الشريعة الإسلامية وتسوية المنازعات في النظام القانوني
Hamad Bin Khalifa University

الإنسان الشريعة الإسلامية وتسوية المنازعات في النظام القانوني بعد جائحة كوفيد-19

الدكتور داميلولا إس أولاوي*

طورت المجتمعات الحديثة لسنوات عديدة أساليب فعالة لتسوية النزاعات القانونية بطريقة سلمية. ومن بين الطرق الشائعة التي تُستخدم لتسوية مجموعة واسعة من النزاعات التجارية وغير التجارية، داخل دولة قطر وخارجها، إجراءات التقاضي في المحاكم، بالإضافة إلى طرق بديلة لتسوية المنازعات خارج المحكمة، مثل التفاوض، والوساطة، والتوفيق، والتحكيم. 

ومع ذلك، تُشكل جائحة كوفيد-19 المتواصلة تحديات معقدة ومتعددة الأوجه لأنظمة تحقيق العدالة في جميع أنحاء العالم. ويخبرنا التاريخ أن النزاعات القانونية تتزايد بشكل كبير في أوقات الكوارث العالمية والاضطرابات الاقتصادية، مثل تلك الناجمة عن انتشار فيروس كوفيد-19. وتشتمل هذه النزاعات القانونية على منازعات العمل، وخرق العقود، والإفلاس، ودعاوى التأمين، والنزاعات العائلية، واضطرابات سلاسل التوريد، وغير ذلك من النزاعات الأخرى. وفي ضوء موجات المد العاتية الوشيكة للنزاعات القانونية المعقدة التي يمكن أن تنشأ في أعقاب انتشار فيروس كوفيد-19، سيحتاج المحامون والمؤسسات القضائية إلى الدعم حتى يتمكنوا من معالجة هذه النزاعات بشكل فعال، وعدم التعرض للإزعاج. بالإضافة إلى الاحتياجات التكنولوجية، والرقمية، والمالية، واحتياجات البنية التحتية، ستكون هناك حاجة للتوصل إلى آليات مبتكرة لإدارة النزاعات لتجنب حالة الجمود المؤسسي.

وتوفر جائحة كوفيد-19 فرصة لاستكشاف كيف يمكن للشريعة الإسلامية، وهي المصدر الرئيسي للتشريع في البلدان الإسلامية، أن تقدم سبلًا إضافية ومبتكرة لتسوية النزاعات. وقد درست الأبحاث المتخصصة، لسنواتٍ عديدةٍ، قيمة الطرق الإسلامية البديلة لتسوية المنازعات، ولكن هذه الطرق لم تخضع لاختبارٍ شاملٍ. وتعمل هذه الطرق البديلة على تعزيز سبل تسوية النزاعات، وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية وإجراءاتها. وتشتمل طرق تسوية النزاعات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية على المحتسب (استخدام أمين المظالم)؛ والصلح (التفاوض، والوساطة، والتوفيق)؛ والتحكيم. ومن بين السمات المميزة للطرق الإسلامية البديلة لتسوية المنازعات، مقارنةً بالأساليب التقليدية لتسوية المنازعات خارج المحاكم، موافقة الأطراف على الالتزام بالأحكام الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في تحديد ادعاءاتهم. فعلى سبيل المثال، يحرم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الفوائد الربوية. لذلك، تختار الأطراف المتنازعة استبعاد الربا عند الاحتكام إلى الطرق الإسلامية البديلة لتسوية المنازعات. 

وبالإضافة إلى قيمتها الأخلاقية، والثقافية، والروحية التي لا تقدر بثمن، يمكن أن توفر الطرق الإسلامية البديلة لتسوية المنازعات إطارًا قانونيًا بديلاً لتسوية النزاعات غير التجارية مثل النزاعات الأسرية، ومنازعات المِلكية، والميراث. وينطبق الشيء نفسه أيضًا على النزاعات التجارية الصغيرة والمتوسطة، حيث يمكن للمعتقدات والمبادئ الدينية أن تؤدي دورًا رئيسيًا في تسوية المنازعات في الوقت المناسب، وبشكل أقل شراسة، مع فعاليتها من حيث التكلفة. وفي عالم ما بعد كوفيد-19، يمكن أن تساهم المحاكم التي تعتمد الطرق الإسلامية البديلة لتسوية المنازعات في تقليل الضغط على المحاكم والمؤسسات البديلة لتسوية المنازعات، والسماح للأطراف بالتوصل إلى حلٍ نهائيٍ، وملزمٍ، وميسور، وغير مكلف، في الوقت المناسب.
ويمكن تنفيذ الطرق الإسلامية البديلة لتسوية المنازعات في إطار المؤسسات القضائية القائمة في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ومن الدروس التي يمكن استخلاصها من دول مثل المملكة المتحدة، وماليزيا، وإندونيسيا، حيث تخضع هذه الطرق للتطبيق فعليًا بمستويات متفاوتة من النجاح، أن الخطوة الأولى الأكثر أهمية لإنجاح هذه الطرق هي وضع قواعد وإجراءات واضحة وشاملة توفر السند القانوني والدعم للطرق الإسلامية البديلة لتسوية المنازعات. 

وعلى سبيل المثال، طوّر المركز الآسيوي للتحكيم الدولي في ماليزيا قواعد التحكيم الإسلامي، التي توفر إطارًا شاملاً لقواعد وإجراءات تسوية المنازعات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. ومن بين الخطوات، التي لا تقل أهمية عن التتبع السريع لاعتماد الطرق الإسلامية البديلة لتسوية المنازعات، الاستفادة من الخبرة الحالية للمحكمين، والمتخصصين، والعلماء الملمين يلمّون بتعقيدات هذه الطرق، وكذلك المبادئ الأساسية للقانون. ويمكن لهؤلاء الخبراء أن يوجهوا التطور السريع لمبادئ الطرق الإسلامية البديلة لتسوية المنازعات وإجراءاتها المصممة خصيصًا، التي تعكس الثقافات والتقاليد القانونية الغنية والمتنوعة في البلدان الإسلامية.

ويجب أن تؤدي مؤسسات التعليم العالي كذلك أدوارًا حيويةً في وضع برامج مبتكرة لتدريب المجتمعات وإعدادها للتعامل مع النظام القانوني المستجد في أعقاب انتشار فيروس كوفيد-19. وتقود كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة بالفعل جهود الابتكار في هذا المجال. ويتمتع طلاب الكلية بفرصٍ استثنائيةٍ لاكتساب مهارات ومعرفة قانونية مقارنة حول أساسيات الطرق البديلة لتسوية المنازعات وتطبيقاتها العملية في بلدانهم الأصلية من خلال البرامج التي تطرحها الكلية، وهي برنامج "دكتور في القانون"، وبرنامج الماجستير في القانون الاقتصادي والتجاري الدولي، وبرنامج الماجستير في القانون الدولي والشؤون الخارجية، بالإضافة إلى برنامج "القانون المطبق في قطر" المتخصص الذي يمنح الدارسين شهادةً مهنيةً معترفًا بها. 

* يشغل الدكتور داميلولا إس أولاوي منصب أستاذ مشارك بكلية القانون في جامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.
 

أخبار متعلقة

كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة تشارك في تنظيم ندوة قانون الاستثمار الدولي ورأسمالية الدولة

تجلت قدرة كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة على صياغة المناقشات المتعلقة بالأنظمة القانونية المتنوعة، مؤخرًا، من خلال مشاركتها الفاعلة في ندوة إلكترونية دولية، حيث تُعد الكلية جزءًأ مهمًا من جامعة حمد بن خليفة.

كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة تستضيف حفل إطلاق مبادرة النساء العاملات في القانون بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تستضيف كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، بتاريخ 28 أكتوبر المقبل، حفلًا لإطلاق مبادرة إقليمية للمحاميات من شأنها تمكين عملية تبادل المعلومات والمعرفة وتطوير العلاقات المهنية المهمة.