ما الدّور الذي يؤدّيه إنترنت كل الأشياء في المدن الذكية؟

تأملات في مؤتمر (ISNCC’23): إنترنت كل الأشياء والمدن الذكية

23 يناير 2024

مدينة الدوحة

شهد المؤتمر الدولي العاشر حول الشبكات وأجهزة الحاسوب والاتصالات 2023 (ISNCC’23) العديدَ من النقاشات الثرية حول أنظمة المعلومات المعاصرة وشبكات الاتصالات وتقنيات الحوسبة، وركّزت أبرز المحادثات فيه على التداخلات الحالية والمستقبلية بين "إنترنت كل الأشياء" والمدن الذكية، وفي كثير من الأحيان، تجاوزت هذه النقاشات الخطاب الأكاديمي وصولًا إلى تطوير حلول عملية وقابلة للتنفيذ داخل دولة قطر وخارجها.

ولفهم "إنترنت كل الأشياء" يتعين أولاً تعريف "إنترنت الأشياء" بشكل موجز، فببساطة "إنترنت الأشياء" هو منصة تتم فيها رقمنة الأشياء اليومية، مثل المَركبات وأجسام الإضاءة، وتجهيزها بقدرات الاستشعار والاتصال، حيث تصبح هذه الأشياء جزءًا من نسيجٍ محوسب مع أجهزة استشعار خارجية أخرى وأجهزة محمولة تشكل طبقة ذكية، وتقوم "الأشياء" الموجودة في الشبكة بالحصول على البيانات وتبادلها باستخدام تقنيات الاتصال اللاسلكي لتشغيل مجموعة متنوعة من الخدمات، أما البيانات فيتم تخزينها في خوادم سحابية لتساهم في عمليات اتخاذ القرارات وغيرها من عمليات المعالجة والتحليل، وحاليًا يرتبط أكثر من 9 مليارات عنصر بـ "إنترنت الأشياء"، ومن المتوقع أن يتجاوز هذا العدد 20 مليارًا بحلول عام 2025.

وعلى عكس "إنترنت الأشياء"، يدمج "إنترنت كل الأشياء" الأشخاص والعمليات والبيانات لإنشاء شبكة أكثر شمولاً، حيث يُتاح التفاعل بينها من خلال أجهزة استشعار ذكية وتقنيات اتصال لا تقوم فقط بجمع البيانات بل تحليلها أيضًا، مما يجعلها قابلة للتنفيذ، وتتجلى تطبيقات "إنترنت كل الأشياء" عبر مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك المنازل الذكية، والملابس الذكية، والتقنيات الصناعية، والرعاية الصحية، وبشكلٍ أكثر طموحًا، في المدن الذكية، وبهذا، يُعتبر "إنترنت كل الأشياء" بشكلٍ متزايد أساسًا متقدمًا لتطور المدن الذكية، حيث يتم تحويل المدن من مجرد مجموعة من العناصر الذكية إلى نظام بيئي مترابط تتفاعل فيه البيانات والأشخاص والعمليات، وعلى وجه التحديد، يمكننا القول إن "إنترنت كل الأشياء" يعمل كجهاز عصبي حضري يربط بين الخدمات الأساسية، مثل النقل وإدارة النفايات وتوفير الطاقة والسلامة العامة، وذلك عبر إضافة أدوات جديدةٍ من الذكاء الاصطناعي وعمليات اتخاذ القرارات إلى البنية التحتية.

وتُعتبر دولة قطر، التي تضم مشروعين لمدينتين ذكيتين، مثالًا جليًا على دور "إنترنت كل الأشياء" في تحسين الخدمات العامة وتأسيس ظروف معيشية أفضل، وصحيحٌ أن مكانة مدينة لوسيل استفادت، بلا شك عالميًا، من استضافة نهائي كأس العالم لكرة القدم 2022، إلا أن المدينة كانت وقتها بالفعل منارة للتطور الحضري الذكي، أما المدينة الذكية الثانية في قطر، وهي مشيرب، فتعتمد على نظام تبريد مركزي يعتمد بدوره على "إنترنت كل الأشياء"، وتشمل هذه الأشياء أجهزة استشعار ومحركات لإدارة استخدام الطاقة بكفاءة وتقليل الاستهلاك، وإن استخدام مدينة لوسيل الذكي للبيانات هو ما يعزز قدرتها على النهوض بجودة "إنترنت كل الأشياء" فيها، ودفع إمكانيات المدينة الذكية فيها نحو مزيدٍ من التقدم، وكذلك يؤدي إجراء التحليل المستمر لنظام التبريد إلى تمكين الصيانة التنبؤية وتحسين الأداء وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وتُمثل مشيرب قلب الدوحة نقلة نوعية فيما يتعلق بإمكانيات المدينة الذكية في قطر، فبفضل البنية التحتية الرقمية المتطورة، والاتصال الشامل، وتطبيقات المُستخدم المتاحة، فإن عمليات التجديد المستمرة تُظهر ببراعة الجوانب المتعددة لـ "البيانات" و"الأشياء" التي يستند إليها "إنترنت كل الأشياء"، وتتشكل الشبكة التي تدعم خدمات مشيرب من خط ألياف ضوئية وأكثر من 600 ألف جهاز استشعار وجهاز متصل، حيث تقوم بربط أنظمة "إنترنت الأشياء" والتطبيقات الرقمية من خلال مركز قيادة وتحكم ومراكز لإدارة المرافق، وفي مشيرب تُلبي التطبيقات الذكية احتياجات "الأشخاص" و"العمليات" المرتبطة بـ "إنترنت كل الأشياء"، مما يوفر تجربة رقمية شاملة للسكّان والزوار على حدٍ سواء، ومن هذه التطبيقات تطبيق مشيرب للمعلومات والتنقل، وهو تطبيق يرشد المستخدمين أثناء تجولهم وتنقلهم في مدينة مشيرب المستدامة والثرية ثقافيًا، حيث يتضمن هذا التطبيق خريطة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا "المواقف الذكية"، وواقع معزز لاستكشاف نقاط الخدمات المختلفة، ونظام تحديد جغرافي يزوّد المستخدمين بالإشعارات أثناء تنقلهم.

وترتكز إمكانيات المدن الذكية في قطر بشكل أساسي على مبادرة "تسمو"، التي تسعى إلى تسخير قوة التكنولوجيا والابتكار لتقديم حلول رقمية تعمل على تحسين الحياة وتعزيز التنويع الاقتصادي المستدام، وتعتبر مبادرة "تسمو"، التي تتسق مع رؤية قطر الوطنية 2023، نموذجًا حيًا لكيفية ترجمة "إنترنت كل شيء" إلى استراتيجيات قابلة للتنفيذ لها تأثير مجتمعي فوري وجوهري، ويمتد هذا التأثير إلى القطاعات الحيوية مثل النقل والخدمات اللوجستية والبيئة والرعاية الصحية والرياضة، ومن المتوقع أن يتم تنفيذ 114 حالة استخدام رقمية غير مسبوقة في جميع أنحاء الدولة من خلال هذه المبادرة.

ومع ذلك، أظهر المؤتمر الدولي حول الشبكات وأجهزة الحاسوب والاتصالات أن العديد من الأسئلة لا تزال قائمة فيما يتعلق بالشكل والمسار المستقبلييْن لإنترنت كل الأشياء والمدن الذكية، وتشمل هذه الأسئلة متطلبات الاتصال لنقل البيانات ودور تقنية الجيل الخامس (G5)، وتوظيف ذكاء الحافة (Edge)، وأمن وخصوصية البيانات، وتؤكد هذه القضايا وغيرها على الضرورة الملحة الطويلة الأمد لدمج التكنولوجيات الذكية المتقدمة بشكل أخلاقي ومستدام في نسيج المدن وتحسين جودة حياة جميع الأفراد.

*الدكتور عبد اللطيف البصير هو باحث زميل ما بعد الدكتوراه في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، وتركز اهتماماته البحثية على مجالات الذكاء الاصطناعي في الشبكات، والذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني، وذكاء الحافة (Edge) ، والمدن الذكية.

*الدكتور أيمن إربد هو أستاذ مشارك ورئيس قسم تكنولوجيا المعلومات والحوسبة في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، وتركز اهتماماته البحثية على ذكاء الحافة (Edge)، وذكاء الحوسبة السحابية (Cloud)، وإنترنت الأشياء، وأمن الشبكات، وسلسلة الكُتل (Blockchains)، وأنظمة الوسائط المتعددة.

*جميع الأفكار والآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن مؤلفيْها ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.