العلاقات بين قطر وتركيا باتت أقوى من أي وقتٍ مضى

العلاقات بين قطر وتركيا باتت أقوى من أي وقتٍ مضى

14 مارس 2021

الدكتور أمين محسني تشيراغلو

العلاقات بين قطر وتركيا باتت أقوى من أي وقتٍ مضى

عند السير في شوارع الدوحة، لا يسع المرء إلا أن يلاحظ الوجود المتزايد للمواطنين والشركات التركية في المدينة. وتعود العلاقات التركية القطرية إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما فكرت الإمبراطورية العثمانية في ضم الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك قطر الحالية، إلى إمبراطوريتها الشاسعة. وبعد بضعة عقود من التوتر والصراع، وأحيانًا السلام والتعاون، تخلى الأتراك عن مطالباتهم بشأن قطر في يوليو 1913.

التجارة على مر الزمن

ونظرًا لصغر حجم سكان قطر واقتصادها، والأداء الاقتصادي دون المستوى لتركيا في نهاية القرن العشرين، كانت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وقطر محدودة حتى القرن الحادي والعشرين. ومع بداية هذا القرن، برزت قطر كطرف رئيسي في السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال، في حين تمكنت تركيا من معالجة التضخم المفرط المستمر والمؤسسات الضعيفة التي شلت اقتصادها خلال معظم النصف الثاني من القرن العشرين.

وأتاح الارتباط الناشئ بين النمو الاقتصادي والاستقرار في البلدين فرصًا جديدة للتعاون التجاري والاقتصادي. وفي عام 2000، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 38 مليون دولار فقط. وبحلول عام 2016، ارتفع هذا الرقم بأكثر من 27 ضعفًا وبلغ أكثر من 818 مليون دولار.

تعزيز التجارة

وبحلول عام 2019، وكنتيجة مباشرة للحصار الذي قادته المملكة العربية السعودية على قطر في عام 2017، قفز حجم التبادل التجاري بين تركيا وقطر إلى حوالي 2.2 مليار دولار (انظر الجدول رقم 1). ولم تكن هذه الزيادة السريعة متشابهة في كلا الجانبين. وكما هو مبين في الجدول رقم 1، شهد العقد الماضي ارتفاعًا مستمرًا في حجم الصادرات التركية إلى قطر، حيث سجلت الصادرات التركية معدل نمو هائل بنسبة 587٪ بين عامي 2011 و2019، بينما شهد حجم الصادرات القطرية إلى تركيا صعودًا وهبوطًا من عام إلى آخر، وهو ما يعكس الطبيعة المتقلبة لأسعار الغاز الطبيعي المسال في الأسواق العالمية. ومع ذلك، فقد سجلت صادرات قطر إلى تركيا ارتفاعًا إجماليًا بنحو 25٪ خلال نفس الفترة (انظر الجدول رقم 1).   
جدول رقم 1 – حجم التبادل التجاري بين قطر وتركيا من 2011 إلى 2019
 
المصدر: اتجاه الإحصائيات التجارية الصادر عن صندوق النقد الدولي

وبالنظر إلى ذلك من منظور مختلف، لم يشهد حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعًا فحسب، بل أصبح الاقتصادان أيضًا شريكين تجاريَّين أكثر أهمية لبعضهما البعض. ويتجلى ذلك من خلال حقيقة أن حصة التبادل التجاري بين قطر وتركيا من إجمالي حجم التبادل التجاري للبلدين قد شهدت تزايدًا مستمرًا بين عامي 2011 و2019 (انظر الرسم البياني رقم 1). 

رسم بياني رقم 1. حصة التبادل التجاري القطري التركي من إجمالي حجم التبادل التجاري للبلدين من 2011 إلى 2019

وقد توطدت العلاقات الاقتصادية المتنامية بين البلدين مع تعزز تعاون قطر مع الشركات العسكرية التركية بداية من عام 2002. ومهدت الاتفاقيات الأخيرة التي وقعتها البلدان في عام 2015 الطريق لإنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر. ومع بداية الحصار الأخير لدولة قطر، زاد الوجود العسكري التركي في قطر إلى حوالي 3,000 جندي.

التأثير الجيوسياسي

ومن المهم أن ندرك أنه رغم أن التعاون العسكري المتنامي بين البلدين كان نتيجة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدوحة وأنقرة، فقد انطلقت العلاقات على الجبهتين إلى آفاق جديدة بعد الحصار. وعلى الجبهات الثقافية أيضًا، تعزز التواجد التركي في قطر بوتيرة متزايدة. وحتى وقتنا هذا، تُدَرِس مدرستان في الدوحة المنهج التركي، لتلبية احتياجات السكان المتزايدين من الأتراك المقيمين والعاملين في الدوحة. 

وقد أثارت الخطوات الأخيرة التي اتُخذت لتطبيع العلاقات بين قطر والمملكة العربية السعودية تساؤلات ومخاوف بشأن طبيعة العلاقة بين قطر وتركيا. وقد أكد المسؤولون القطريون على أن أي تطبيع للعلاقات مع السعودية لن يؤثر على علاقاتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع تركيا. والسبب وراء ذلك واضح، وهو أن العلاقات الاقتصادية والعسكرية القطرية التركية شهدت نموًا كبيرًا خلال العقود الأخيرة. ويمتلك البلدان مواقف متشابهة بشأن العديد من القضايا السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج. فمثلاً:

  • في نوفمبر 2020، وقَّعت أنقرة والدوحة 10 اتفاقيات جديدة، بعد الاجتماع السادس للجنة الاستراتيجية العليا بين تركيا وقطر برئاسة فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر. وبلغ عدد الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والثقافية الموقعة بين البلدين 62 اتفاقية.
  • حتى عام 2019، كان هناك أكثر من 500 شركة ومؤسسة تركية عاملة في قطر، وأكثر 170 شركة ومؤسسة قطرية عاملة في تركيا.
  • سوف تؤدي شركات البناء التركية دورًا رئيسيًا في إنجاز مشاريع تطوير البنية التحتية في قطر قبل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 التي تستضيفها دولة قطر. ومنذ عام 2002، وُقِّعت عقود بناء بين قطر وتركيا تجاوزت قيمتها 18 مليار دولار. وفي عام 2019، كانت قطر سابع أكبر سوق إنشاءات للشركات التركية بمشاريع بلغت قيمتها حوالي 1.5 مليار دولار.
  • في مايو 2020، ارتفعت قيمة اتفاقية تبادل العملات بين تركيا وقطر من 5 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار. وقد ساعد ذلك تركيا على دعم بورصتها وأسواق رأس المال لديها وتخفيف الضغوط الأخيرة الناجمة عن انخفاض قيمة الليرة التركية. هذا بالإضافة إلى تعهد قطر باستثمار 15 مليار دولار في الأسواق التركية. وخلال العقدين الماضيين، بلغ إجمالي الاستثمار القطري المباشر في تركيا 3 مليارات دولار، ومن المتوقع زيادة هذا الرقم في المستقبل.
  • تتميز العديد من السلع والخدمات المتداولة بين البلدين بطبيعتها الاستراتيجية والحيوية لاستقرار اقتصاد البلدين ورفاهية سكانهما. فعلى سبيل المثال، تشتمل الواردات القطرية الرئيسية من تركيا على الحديد والصلب، والآلات والمعدات الكهربائية، وخدمات البناء، والسياحة، والأدوات والمعدات، ومنتجات الألبان، والخضروات والفواكه. ومن ناحية أخرى، تشتمل الواردات التركية من قطر على الغاز الطبيعي المسال والزيوت البترولية ومنتجاتها. وتتطلع تركيا إلى قطر باعتبارها أفضل بديل لها في تقليل الاعتماد على واردات الغاز من روسيا على المدى الطويل.

أخيرًا، لن تنسى الذاكرة التاريخية للقطريين أبدًا أنه بعد أن أغلق العديد من جيرانهم حدودهم الجوية والبرية والبحرية من وإلى قطر في شهر رمضان عام 2017، سارعت تركيا إلى دعم قطر من خلال تصدير الإمدادات الغذائية، وخاصة منتجات الألبان، والدواجن، والفاكهة عبر الحدود الجوية والبحرية الإيرانية مع قطر. 

مستقبل التجارة

ويمكن القول إن العلاقات الاقتصادية والأمنية والثقافية بين قطر وتركيا باتت أقوى بكثير من أي وقت مضى، وليس من المتوقع أن يؤدي أي شكل من أشكال التطبيع بين قطر والمملكة العربية السعودية ودول الحصار الأخرى إلى حدوث أي تغييرات جذرية في هذه العلاقة. وإيمانًا منها بهذه الحقيقة، رحبت تركيا بالخطوات الأخيرة التي اتُخذت لإنهاء الحصار المفروض على قطر على أساس أنه سيساهم في استقرار وأمن وازدهار منطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد خلق التقارب بين قطر والمملكة العربية السعودية، إلى جانب التغيير في الإدارة الأمريكية التي باتت تفضل الدبلوماسية والحوار على الإكراه والصراع، والعرض الأخير الذي قدمته قطر لإعادة المحادثات بين إيران ودول الخليج العربي، فرصًا جديدةً يجب اغتنامها لتحقيق الاستقرار والسلام في منطقة الخليج. ولا شك في أن تركيا سيكون لها دور متزايد الأهمية من المتوقع أن تؤديه على هذه الجبهة. 

*يشغل الدكتور أمين محسني – تشيراغلو منصب أستاذ مساعد الاقتصاد والتمويل الإسلامي بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.