أهمية الحوكمة الرشيدة | جامعة حمد بن خليفة
Hamad Bin Khalifa University

البيانات الصحفية أهمية الحوكمة الرشيدة

الدكتور ليزلي بال عميد كلية السياسات العامة

يفترض العارفون بأهداف التنمية المستدامة افتراضًا منطقيًا أن تلك الأهداف ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد والتنمية والبيئة والاستدامة، وهم محقون في ذلك ولو بشكلٍ جزئي. ولكن التحدي الأكبر الماثل أمامنا، وخصوصًا في الدول الواقعة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هو نظام الحوكمة.

وقد تبنت جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر في عام 2015، مع وضع تاريخ مستهدف للانتهاء من تحقيقها في عام 2030، وهو ما يعني أنه بات لدينا 10 سنوات فقط لتحقيق هذه الأهداف ومنها على سبيل المثال لا الحصر: القضاء على الفقر والجوع، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتوفير مصادر طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، ومعالجة قضايا المناخ. وهذه هي التحديات الكبرى التي تواجه جميع الحكومات، وليس فقط حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولكن الهدف الأصعب من بين أهداف التنمية المستدامة هو ذلك الذي يغفل الناس ذكره إلا في ما ندر، وهو الهدف السادس عشر الذي يطالب الحكومات "ببناء مجتمعات مسالمة وشاملة لتحقيق التنمية المستدامة، وتحقيق العدالة للجميع وبناء مؤسسات فعالة ومسؤولة وشاملة على جميع المستويات".

وتتميز جميع أهداف التنمية المستدامة بارتباطها بغايات محددة، حيث تشتمل الغايات المرتبطة بالهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة على تعزيز حكم القانون على المستويات الوطنية والدولية، وضمان المساواة في الوصول إلى العدالة للجميع، ومكافحة الفساد والرشوة بجميع أشكالها، وتطوير مؤسسات فعالة ومسؤولة وشفافة على جميع المستويات، وضمان اتخاذ قرارات سريعة الاستجابة وشاملة وقائمة على المشاركة وممثلة لكافة أطياف المجتمع على جميع المستويات، وكفالة وصول أفراد المجتمع إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية، وفقًا للتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية.

هذه قائمة مألوفة لمكونات "الحكم الرشيد" كما حددتها المؤسسات الدولية الكبرى مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على مدار العشرين عامًا الماضية، ولكنها أكثر من مجرد قائمة، حيث تعزز بعضها بعضًا، ومن الصعب تحقيق أحد المكونات بدون الآخر.

فإذا ما تناولنا مسألة القضاء على الرشوة والفساد على سبيل المثال، يجب أن نطرح السؤال التالي: كيف يمكن تحقيق ذلك إذا كانت المحاكم تخضع للقادة السياسيين ورجال الأعمال؟ ولا يمكن معالجة الفساد بحق دون تعزيز حكم القانون، الذي يحتاج إلى المساءلة والشفافية، وهو ما يعني وصول الأفراد إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية.

ويصبح الأمر أكثر تعقيدا، حيث أن هدف "اتخاذ القرارات سريعة الاستجابة والشاملة والقائمة على المشاركة والممثلة لكافة أطراف المجتمع على جميع المستويات" هو هدف أقل ارتباطًا بالحكومات من المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية. ولا يتعلق الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة بالمؤسسات الحكومية فحسب، بل إنه يتعلق كذلك بعلاقة الحكومة بالمجتمع.

ويتزايد تعقيد الأمر بشكل أكبر لأن الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة يرتبط بغاية تتعلق بتعزيز أداء المؤسسات "الفعالة" على جميع المستويات، بالإضافة إلى دعم عملية المساءلة والشفافية والمشاركة. وليس من الواضح ما الذي يعنيه ذلك في سياق الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة، ولكن يجب أن يكون له علاقة بالنتائج والأهداف الخاصة بأهداف التنمية المستدامة الأخرى. فعلى سبيل المثال، سيتطلب تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة بشأن التعليم الجيد وغايته المتمثلة في تعزيز "المساواة في وصول جميع النساء والرجال للتعليم التقني والمهني والعالي الجيد برسوم معقولة، بما في ذلك التعليم الجامعي" ضخ استثمارات ضخمة وإنشاء مؤسسات تعليمية مصممة بشكلٍ جيدٍ.

وسوف يعتمد تحقيق معظم أهداف التنمية المستدامة الأخرى على وجود مؤسسات حكومية فعالة مثل الهدف الثامن المتعلق بضمان العمل اللائق والنمو الاقتصادي، والهدف الثامن المتعلق بالابتكار والصناعة والبنية التحتية، والهدف الثالث عشر المتعلق بالعمل المناخي.

وخلاصة القول هي أن أهداف التنمية المستدامة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الحكم الرشيد والفعال. وينص الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة على ذلك صراحةً، ولكنه متضمن كذلك في معظم أهداف التنمية المستدامة الأخرى وغاياتها. ولا يتعلق التحدي المرتبط بضمان الحكم الرشيد فقط بالشعارات البراقة والغامضة، ولكنه يتعلق كذلك بتصميم المؤسسات، وقدرات الحكومات، والعلاقات الجيدة بين الحكومات والمجتمعات.

فما هو التقدم الذي تحقق، وما فرص النجاح بحلول عام 2030؟ بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي ضوء تنوع المواقف وشدة الصراع في العديد من البلدان، تبدو النتائج متفاوتة. ويشير تقرير التنمية المستدامة لعام 2019، الذي نشرته شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، إلى أن "النزاعات في بعض البلدان تؤدي إلى ضعف الأداء وانخفاضه في ما يخص معظم أهداف التنمية المستدامة ولا سيَّما بشأن الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالقضاء على الجوع، والهدف الثالث المتعلق بالرعاية الصحية الجيدة والرفاهة الاجتماعية، والهدف السادس عشر المتعلق بالسلام والعدالة والمؤسسات القوية. 

وفي حين أن معدل الوصول إلى خدمات المياه النظيفة والصرف الصحي والطاقة النظيفة يبدو مرتفعًا بشكل عام، فإن التقرير يدعو إلى بذل المزيد من الجهود للتعامل مع الفساد المستشري بمستويات عالية. ولكن عزاءنا  هو أن الأوضاع في أمريكا اللاتينية والدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى تزداد سوءًا في ما يتعلق بمعظم أهداف التنمية المستدامة عمومًا، والهدف السادس عشر بشكل خاص.

ولا يتمثل التقدم في مجال الحوكمة بالنسبة لجميع البلدان وليس فقط بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في محاولة القيام بكل شيء دفعة واحدة، حيث يفصلنا عن عام 2030 مجرد عقد من الزمان. وإذا ما نظرنا إلى أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر باعتبارها عربة قطار، فما هي المحركات التي ستسحبها إلى المحطة في الوقت المحدد؟ أولا، التعليم، حيث أن النظام التعليمي الجيد يؤدي إلى تأهيل مواطنين متعلمين يساهمون في النمو الاقتصادي وتنمية المجتمع المدني. ثانيًا، مكافحة الفساد وسيادة القانون، إذ أن الدروس المستفادة من الانتفاضات والاحتجاجات الأخيرة حول العالم واضحة، وخلاصتها هي أنه لا يوجد شيء يشعل غضب الجماهير أكثر من الظلم المرتبط باستشراء الفساد وتغلغله. ثالثًا، بناء القدرات في المؤسسات العامة من خلال التدريب ورفع مستويات الكفاءة والجدارة.

ولم يعد يفصلنا عن المهلة المحددة لتحقيق أهداف أجندة 2030 سوى عقد واحد، ويُعد إنجاز الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة عنصرًا أساسيًا للنجاح في هذه المهمة. ويتعين علينا أن نبدأ الآن في العمل على بلوغ هذا الهدف.
 

 

Hamad Bin Khalifa University

أخبار متعلقة

مسارات التحول في خضم الأزمات - العلم والتعلم الاجتماعي وتمكين المواطن عوامل أساسية

تزامن مقالنا الأخير الذي دعا إلى عقد اجتماعي جديد وأعقبه أحداث عالمية مهمة مثل الإعلان عن إمكانية توفر لقاح فعال قبل نهاية هذا العام من ناحية، وترقب نتائج الانتخابات الأمريكية من ناحية أخرى.

كلية السياسات العامة تشارك في منتدى لمناهضة التطرف

يعيش العالم مرحلة استثنائية في ظل الظروف الحالية والمستمرة. ونظرًا لتطوّر السياق العالمي بوتيرة متسارعة، أدت جائحة كورونا (كوفيد-19) إلى صعود التطرف والعنف، وأوجدت حالة من الديناميكيات الصعبة، مثل التوترات الدينية والعرقية، وقضايا الصحة العقلية، والعنف الأسري، وكلها قضايا تحتاج إلى معالجة.