوجدت حالة من الديناميكيات الصعبة، مثل التوترات الدينية والعرقية، وقضايا الصحة العقلية، والعنف الأسري، وكلها قضايا تحتاج إلى معالجة.