معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ورؤى حول المناعة الطبيعية

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ورؤى حول المناعة الطبيعية كخط دفاع أول في مواجهة فيروس كورونا

20 أبريل 2020

لا شك أن تدابير التباعد الاجتماعي والحجر الصحي يواكبها شعور بالقلق لدى الكثير منا، فضلاً عن تساؤلات حول أسباب تطبيق مثل هذه الإجراءات الصارمة. وبطبيعة الحال، فإن السؤال الذي يدور ببال كل منا هو: متى ينتهي هذا الوضع الحرج؟

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ورؤى حول المناعة الطبيعية كخط دفاع أول في مواجهة فيروس كورونا

يتمتع الإنسان بوجه عام بخط دفاعي طبيعي ومعقد، إنه جهاز المناعة، الذي يستجيب للعدوى الفيروسية. ففي معظم حالات النجاة من فيروس كورونا (كوفيد-19)، كان جهاز المناعة هو الفائز في هذه المعركة الشرسة، وكان قادرًا على التخلص من العدوى الفيروسية، وبات المريض الذي شفي منه محصنًا ضد العدوى بالفيروس في المستقبل.

وما تزال السيناريوهات المتاحة غير واضحة المعالم في ظل تفشي فيروس على شاكلة كوفيد-19 الذي لم تعرفه البشرية من قبل، والذي يُعد إحدى سلالات فيروسات سارس-كوفيد. في حلقة هذا الأسبوع، يؤكد خبراء معهد قطر لبحوث الطب الحيوي من جديد على ضرورة مواصلة تطبيق تدابير الصحة العامة الحالية، ومناقشة طرق الكشف عن الاستجابة المناعية لتشخيص كوفيد-19، وتقييم إمكانية الاستفادة من الاستجابة المناعية الفاعلة في حالات الشفاء من الفيروس كوسيلة علاجية.

الوبائيات: تدابير التخفيف ومناعة القطيع

تكمن الطريقة الرئيسية المعروفة لانتقال العدوى بفيروس كورونا في الرذاذ من الشخص المصاب  سواء أثناء السعال، أو العطاس أو عندما يتحدث، حيث يزداد خطر العدوى عندما يتلقف شخص ما هذا الرذاذ عن طريق الفم أو الأنف أو العينين. ومن أجل تطوير استراتيجيات تكافح هذا المرض الجديد والمعدي، من المهم أن نستوعب كيفية انتقال مُسببات المرض من إنسان لآخر في المراحل المبكرة.

تمثل نسبة التكاثر الأساسية، أو ما يعرف بعدد حالات العدوى الناتجة عن حالة واحدة مصابة، القدرة المعدية للفيروس، وهو متوسط عدد الحالات الفرعية التي تنتج عن فرد مصاب ضمن مجموعة تكون عُرضة للعدوى (1,2). وعندما تصل نسبة التكاثر إلى أعلى من 1.0 تستمر فترة انتقال العدوى من شخص لآخر. وتفيد العديد من التقارير أن هذه النسبة تتراوح ما بين 2 إلى 5 (5-1,3)، بينما أفادت منظمة الصحة العالمية أن نسبة انتشار العدوى لكل شخص مصاب قد بلغت من 1.4 إلى 2.5 شخص (6). 

لتفسير هذا الأمر ببساطة، كم يبلغ عدد الأشخاص الذين يمكنهم افتراضًا أن يصابوا في غضون خمسة أيام من شخص واحد مصاب عندما تكون نسبة التكاثر 3؟ الجواب 81 حالة! هذا المصاب، خاصة إذا كانت الأعراض لا تظهر عليه، يسمى "ناقل فائق للعدوى."

في كوريا الجنوبية، جرى الربط بين غالبية الحالات الإيجابية بفيروس كورونا في البلاد بناقل واحد فائق للعدوى. وقد أدت هذه الظاهرة إلى تزايد كبير في عدد حالات الإصابة بكوفيد-19 على مستوى العالم في فترة زمنية وجيزة. وعلى سبيل المقارنة، فإن فيروس الإنفلونزا لديه نسبة تكاثر تبلغ 1.3.

فيروس كورونا

فإذا تركنا فيروس كورونا ينطلق في مساره بشكل طبيعي، وبدون اتخاذ تدابير وقائية صارمة للتخفيف من تأثيره على الصحة العامة، فإننا نتوقع أن معظم الناجين منه سيطورون مناعة دفاعية طبيعية ضد الفيروس، و حصانة ضد الإصابة بالمرض في المستقبل، مع معدل وفيات يبلغ من 1 إلى 3٪.

ويؤدي هذا الأمر إلى  خلق مفهوم يُطلق عليه "مناعة القطيع". يعزى مصطلح "مناعة القطيع" إلى اكتساب نسبة كبيرة من السكان (بشكل عام أكثر من 50٪) مناعة ضد  مرض معين، ما يعني أن "القطيع" غالبًا محصن، ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك تحصينًا  كاملاً.

ومع أن معدل وفيات يبلغ 1٪ يعتبر منخفضًا، فإن هذه النسبة من عدد سكان العالم البالغ ما يقارب 8 مليارات تساوي 80 مليون حالة وفاة. إضافة إلى ذلك، يحتاج حوالي 10٪ من حالات كوفيد-19 إلى دخول المستشفيات، منهم حوالي 5٪ يحتاجون إلى أجهزة تنفس، وفي الوقت الحالي، لا توجد منظومة طبية يمكنها معالجة هذا الكم الضخم من حالات الطوارئ.

و في ظل غياب لقاح أو علاج فعال للفيروس، فإن خيار خلق مناعة القطيع غير وارد (7). ومع ذلك، وبالنظر إلى التبعات الاقتصادية والاجتماعية للتدابير الاحترازية المتخذه، فإن الاستراتيجية المتبعة تقوم على الحد من انتشار الفيروس، وفي الوقت نفسه تطوير مناعة القطيع بطريقة منضبطة.

وتتمثل الاستراتيجية الحالية في معظم البلدان في كيفية "تسطيح المنحنى"، مما يعني توزيع معدل الإصابة على مدى فترة زمنية أطول من خلال الحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي، والعمل والتعليم عن بُعد، وتعليق التجمعات. وقد أثبتت هذه التدابير فعاليتها خلال فترة انتشار وباء سارس في عام 2003 (8).

يمكن أن توفر هذه التدابير الوقت لأجهزة الرعاية الصحية لتعزيز مرافقها الطبية، وزيادة قدرتها على الاختبار، وتمنح الباحثين الفرصة لتطوير اللقاحات والعلاجات، حتى عندما تضرب الموجة الثانية من العدوى بعد تخفيف القيود، حيث يساعد ذلك في توفير استجابة قوية وسريعة من جانب قطاع الرعاية الصحية. ولهذا السبب، يحتاج الجميع الآن إلى البقاء آمنين في منازلهم.

فيروس كورونا

التشخيص: الاختبارات المصلية لعلاج فيروس كورونا

من بين العديد من الطرق المقترحة لتشخيص فيروس كورونا، تأتي الاختبارات المصلية باعتبارها من بين النهج الأكثر أهمية.

وتقيس الاختبارات المصلية مستويات الأجسام المضادة في الدم التي يولدها جهاز المناعة في مكافحة العدوى (9). وفي حالة فيروس كورونا، تتولد هذه الأجسام المضادة على وجه التحديد من خلال المناعة المكتسبة ضد كوفيد-19 بغرض تحييد العدوى الفيروسية.

وعلى عكس تفاعل البليمراز المتسلسل اللحظي مع النسخ العكسي، فإن الاختبار القياسي الذهبي لتشخيص كوفيد-19، أو بعبارة أخرى، الاختبارات المصلية، تقيس درجة الاستجابة المناعية ضد الفيروس في الدم، بدلاً من المادة الجينية الوراثية للفيروس في إفرازات الجهاز التنفسي. وعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية لم توص به حتى الآن كأداة للاختبارات التشخيصية لكوفيد-19، لا يزال بإمكان الاختبارات المصلية لعب دور مهم في مكافحة هذا الوباء، بما في ذلك، احتواء انتشار الفيروس (10).

ويمكن للاختبار المصلي أن يحدد الأفراد الذين يصلون لمرحلة النقاهة، ويكونوا قد طوروا بالفعل مناعة طبيعية ضد الفيروس، وبالتالي قد لا يكونوا عُرضة للإصابة من جديد (11). وقد يتمكن هؤلاء الأفراد من استئناف حياتهم الطبيعية والعودة إلى العمل لدعم اقتصاد بلادهم.

وعلى عكس اختبار تفاعل البليمراز المتسلسل اللحظي مع النسخ العكسي، لا يتطلب الاختبار المصلي وجود طاقم ذي مهارات عالية، وتكون عملية جمع العينات أكثر  سهولة، والأجسام المضادة أكثر استقرارًا أثناء الجمع والنقل والتخزين والاختبار. وعند التعامل مع جائحة من المحتمل أن يتعرض ملايين الأشخاص لخطر الإصابة بها، يكون الاختبار المصلي هو النهج المفضل (12).

وحتى نتمكن من تنفيذ الاختبارات المصلية بشكل صحيح في مكافحة فيروس كورونا، نحتاج إلى فهم كيفية تفسير مستويات الأجسام المضادة في الدم، حيث تنقسم الأجسام المضادة ذات الصلة إلى نوعين: الأجسام المضادة (IgM)، الأولى التي تتولد نتيجة للاستجابة المناعية والتي تنخفض مستوياتها بسرعة، والأجسام المضادة (IgM) من مجموعة الجلوبولين المناعي، التي تبدأ مستوياتها في الارتفاع بعد بضعة أيام وتستمر لفترة أطول في الدم (15-13).

 

تغيرات كوفيد-19 و(IgM) و(IgG) بعد الإصابة بعدوى الفيروس  
تغيرات كوفيد-19 و(IgM) و(IgG) بعد الإصابة بعدوى الفيروس  

هذا المخطط للأغراض التوضيحية فقط

يلخص الجدول أدناه المعلومات المتاحة في الوقت الحالي حول مسار المواد الجينية الوراثية لكوفيد-19، والأجسام المضادة (IgM) و(IgG)، في أعقاب الإصابة بالعدوى. ففي حين أن مستويات IgM / IgG تقدم رؤية شاملة لدورة المرض فيما يتعلق بفيروس كورونا، فإن الأجسام المضادة لا يمكن اكتشافها في الدم قبل ظهور الأعراض. وبعبارة أخرى، فإن الاختبار المصلي IgM / IgG لا يعد الأمثل للكشف المبكر عن كوفيد-19. وقد اُقترحت عدة سيناريوهات لتفسير مستويات الفيروس والأجسام المضادة IgM / IgG. إيجابية الاختبارات الثلاثة تعني أن الشخص في مرحلة الإصابة النشطة، في حين أن إيجابية الكشف عن (IgM)  فقط قد تعني أن اختبار الكشف عن الفيروس كوفيد-19 في حال كان سلبيًا هو غير صحيح. ولعله من أهم السيناريوهات المحتملة، إيجابيه اختبار IgG وسلبيه اختبار IgM، حيث تشير إلى شخص في مرحلة النقاهة وبالتالي يمكنه العودة إلى العمل. ولفهم المرحلة المرضية، ودمج المرضى في التجارب السريرية، وتحديد المرضى الذين تعافوا ويمرون بفترة النقاهة، حيث يعد الجمع بين اختبار تفاعل سلسلة البليمراز مع التنسخ العكسي في الوقت الحقيقي والاختبارات المصلية أمرًا بالغ الأهمية (16).

 

نتائج الإختبار

العلاج ببلازما المرضى المتعافين

في 24 مارس 2020، اعتمدت إدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة الأمريكية استخدام بلازما المرضى المتعافين في مرحلة النقاهة كعلاج طارئ لمرضى كوفيد-19 من ذوي الحالات الشديدة، وإن لم يكن ذلك قد توفر حتى الآن لأغراض الوقاية من المرض (18). والعلاج ببلازما النقاهة هو نقل المكونات السائلة في الدم، أي البلازما، من الأفراد الذين تعافوا من المرض إلى المرضى الذين يعانون من عدوى نشطة (17). وتعتبر بلازما النقاهة غنية من حيث تركيز الأجسام المضادة، التي تساهم في القضاء على الفيروس، وبالتالي في شفاء المريض مع ملاحظة أن البلازما المأخوذة من المتبرع يجب أن تكون متوافقة مع فصيلة دم المتلقي.

العديد من التجارب السريرية جارية اليوم لتقييم إمكانات العلاج ببلازما النقاهة للمرضى المصابين بأمراض خطيرة والوقاية من العدوى في مجموعات المرضى من ذوي الحالات عالية الخطورة. ففي الصين، أظهرت إحدى الدراسات أن خمسة مرضى مصابين بأمراض خطيرة أصابهم فيروس كورونا قد تعافوا تمامًا عقب تلقي هذا العلاج (19). وكانت دراسة تجريبية مستقلة أجريت في الصين أيضًا قد أفادت أن عشرة مرضى قد أظهروا تحسنًا كبيرًا في النتائج السريرية، مع الحد الأدنى من الآثار السلبية، بعد بضعة أيام من نقل جرعة واحدة من بلازما النقاهة لهم (20).

وتظهر كلتا الدراستين أن بلازما النقاهة لها تأثير علاجي واعد ومخاطر منخفضة جدًا، وبدأت العديد من البلدان في تطبيق هذا النهج في علاج المرضى الذين يعانون من عدوى كوفيد-19 المهدد لحياة الإنسان.

المساهمون في هذه الدراسة:

وبائيات: د. فيجاي جوبتا ود. يوشي كوباياشي، وفي التشخيص: د. نور مجبور، والعلاج: د. نور مجبور، والمخططات التوضيحية: د. يوشي كوباياشي، ود. نور مجبور، والتحرير: د. ألكسندر باتلر

لتصفح المراجع، يُرجى الضغط هنا.