لقاحات فيروس كورونا ورواد هذا السباق | جامعة حمد بن خليفة

لقاحات فيروس كورونا ورواد هذا السباق

31 ديسمبر 2020

رؤية مقدمة من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي

لقاحات فيروس كورونا ورواد هذا السباق

منذ أن بدأت جائحة كورونا (كوفيد-19) قبل عام، ظل هناك أمل مشوب ببعض الشكوك حول إمكانية تطوير سريع للقاح يقي من فيروس SARS-CoV-2، وهو إحدى سلالات الفيروسات التاجية التي تسبب كوفيد-19، الذي أصاب أكثر من 70 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وتسبب في وفاة 1.6 مليون شخص حتى الآن. وتُظهر الجهود غير المسبوقة التي تُبذل في هذا المجال في الآونة الأخيرة إشارات إيجابية للغاية، مما يسمح لنا بتوديع عام 2020 ولدينا بعض الأمل. في هذه الحلقة، يناقش خبراء من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي الجوانب المتصلة بهذه اللقاحات والآثار المترتبة على التجارب الحديثة التي أُجريت عليها.

لقاحات فايزر-بيونتك ومودرنا

في العادة، لكي توافق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على لقاح لاعتماد استخدامه في حالات الطوارئ، يجب أن تتجاوز فاعليته في وقف نشاط الفيروس بنسبة 50%. وقد كشفت أحدث النتائج المؤقتة المستخلصة من التجارب السريرية للمرحلة الثالثة عن لقاحين مرشحين يتميزان بفاعلية تفوق 90٪: أحدهما من شركة فايزر-بيونتك (BNT162b2) والآخر من شركة مودرنا (mRNA-1273) (1) (2).

يعتمد كلا اللقاحين على الحمض النووي الريبوزي (mRNA)، حيث تستند إلى مفهوم استخدام العلاجات القائمة على الجينات لهندسة البروتينات المطلوبة، من أجل تحفيز جهاز المناعة لمكافحة الأمراض ومسبباتها. وقد مر هذا النوع من اللقاحات بمرحلة البحث منذ عقود، ولكن لم يصرح باستخدامه من قبل على الإنسان (1، 2). ومع ذلك، ونظرًا للموارد الضخمة التي تم ضخها في تطوير لقاحات SARS-CoV-2، تمكن هذان اللقاحان المتنافسان من الوصول إلى مرحلة التطوير للسماح باستخدامهما بعد أن تجاوزا مراحل التجارب السريرية.

تتمثل فوائد لقاحات الحمض النووي (mRNA) في سرعة تصميمها وإنتاجها، وتكلفة التصنيع المنخفضة، وقدرتها على تحفيز المناعة الخلوية والخلطية (5) (6). علاوة على ذلك، فإن هذا النوع من اللقاحات غير قادر على الاندماج في التركيبة الجينية للإنسان، وبالتالي لا يشكل خطرًا فيما يتعلق بتكوين خلايا سرطانية (جين لديه قدرة على التسبب في السرطان). ويمكن توصيل لقاحات (mRNA) بسرعة إلى الخلية عن طريق عبور الطبقة الخلوية الخارجية المعروفة باسم غشاء البلازما، وبعد ذلك، يمكنها على الفور أن تحفز تشكيل البروتين. علاوة على ذلك، فإن توافر البروتين المشفر بواسطة (mRNA) يكون بشكل مؤقت، بسبب قصر نصف عمر (mRNA)، وبالتالي، تحقيق درجة عالية من الأمان للقاحات القائمة على الحمض النووي الريبوزي (mRNA) (7).

تستخدم لقاحات فايزر-بيونتك ومودرنا متغيرات ترميز جينية (mRNA) للبروتين الشوكي لفيروس SARS-CoV-2، الذي تغلفه جزيئات نانوية دهنية، لمنعه من التدهور من خلال توزيع الإنزيمات في جسم الإنسان (8) (9).

وبمجرد تسليم (mRNA) إلى خلايا الإنسان، تتحول إلى بروتينات باستخدام الآلية الخلوية القياسية (10). وبعد ذلك تعرض البروتينات الناتجة على سطح خلايا الجسم، ويتعرف عليها الجهاز المناعي باعتبارها "غريبة"، وبالتالي، يتم تحفيز الاستجابة المناعية عن طريق استدعاء الخلايا المناعية، لتطوير أجسام مضادة بهدف تحييد العدوى الفيروسية اللاحقة. وفي النهاية، يتم تدمير (mRNA) الفيروسية في خلايا الإنسان دون ترك أي أثر دائم (5) (9).

وقد جرى مؤخرًا نشر تقارير حول فاعلية لقاح فايزر– بيونتك البالغة 95٪ وفق ما أظهرته المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. وأجريت دراسة مزدوجة التعمية على لقاح (mRNA) على عينات عشوائية، مما يعني أنه تم فصل المرضى بشكل عشوائي في مجموعات العلاج الوهمي، بينما لم يكن كل من الطاقم الطبي والمرضى على دراية بالعلاج الذي يقدّم، وأجريت التجارب على 548,43 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 16 سنة وما يزيد. وقد تلقى المشاركون إما دواءً وهميًا أو لقاحًا (بنسبة 1:1) في العضل على جرعتين كل واحدة على حدة بينهما 21 يومًا، وتمت متابعتهم لمدة شهرين في المتوسط.

وتم تضمين الأفراد المصابين بالسمنة وحالات أخرى تعاني من اعتلالات طبية، وكان أكثر من 40٪ من المشاركين متجاوزين لعمر 55 عامًا. وبناءً على التقرير الخاص بهم، ظهر على متلقيّ اللقاح آثار جانبية مؤقتة خفيفة إلى متوسطة، مثل ألم، والتهاب في الجلد (احمرار الجلد)، وتورم في موقع الحقنة، وردود فعل جهازية مثل الحمى والصداع وألم العضلات (11). بالإضافة إلى ذلك، تم فحص ثمان حالات فقط مصابة بفيروس كوفيد-19 في المجموعة التي حصلت على اللقاح، مقارنة بـ 162 حالة من مجموعة الدواء الوهمي (12).

وأظهر اللقاح وقاية مبكرة بعد 12 يومًا من الحصول على الجرعة الأولى (11). وفي 11 ديسمبر 2020، أعلنت شركة فايزر عن ترخيص لقاحها من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية للاستخدام الطارئ، وتأمل الشركة في الوقت الحالي في توفير 1.3 مليار جرعة للتطعيم بحلول نهاية عام 2021 (13). ومع ذلك، بمجرد أن يتوفر اللقاح مجانًا، سيكون من الصعب على المتخصصين بالفحص السريري الحفاظ على الاختيار العشوائي لإتمام توثيق السلامة الخاصة بهم بعد شهرين من الإبلاغ عن سلامة المرضى كما هو وارد أعلاه.

من جانب أخر، لم تُنشر بعد نتائج التجارب السريرية للمرحلة الثالثة التي أجرتها شركة مودرنا، ولكنها تستند أيضًا إلى بروتوكول يقوم على الاختيار العشوائي مزدوج التعمية يضم  30,000مشارك تتراوح أعمارهم بين 18 عامًا وما يزيد، بالتعاون مع معاهد الصحة الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية.

يعتمد التحليل الأولي على 95 حالة مؤكدة مصابة بكوفيد-19، منهم 90 حالة كانت ضمن مجموعة الدواء الوهمي، مقارنة بخمس حالات فقط في مجموعة العلاج بلقاح مودرنا. علاوة على ذلك، جاءت حالات كوفيد-19 الشديدة فقط في مجموعة الدواء الوهمي، مما أدى إلى وصول فاعلية اللقاح إلى 94.5٪ (14).

ولم يتم الإبلاغ عن مخاوف كبيرة تتعلق بالسلامة، مما يدل على أن جسم الإنسان يتحمل اللقاح بشكل جيد. وقد تبين وجود استجابة مناعية قوية تشمل كلا من الاستجابة المناعية الخلوية والأجسام المضادة بعد أيام قليلة من الحصول على جرعة التطعيم الثانية. وتهدف شركة مودرنا إلى توفير ما يقرب من 500 مليون إلى مليار جرعة سنويًا عند الانتهاء من المرحلة الثالثة من التجارب السريرية (14).

على الرغم من أن كلا اللقاحين يعتمدان على الحمض النووي الريبوزي (mRNA)، إلا أن هناك اختلافات فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية والنقل والإدارة فيما بينهما، حيث يتعين تخزين لقاح فايزر-بيونتك وشحنه في درجة حرارة دون 70 درجة مئوية تحت الصفر في حاويات مصممة خصيصًا مزودة بثلج جاف، وأجهزة استشعار حرارية، وأجهزة تعقب تعمل بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لضمان بقاء القوة المناعية الفاعلة للقاح.

وبمجرد إذابته من حالة التجمد، يمكن تخزينه في درجة حرارة 2-8 درجة مئوية لمدة خمسة أيام (15). ولأغراض التحصين، يتطلب أخذ حقنتين من لقاح فايزر-بيونتك بفاصل 21 يومًا بينهما (16). في حين يمكن الاحتفاظ بلقاح مودرنا في ثلاجة عادية (20 درجة مئوية تحت الصفر) لمدة تصل إلى ستة أشهر، وبمجرد إذابته من حالة التجمد، يجب تخزينه في ثلاجة قياسية عند (4 درجات مئوية) لمدة تصل إلى 30 يومًا، حيث يتم إعطاء لقاح مودرنا في شكل حقنتين كل واحدة على حدة يفصلهما 28 يومًا (17).

في إيجاز، تم اختبار كلا اللقاحين على آلاف المتطوعين من مختلف السلالات العرقية والأجناس ومختلف الأعمار والتركيبة السكانية، ويبدو أن الآثار الجانبية قصيرة المدى لهذين اللقاحين متوافقة مع تلك التي تظهر عادة في التطعيمات الأخرى التي يحصل عليها الأفراد البالغون، مثل لقاح الأنفلونزا الموسمية (1) (2). ومع هذه النتائج المبشرة والتقدم السريع الذي أُحرز في تطوير لقاحات كوفيد-19، يحدونا الكثير من الأمل بأن كلا اللقاحين سيساعدان في تقليل عبء المرض وانتقاله ومدته وشدة الإصابة به. ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة دون إجابة، مثل مدة المناعة الوقائية، واحتمال وجود آثار جانبية على المدى الطويل، ومدى أهمية الحاجة للحصول على جرعات متعددة من اللقاح، ومدى فاعليته لدى النساء الحوامل والأطفال دون سِن 16 عامًا.

المشاركون في هذه الدراسة:

نائلة العقل (باحث مشارك أول، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
مراجعة النسخة العربية: رويدة زياد طه (باحث مشارك، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
المحررون: د. أدفيتي نايك (باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)، د. ألكسندرا باتلر (باحث رئيسي، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)

لتصفح المراجع، يُرجى الضغط  هنا.