بيولوجيا الشيخوخة وأهمية نوع الغذاء | جامعة حمد بن خليفة
Hamad Bin Khalifa University

الإنسان بيولوجيا الشيخوخة وأهمية نوع الغذاء

بقلم د. دينديال راموتار ود. إحسان بوركاريمي

تناولت محاضرة العَالِم سيدني برينر، رائد علم الأحياء الجزيئي والحائز على جائزة نوبل عام 2002 بعنوان "هدية الطبيعة للعلم" وصفًا للديدان الأسطوانية التي يُطلق عليها اسم (Caenorhabditis elegans). وبعد ما يقرب من 30 عامًا من أول إنجاز تحقق ضمن أبحاث الشيخوخة أجرته الدكتورة سينثيا كينيون، لا تزال هذه الديدان الأسطوانية تتشارك في العديد من الخصائص البيولوجية الأساسية التي تمثل مشكلات مركزية في بيولوجيا الإنسان، وتظل أداة مفيدة لفهم الشيخوخة وكيفية تقدّم الإنسان في العمر.

في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، طرحت الدكتورة كينيون، التي كانت في هذا الوقت أستاذًا مساعدًا معينةً منذ فترة قصيرة في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، سؤالاً محظورًا في العلوم، وهو: هل يمكن إطالة عمر الإنسان؟

في ذلك الوقت تقريبًا، أصبحت الديدان الأسطوانية (Caenorhabditis elegans)  نظامًا نموذجيًا راسخًا، وكان هناك عدد قليل جدًا من العلماء، إن وجدوا، هم من وثقوا في أن الشيخوخة أو التقديم في العمر ربما يمكن إخضاعها للترتيب الجيني الوراثي. وكانت الدكتورة كينيون إلى جانب طلابها بالمرحلة الجامعية مصممة على البحث عن كائن حي خضع لطفرات تحويلية وتمكن من أن يعيش لفترة أطول، وبالتالي مثّل ذلك نوعًا من السعي نحو الخلود.

وفي عام 1992، شهد هذا المجال إنجازًا استثنائيًا، حيث عزلت مجموعة الدكتورة كينيون كائنًا متحولاً من نوع الديدان الأسطوانية (C. elegans) تمكن من أن يعيش ضعف عمر النوع البري منها. وفي واقع الأمر، كان هذا أول دليل جيني على أن تعطيل جين واحد يؤدي إلى إطالة متوسط العمر الافتراضي لكائن حي.

وقد تبين أن الجين المتحور داف-2 لم يتم استنساخه وراثيًا بعد. وبشكل غير متوقع، أدت طفرة في جين يسمى داف-16 إلى عرقلة إطالة عمر طفرة داف-2. وقد وضعت المزيد من الأبحاث إلى جانب التفاعل الجيني اثنين من الجينات في نفس المسار الجيني مع معالجة داف-16 لداف-2.

وقد وفرت هذه الملاحظات دليلاً قويًا على وجود مسار كيميائي حيوي يسعى نحو إدارة وترتيب متوسط عمر الإنسان، وهو أمر مهم للغاية، وفي ظل غيابه، يمكن أن يزيد من عمره الافتراضي. وبدت هذه الفرضية غير منطقية في ذلك الوقت، لكنها أتاحت تحولاً نموذجيًا في فهم عملية التحول نحو الشيخوخة.

وبشكل عام، ظلت هذه الملاحظات بشأن  الديدان الأسطوانية (C. elegans)  تمثل حجر الزاوية في أبحاث الشيخوخة ومعرفة الآليات الجزيئية التي يرتكز عليها تحول الإنسان نحو الشيخوخة. وقد تطوّر فهم الإنسان بشأن إدارة وترتيب تحوله نحو الشيخوخة بشكل أكبر مع  اكتشاف جين داف-2 ليكون نظيرًا  للديدان الأسطوانية (C. elegans) فيما يتعلق بمستقبل عوامل نمو الإنسولين لدى الثدييات.
بالإضافة إلى ذلك، تبين أن جين داف-16 يعمل على ترميز عامل نسخ عائلة (FOXO)، الذي يعمل في نفس مسار إشارات الإنسولين كما الحال في جين داف-2، موضحًا العلاقة الوراثية بين طفرات داف-2 وداف-16. 

وقد تبين أن نشاط الإشارات الشبيه بالإنسولين المنخفض في الديدان يطيل العمر، وهي ملاحظة مدهشة تربط بقوة بين النظام الغذائي ومتوسط العمر. وجاءت هذه البيانات منسجمة مع الملاحظات السابقة التي تفيد بأن تقييد السعرات الحرارية في الفئران والديدان الأسطوانية (C. elegans) من شأنه أن يطيل من عمرها.

وفي عام 1977، أظهر مايكل كلاس من جامعة هيوستن بولاية تكساس، أن متوسط عمر (C. elegans) يزيد في ظل الظروف القاسية مثل المجاعات. وبعد هذه الملاحظة المثيرة للاهتمام، قام الدكتور كلاس بإجراء طفرات على هذه الديدان وقام بعمل مسح عن الكائنات التي تعرضت لطفرات وعاشت لفترة أطول.

أدى هذا المسح الجيني إلى عزل كائن متحور قادر على العيش لعمر أطول من النوع البري بما يقرب من 40٪. وبعد سنوات، تم تحديد ملامح هذا المتحول وراثيًا وتبين أنه يبلغ من العمر سنة واحدة، وبالتالي عمل ترميز الوحدة الفرعية التحفيزية (phosphatidylinositol 3-kinase)، وهو محول إشارة رئيسي يجري تنشيطه بواسطة مستقبلات التيروزين كيناز المتنوعة مثل الإنسولين ومستقبلات عوامل النمو شبيهة الإنسولين.

ومن المثير للاهتمام، أن نشاط جين داف-16 كان مطلوبًا بشكل واضح لإطالة متوسط العمر للكائنات التي تعرضت لطفرات وبلغت من العمر سنة واحدة. وسلط هذا الاكتشاف الضوء على علاقة كانت مستعصية في السابق على المجتمع العلمي، حيث يجمع نفس المسار الجيني كل من جين داف-2 والعمر  وجين داف-16.

عند تلك المرحلة، كان من الواضح أن التقدم في السن يخضع للترتيب الجيني، وبدأ السباق للكشف عن حقيقة الجينات المرتبطة بالشيخوخة والتقدم في العمر. وخلال السنوات الأخيرة، ربطت الدراسات التي اُجريت على مستوى نطاق علم الجينوم بشكل واضح بين الاختلافات الوراثية في مسار الإنسولين وطول عمر الإنسان. ويميل البشر الذين تجاوزوا سن التسعين إلى حدوث طفرات جينية لديهم في مستقبل عوامل نمو الإنسولين، مما يؤدي إلى انخفاض إشارات الإنسولين وإطالة متوسط العمر الافتراضي.

وهناك بروتين أساسي آخر لاستشعار المغذيات يعمل على ترتيب العمر يستهدفه الراباميسين، وهو سيرين / ثريونين كيناز، الذي يتم حفظه وظيفيًا بين الخميرة والثدييات. ويعد هذا البروتين المنظم الرئيسي لعملية التمثيل الغذائي وإشارات التغذية، ويحفز نمو الخلايا من خلال تعزيز تخليق البروتين والدهون مع تثبيط الالتهام الذاتي، وهي عملية تبتلع المكونات الخلوية غير المرغوب فيها مثل البروتينات ذات الخلل الوظيفي والتخلص منها.

تعمل إشارات بروتين سيرين / ثريونين كيناز كمحور مركزي، حيث تتجمع إشارات عوامل النمو والتغذية الأخرى بشكل أساسي عبر مسار الإنسولين. ويؤدي تنشيط مستقبلات الإنسولين التيروزين كيناز إلى تنشيط يعتمد على (phosphatidylinositol 3-kinase) لمركب بروتين سيرين / ثريونين كيناز.

كما يتسبب عامل النسخ (FOXO) في حدوث تغييرات في التمثيل الغذائي ويحفز الظهور الجيني المرتبط بإطالة متوسط العمر، مثل مضادات الأكسدة وجينات الصدمة الحرارية. وفي الديدان الأسطوانية (C. elegans) وذبابة الفاكهة، وهو نوع من الذباب، تؤدي الاضطرابات الجينية المعتدلة به إلى إشارات بروتين سيرين / ثريونين كيناز إلى إطالة متوسط العمر بمعدل 30٪. علاوة على ذلك، فإن التثبيط الدوائي لهذا البروتين يزيد من عمر الخميرة والديدان والذباب والفئران.

على مدار العقد الماضي، أصبح التفاعل بين إشارات الإنسولين ومسار بروتين سيرين / ثريونين كيناز أكثر وضوحًا. وحددت الدراسات البيوكيميائية والوراثية عشرات البروتينات التي تساعد في إدارة وترتيب متوسط العمر في نفس الوقت.
ومن ناحية أخرى، حدد العلماء في المختبرات البيولوجية لجزيرة مونت ديزرت، بالتعاون مع باحثين في معهد باك وجامعة نانجينغ في الصين، مؤخرًا، تأثيرًا تآزريًا لإشارات الإنسولين ومسار بروتين سيرين / ثريونين كيناز الذي يهيئ ديدان (C. elegans) لتعيش حتى خمس أضعاف العمر الافتراضي، وهو ما يعادل زيادة مقدارها 400-500 سنة في عمر الإنسان.

لكل من المسارات المذكورة أعلاه تأثير معتدل على إطالة متوسط العمر، حيث يؤدي تثبيط بروتين سيرين / ثريونين كيناز إلى زيادة متوسط العمر بنسبة 30٪، بينما يؤدي تناقص إشارات الإنسولين إلى مضاعفة العمر الافتراضي. وتظهر المسوخات التي تحمل طفرة مزدوجة في كل من مساري إشارات الإنسولين وبروتين سيرين / ثريونين كيناز تآزرًا وراثيًا يؤدي إلى زيادة في العمر بمعدل 500٪.

في دراسة حديثة، وجد مؤلفوها أن السيتوكروم سي، وهو بروتين الميتوكوندريا المحفوظ عبر عملية تطورية، يتوسط هذا التأثير التآزري. بعبارة أخرى، يؤدي إبطال عمل السيتوكروم سي في السلالة الجرثومية لديدان (C. elegans) إلى تنشيط استجابة إجهاد الميتوكوندريا في الخلايا المعوية بشكل غير مستقل. وتكشف هذه المخرجات المذهلة عن تأثير شبكة المسارات المتعددة المرتبطة بطول متوسط العمر في تنظيم معدل عمر الكائن الحي.

وبصفة عامة، تساهم هذه المخرجات المثيرة للاهتمام في فهم التقدم الحادث في هذا المجال، وتدفع نطاقه خطوة للأمام نحو تحسين مشاكل صحة الإنسان المرتبطة بتقدمه في العمر. وعلى الرغم من تنامي أبحاث الشيخوخة بوتيرة غير مسبوقة، لا تزال القضايا الأخلاقية المرتبطة بها بحاجة إلى معالجة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن بحاجة إلى العيش لفترة أطول في ظل الموارد المحدودة على سطح الكرة الأرضية؟ وبدلاً من ذلك، هل ينبغي لنا التركيز على زيادة "فترة التمتع بالصحة" وإطالة الحياة الصحية بدلاً من إطالة العمر؟

نظرًا لعدم وجود حدود للمعرفة البشرية وعلى منوال طموح الدكتورة كينيون، لا يوجد حد لهذه الطموحات العلمية. والآن، وبعد ما يقرب من 30 عامًا من اكتشاف أول جين يرتبط بالشيخوخة، تأتي الدكتورة كينيون من العلماء ذوي الخبرة الذين  يستهدفون تطوير العقاقير الطبية التي يمكن أن تزيد من فترة تمتع الإنسان بالصحة، وهي لا تزال تستخدم الديدان الأسطوانية (C. elegans) وفق "هدية الطبيعة للعلم" باعتباره نظام نموذجي.

يشغل الدكتور دينديال راموتار منصب أستاذ في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة، بينما يشغل الدكتور إحسان بوركاريمي منصب أستاذ مساعد بالكلية نفسها.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.

 

أخبار متعلقة

من كوفيد-19 إلى طوكيو 2021: كيف سيعود الرياضيون إلى مضامير المنافسات؟

ما هو تأثير تأجيل عقد دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بطوكيو إلى يوليو 2021 على جداول تدريب الرياضيين؟ ومع تخفيف الإغلاق تدريجيًا، كيف ستتطور تدريباتهم وتكيفهم واستعداداتهم على المدى الطويل للمشاركة في أكبر حدث رياضي في العالم؟

أين نحن من لقاح فايزر؟

شاركت شركة التكنولوجيا الحيوية "بيونتيك"، المملوكة لزوجين ألمانيَين من أصلٍ تركي هما الدكتور أوغور شاهين وأوزليم توريتشي، بعض الأخبار الواعدة مع شركة فايزر في أعقاب السباق الأكثر احتدامًا في العالم على التوصل للقاح للتحصين ضد فيروس كوفيد-19.