المطعمون باللقاح وغير المطعمين بموجب القانون | جامعة حمد بن خليفة
المطعمون باللقاح وغير المطعمين بموجب القانون

المطعمون باللقاح وغير المطعمين بموجب القانون

المطعمون باللقاح وغير المطعمين بموجب القانون

اتجهت دولة قطر اعتبارًا من 28 مايو 2021 نحو تخفيف بعض قيود الإغلاق المرتبطة بالموجة الثانية من جائحة كورونا (كوفيد-19) التي فُرضت في وقت سابق من هذا العام. وكانت قيود الموجة الثانية قد تم تطبيقها بسبب الزيادة الطفيفة التي شهدتها البلاد في حالات كوفيد-19 الخطيرة، وهو ما أدى إلى زيادة  معدل الحالات التي تعالج بالمستشفيات، وبالتالي زيادة الوفيات مع الأسف الشديد.

تعطي مرحلة إعادة الفتح التدريجي في قطر الأولوية للأفراد الذين حصلوا على التطعيم باللقاح في حالات محددة، مثل إمكانية تناول الطعام في الأماكن المغلقة، والتردد على النوادي الصحية ومراكز اللياقة البدنية، وصالونات الحلاقة والتجميل. علاوة على ذلك، تشترط هذه الخطة تطعيم أطقم عمل محددة.

يعتمد هذا النهج على الممارسة التي دخلت حيز التنفيذ في وقت سابق من خلال السماح للأشخاص الذين تلقوا التطعيم في قطر بتجنب الحجر الصحي عند العودة إلى دولة قطر. وتم توسيع الإعفاء من الحجر الصحي لاحقًا ليشمل مواطني دول مجلس التعاون الخليجي وأسرهم والعمالة المنزلية في حال تلقيهم للتطعيم في إحدى دول المجلس. وقد ذكرت صحيفة "بلومبرج" أن قطر تجري محادثات للتأكد من أن جميع الحضور في بطولة كأس العالم سيكونون من المطعمين باللقاحات المعتمدة.

وعلى نحو مماثل، تعمل بلدان أخرى على وضع الأفراد المحصنين ضمن فئة تتمتع بأفضلية. وبعد إعلان قطر عن خطة رفع القيود بفترة وجيزة، أعلنت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية أن الأفراد الذين تلقوا اللقاح في الولايات المتحدة يتمتعون بحرية كبيرة بشأن عدم ارتداء الكمامات في الأماكن المغلقة والمفتوحة. ومع ذلك، لا يزال إعلان مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها خاضعًا لقوانين مختلفة محتملة تطبقها 50 ولاية تتولى إصدار التشريعات الخاصة بالصحة العامة بشكل تقليدي. وعلى نفس المنوال إلى حد ما، فإن شهادة كوفيد-19 الرقمية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي تسهل إلى حد كبير السفر لمواطني دول الاتحاد الأوروبي والمقيمين فيها من الذين حصلوا على التطعيم، وأيضًا تسهل السفر داخل دول الاتحاد الأوروبي لمن تكون نتيجة فحصهم سلبية أو تعافوا من كوفيد-19.

وترتكز أولوية قطر في التطعيم على تعزيز السلامة في الأماكن العامة والمرافق التجارية، حيث أن هناك أثر ثانوي يكمن في أن الشخص الملقح لديه رخصة أكبر للعودة إلى المجتمع والتمتع بالمزايا التي تنطوي عليها هذه العودة. ومن هذا المنطلق، فإن هذا النهج يستخدم التلقيح على أنه "الجزرة" أو الوسيلة اللازمة لتحفيز الجميع على التطعيم باللقاح.

تثير هذه التطورات قضية تتعلق بمشرعية التباين في المعاملة بين المتلقين للقاح والأشخاص غير المحصنين. ويعود الأمر إلى غايات الصحة العامة المهمة المرجو تحقيقها حيث أنها هي من تقود هذا التباين. وفي ظل تفشي فيروس كوفيد-19، أصبح أمن المجتمع على المحك. وبالنسبة لأي حكومة مسؤولة، يعد الحفاظ على النظام وما يرتبط به من تحقيق فوائد مجتمعية التزامًا أساسيًا للدولة تجاه مواطنيها والمقيمين على أراضيها.

وقد كان واضعو الدستور الدائم لدولة قطر (2004) يتمتعون ببصيرة على نحو ملحوظ فيما يتعلق بقضايا الصحة العامة. على وجه التحديد، تنص المادة (23) من الدستور على أن دولة قطر "تعنى بالصحة العامة، وتوفر وسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة وفقاً للقانون".

وحتى قبل اعتماد الدستور، كان لدى دولة قطر منظومة قانونية بشأن التطعيمات، حيث تشترط المادتان (5) و(6) من المرسوم بقانون رقم (17) لعام 1990 بشأن الوقاية من الأمراض المعدية من السلطات الصحية "اتخاذ الإجراءات اللازمة على الفور لمنع انتشار" أي مرض معدٍ، وتفويض سلطات الحجر الصحي وفرض الرقابة الصحية. وفقًا للمادة (10) من القانون، يمكن للوزير المختص أن يمكّن الجهة المسؤولة من "منع انتشار العدوى" بمختلف الوسائل ومنها التطعيم. ويشتمل المرسوم بقانون رقم (17) على قسم كامل مخصص لموضوع "التطعيم ضد الأمراض المعدية"، ويفوض السلطات الصحية بتنظيم حملات تطعيم لجميع السكان أو لجزء منهم.

في ضوء هذه الخلفية الصحية، هنالك المبادئ التوجيهية للمجتمع التي يقرها الدستور، والتي تنص على أن "المساواة" هي قيمة مجتمعية "جوهرية" في قطر في ظل التزام الدولة بـ "حماية ... وتأمين تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين". علاوة على ذلك، تنص الحقوق والواجبات العامة الواردة في الدستور على أن "جميع الأشخاص متساوون أمام القانون".

ونظرًا لأن الدساتير تميل إلى استخدام تعابير فضفاضة، فقد يكون فهم هذه الدساتير وتطبيقها أمرًا صعبًا، لا سيما إذا احتوى النص على لغة تنطوي على تضارب. وعلى مر السنين، وضع القضاة وفقهاء القانون الدستوري معايير تفسيرية مختلفة. فعلى سبيل المثال، قد يعترف هؤلاء الفقهاء بالتسلسل الهرمي للمعايير، مثل إعطاء الأولوية للأمن القومي أو الصحة والسلامة، وفي نفس الوقت خفض مستوى التضييق على الحقوق الأخرى إلى أدنى حد ممكن، أو المحاولة الدائمة للمواءمة بين جميع نصوص الدستور.

لقد أوفت دولة قطر بتعهدها بالمساواة الواردة في الدستور، حيث أن لقاحات فايزر-بيونتيك المضادة لفيروس كوفيد-19 متاحة للمواطنين والمقيمين على حد سواء، مع مراعاة قيود معقولة تُفرض على أساس عمر الإنسان، وقد وفرت التطعيم باللقاحات مجانًا دون تكلفة يتحملها المتلقون للتطعيم. واعتبارًا من الآن، قد يقرر شخص ما تجنب التطعيم، ولكنه وهو يفعل ذلك عليه أن يعلم أنه قد يكون هناك قيودًا معينة تحد من وصوله إلى أماكن محددة خارج منزله.

سيكون من المثير للاهتمام خلال الأشهر المقبلة أن نرى ما إذا كان سيتم إلزام فئة أكبر من الموظفين في قطر بالتطعيم كشرط للعودة إلى أماكن عملهم، حيث يتماشى هذا المطلب مع الغاية الدستورية المتمثلة في تأمين سلامة البلاد من أي جائحة أو وباء وتأمين الصحة العامة. علاوة على ذلك، من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الإقبال على تلقي اللقاحات. ومع ذلك بالنسبة لأرباب العمل، قد يعني ذلك أنه للاحتفاظ بالموظفين من ذوي الأهمية الكبيرة الذين يختارون عدم تلقي التطعيم، فإن العمل عن بُعد - إن أمكن - قد يكون خيارًا أطول أمدًا.

ومن الجدير بالذكر أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قد وافقت مؤخرًا على ترخيص استخدام لقاح فايزر في حالات الطوارئ للأطفال في الفئة العمرية 12-15 عامًا. وقد فتحت دولة قطر الآن باب التسجيل لحصول هذه الفئة العمرية على اللقاح. لذا، هناك جانب آخر يجب رصده وهو الرابط بين تلقي التطعيم وإمكانية حضور التلاميذ إلى المدرسة.

وختامًا، تعتمد السلامة والأمن العام في دولة قطر على صحة القادمين من خارجها، لا سيما بالنظر إلى وضع قطر كمركز تجاري عالمي. وسيكون تطوير منظومة شاملة لجوازات سفر المطعمين باللقاح من أجل تسهيل السفر حول العالم خطوة تالية مُرَحب بها.

كتبته:
الدكتورة سوزان كارامانيان
عميد كلية القانون في جامعة حمد بن خليفة