العالم في سباق مع الزمن لتطوير لقاح لفيروس كورونا
Hamad Bin Khalifa University

التميز العالم في سباق مع الزمن لتطوير لقاح لفيروس كورونا

رؤى مقدمة من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

لا شك أن نمط "الحياة الطبيعية" في جميع أنحاء العالم قد تغيّر تمامًا في ظل تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، الناجم عن المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس-2). في حلقة هذا الأسبوع، يناقش خبراء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي الأسباب التي تجعل من توفير لقاح لعلاج الفيروس الأمل الوحيد للعودة إلى نمط "الحياة الطبيعية"، ويسلطون الضوء على التقدم الأخير في النُهج المتعددة الجوانب ذات العلاقة بتطوير لقاح لفيروس كوفيد-19.

الأنماط الوبائية والعِبَر التاريخية

نتيجة لتفشي كوفيد-19، تم تطبيق إجراءات تخفيف أثر الجائحة، مثل العزل والتباعد الاجتماعي والحجر الصحي والإغلاق العام في معظم البلدان، بما في ذلك قطر، خلال الشهرين الماضيين. ومع بدء بعض الدول في تخفيف قسم من هذه التدابير، لا يزال الغموض يلوح في الأفق تجاه تفاصيل كثيرة تتعلق بهذه الجائحة المستمرة حتى الآن. ومع أن (سارس-2) يعتبر أحد الفيروسات المعروفة لنا في السابق، فإن هذا التاريخ الثري يمكن أن نتعلم منه الكثير.

كان وباء إنفلونزا (H1N1)، الذي تفشى في عامي 1918-1919، الأسوأ في التاريخ الحديث، حيث أصيب به حوالي 500 مليون شخص، مثَّلوا ثلث سكان العالم آنذاك، مما أدى إلى ما لا يقل عن 50 مليون حالة وفاة على مستوى العالم. وقد لُوحظ أن هذه الجائحة تفشت على ثلاث موجات. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وقعت أول موجة تفشي لهذا الجائحة في الفترة من مارس إلى يونيو 1918، ووقعت الموجة الثانية في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر من نفس العام، تلتها الموجة الثالثة بين شهري فبراير ومارس 1919.

وفي أسبانيا، اجتاح نفس الوباء المعروف باسم "الإنفلونزا الأسبانية" على ثلاث موجات: الأولى بين شهري مايو ويوليو 1918، والثانية بين شهري سبتمبر وديسمبر 1918، والثالثة بين شهري يناير ويونيو 1919. وفي كلا الدولتين، كانت أشد حالات التفشي من حيث الوفيات تلك التي وقعت خلال الموجة الثانية. وترجع بعض أسباب شدة وباء عامي 1918-1919 إلى نشوب الحرب العالمية الأولى، مع توزيع الأطباء لأداء مهام الخدمة العسكرية، ومحدودية الرعاية الطبية، ونقص الاختبارات التشخيصية.

ومنذ ذلك الحين، حققت البشرية تقدمًا كبيرًا في العلوم والتكنولوجيا والرعاية الصحية. وعلى الرغم من ذلك، حذرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في 21 أبريل 2020 من أن موجة ثانية من كوفيد-19 قد تقع في فصل الشتاء القادم، وستكون أكثر حدة، بسبب الأوبئة المتزامنة الناجمة عن فيروس الإنفلونزا الموسمية وفيروس (سارس-2).

وقد أشارت دراسة حديثة للنماذج الرياضية نُشرت في المجلة العلمية "ذا لانسيت" إلى أن تخفيف التدابير الصارمة ذات العلاقة بالعزل والتباعد الاجتماعي والتنقل من شأنه أن يزيد من حالات الإصابة التراكمية مرة أخرى، بسبب عدم اكتمال مناعة القطيع، التي من المتوقع اكتمالها إما في 2021 أو 2022، في حال عدم توفر لقاح للفيروس. بالإضافة إلى ذلك، فإن للطفرات التي يمر بها فيروس كورونا تبعات محتملة خطيرة على تطوير اللقاح. وعند البدء في تخفيف التدابير المطبقة، يجب أن تكون هناك تدابير وقائية أخرى، بما في ذلك، العزل والتباعد الاجتماعي، والتغيّرات السلوكية، مثل المداومة على غسل اليدين وتعزيز الوعي العام، وكذلك إجراء الاختبارات بشكل مكثف، واقتفاء أثر مخالطي المصابين بالفيروس. وحتى توفر لقاح للفيروس، نحتاج إلى التكيّف مع هذا "النمط الحياتي الجديد".
 

Pandemic peaks in U.S.

 

الإستراتيجيات اللازمة لتطوير لقاح لكوفيد-19

يُمثل الوصول إلى لقاح فعال لفيروس كورونا أفضل أمل للبشرية لإنهاء هذه الجائحة. ولا شك أن تطوير اللقاحات عملية مُكلفة وتحتاج إلى وقت طويل، قد تمتد من خمس إلى عشر سنوات من البحث العلمي، والتجارب السريرية على الحيوانات والبشر، والتحليل وفقًا للنموذج التقليدي.

ومع ذلك، يتطلب الوضع الحالي لهذه الجائحة استجابة فورية. ويجري الآن النظر بعين الاعتبار في نماذج خاصة لكوفيد-19 لتقليل الوقت المستغرق في إجراء التجارب، من خلال التطبيق المتوازي لمراحل مختلفة، مثل إجراء التجارب على الحيوانات وعلى الإنسان في مرحلته الأولى في نفس الوقت.

ونتيجة لذلك، تشير بعض التوقعات إلى أن لقاح فيروس كورونا سيكون متاحًا في بداية العام المقبل. من جانب آخر، يتضمن المشهد العالمي لمطوري لقاح كوفيد-19 اضطلاع الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة (46٪) من الجهود البحثية المبذولة، وآسيا وأستراليا (36٪) وأوروبا (18٪). وهناك ما يقرب من 120 لقاحًا مختلفًا لفيروس كورونا قيد التطوير حاليًا، بما في ذلك 75 لقاحًا منها قيد الاستخدام حاليًا في التجارب السريرية في جميع أنحاء العالم وفقًا لموقع (https://clinicaltrials.gov/). وتقوم ست مجموعات على الأقل من العلماء باختبار تقنيات مختلفة، حيث بدأ عدد قليل منهم في حقن المتطوعين بتركيبات، بينما يقوم آخرون باختبار هذه اللقاحات على الحيوانات.

تعمل هذه اللقاحات عن طريق تنشيط جهاز المناعة لمواجهة الفيروس، سواء باستخدامه بأكمله أو جزء محدد منه، ولكنها لا تسبب المرض. وتقوم سبعة فرق بحثية بتطوير لقاحات باستخدام الفيروس نفسه، من خلال تركيبة ضعيفة أو معطلة المفعول، وهي تركيبة تحاول تعطيل مفعول الفيروس عن طريق العلاج بمواد كيميائية مثل الفورمالين.

ومن جهة أخرى، اُستخدمت في الماضي تكنولوجيا مماثلة لتطوير لقاحات لمواجهة الحصبة وشلل الأطفال والسُل. وعلى نحو مماثل، بدأت التجارب السريرية على البشر مع إصدارات مخففة من كوفيد-19 قدّمتها شركة كوداجينكس (Codagenix) بالولايات المتحدة الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل 25 مجموعة من الباحثين على اللقاحات الفيروسية القائمة على ناقلات الأمراض، وهي فيروسات مُعدلة وراثيًا تنتج بروتينات فيروس كورونا داخل جسم الإنسان، وتعزز الاستجابة المناعية ضد كوفيد-19. وهذه إستراتيجية مشابهة لتطوير لقاحات للحماية من أمراض الإيبولا والإنفلونزا والحصبة.

علاوة على ذلك، يستهدف 20 فريقًا بحثيًا إنتاج لقاحات تعتمد على الحمض النووي أو الحمض النووي الريبوزي، باستخدام الإرشادات الجينية للبروتين الشوكي لفيروس كورونا، من أجل تحفيز الاستجابة المناعية لدى المصابين بكوفيد-19. وعلى الرغم من أن إنتاجها لا يستغرق سوى وقتًا قصيرًا، فحتى الآن لم تتم الموافقة على هذه اللقاحات التي تعتمد على الحمض النووي لعلاج البشر. وقد تم تطوير لقاحات ترتكز على البروتين الشوكي في الماضي لمكافحة فيروسات تاجية أخرى، وجرى اختبارها على القرود، ومع ذلك، لا توجد بيانات متاحة بشأن اختبارها على البشر.

وقد انتقل العمل في العديد من اللقاحات المحتملة والواعدة مؤخرًا إلى المرحلة الأولى من التطوير، كما يُبين (الجدول 1). علاوة على ذلك، يجري إعادة استخدام لقاحات (Bacillus Calmette-Guérin) شائعة الاستخدام والمعروفة ضد السُل من أجل مكافحة فيروس كورونا من قبل ثمانية فرق بحثية في التجارب السريرية الأكثر تقدمًا في مرحلتها الثالثة، كما هو مبين في (الجدول 2). ووفقًا للتقارير الأخيرة، قد تُقدّم لقاحات السُل هذه وقاية غير محددة للعاملين في قطاع الرعاية الصحية ضد كوفيد-19.

وإلى أن يتم تحديد اللقاح الأمثل لمكافحة فيروس كورونا، سيكون التحدي التالي هو كيفية إنتاج ما يكفي منه لتوزيعه على مستوى العالم. بالتالي، تبقى هنالك حاجة مُلحة لتعاون الجميع على مستوى العالم لمكافحة جائحة كورونا.

أنواع لقاحات كوفيد-19

أنواع لقاحات كوفيد-19

Adapted from Callaway, 2020. DOI: 10.1038/d41586-020-01221-y

 

الجدول (1): التجارب السريرية للقاحات كوفيد-19

الجدول (1): التجارب السريرية للقاحات كوفيد-19

 

الجدول (2): التجارب السريرية لإعادة استخدام لقاحات السُل في مكافحة كوفيد-19

 

الجدول (2): التجارب السريرية لإعادة استخدام لقاحات السُل في مكافحة كوفيد-19

المساهمون في هذه الدراسة:

الأنماط الوبائية والعِبر التاريخية: د. يوشي كوباياشي (باحث ما بعد الدكتوراه)
الإستراتيجيات اللازمة لتطوير لقاح لكوفيد-19: د. مانجولا نانداكومار (باحث مشارك) ود. راميش إلانجو (باحث ما بعد الدكتوراه)
الرسوم التوضيحية: د. يوشي كوباياشي (باحث ما بعد الدكتوراه) ود. مانجولا نانداكومار (باحث مشارك)
المحررون: د. أدفيتي نايك (باحث ما بعد الدكتوراه) ود. ألكسندرا بتلر (باحث رئيسي)
مراجعة المحتوى العربي واعتماده: د. نور مجبور

لتصفح المراجع، يُرجى الضغط هنا.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.
 

أخبار متعلقة

تسلط الضوء على اليوم العالمي للسكري 2020

في خضم الجائحة العالمية الحالية التي نتجت عن تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، من المهم أن نركز على الحالات الطبية الشائعة والمعقدة الأخرى مثل مرضى السكري.

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة ينشران دراسة مشتركة حول أداة لتقييم خطورة فحص مقدمات السكري

اشترك علماء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ومعهد قطر لبحوث الحوسبة، التابعَين  لجامعة حمد بن خليفة، في نشر أول تقييم للخطورة لفحص مقدمات السكري في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد واحدةً من أعلى معدلات الإصابة بهذا المرض في العالم.