تكشف نتائج التطورات السريعة المتواصلة ومظاهرها في شتى مجالات الحياة – وبخاصة في ميادين العلم والتكنولوجيا ومفاهيم الحرية وحقوق الإنسان – عن مشكلات ثقافية وأخلاقية ودينية خطيرة تتلخص في هدم القيم الدينية والفضائل الخلقية وقلة أو غياب دور المؤسسات الاجتماعية الأساسية التي قامت على المحافظة على القيم والأخلاق والثقافة والهوية الحضارية على مر العصور مثل الأسرة والمدرسة ودور العبادة. وتنذر الانحرافات السلوكية التي تتواصل في الظهور في كل المجتمعات – وبين الشباب على وجه الخصوص– بكارثة إنسانية خطيرة لو لم تتدارك المجتمعات الإنسانية المختلفة هذا الأمر ومعالجته. ويعتبر هذا الوضع تحديا كبيرا لكل الأديان.
ومعلوم أن الأخلاق تمثل القاعدة الأساسية التي يقوم عليها تصور الأديان للمجتمع الإنساني. والإسلام باعتباره خاتمة الرسالات الإلهية ومصدقا لما سبقها ومهيمنا عليها لخص رسوله صلى الله عليه وسلم المقصد الأسمى لرسالته في قوله " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". ولا نشك في أن كل مشكلة أيا كان نوعها سياسية أو اقتصادية أو سلوكية إنما هي في أصلها مشكلة نفسية أخلاقية.
من هنا قرر مركز محمد بن حمد آل ثاني لإسهامات المسلمين في الحضارة أن ينظم هذا المؤتمر ليُسْهِمَ من خلاله في محاولة لبلورة الدور الكبير للسيرة النبوية الشريفة في إصلاح الوضع والخروج من هذا المأزق الأخلاقي والسلوكي والثقافي. لقد جعل الله تعالى من الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة للمؤمنين به "َقَدْ كَانَ لَكُمْ في رسول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْآخِرَ ۚ وذكر الله كثيرا". فما دام التقرير الإلهي جعل الرسول هو النموذج الأمثل فلا يمكن أن يكون هناك سبيل للنجاة إلا بالعودة إلى هذه الأسوة الحسنة التي بها نحقق مقاصد القرآن – آخر الرسالات – الذي يهدي للتي هي أقوم، والذي يخرج الناس من سلبية التطورات المعاصرة إلى نور السعادة والاستقامة والطمأنينة.
ويسعى هذا المؤتمر لبحث وسائل تفعيل السيرة النبوية الشريفة لمعالجة هذه المشكلات المعاصرة. وينعقد المؤتمر ليومين في مدينة الدوحة وفي رحاب جامعة حمد بن خليفة، ويلتقي فيه مجموعة من العلماء المتخصصين من أرجاء مختلفة من العالم.