بمناسبة اليوم العالمي لمتلازمة داون، يتناول العالم والباحث محمد آيت طالب، والدكتور فاضل تيسير، الأستاذ بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة، بالتحليل أسباب متلازمة داون وعوامل الخطر ذات الصلة، مع التركيز على الدمج الاجتماعي للأشخاص المصابين بها.
ففي إطار فعاليات اليوم العالمي لمتلازمة داون، يلتقي مجتمع متلازمة داون من حول العالم معًا في كل عام لتبادل الأفكار والخبرات والمعرفة لتمكين بعضهم البعض من أجل إحداث تغيير إيجابي في هذا النطاق على وجه الخصوص. وقد أقيمت فعالية هذا العام في يوم 21 مارس، وكان موضوعها فريدًا، ودار حول التواصل مع بعضنا البعض، وبناء مجتمع شامل وقائم على تكافؤ الفرص والحقوق والأدوار.
وقد أصبح فهم الحالة والأسباب الوراثية الكامنة وراءها وعوامل الخطر بشكل أفضل أمرًا ضروريًا لتلبية احتياجات أفراد مجتمع متلازمة داون في جميع أنحاء العالم. وتعتبر متلازمة داون، المعروفة سابقًا باسم "المنغولية"، اضطرابًا وراثيًا ناتجًا عن وجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21 (التثلث الصبغي 21). فمن الناحية السريرية، تتسم هذه المتلازمة بتأخر في النمو، وإعاقة ذهنية بدرجات متفاوتة، وسمات غير معتادة في الوجه والجمجمة، إضافة إلى جوانب أخرى.
وهنالك أسباب وراثية تقف وراء هذه الحالة بشكل أساسي تظهر في بداية دورة حياة الإنسان. فالخلايا البدنية لدى الإنسان ثنائية الصبغيات وتحتوي على 23 زوجًا من الكروموسومات (العدد الإجمالي للكروموسومات 46). يرث الإنسان كروموسومًا واحدًا من كل اثنين من الأب ويرث الكروموسوم الثاني من الأم. فالخلايا التناسلية (الحيوانات المنوية أو خلايا البويضة) هي أحادية العدد ولها محتوى نصف جينومي من الخلايا البدنية. فعندما تنقسم خلية جسمية لإنتاج خلايا تناسلية، تشكل الكروموسومات المتجانسة أزواجًا، تتبادل المعلومات الوراثية، قبل أن تنفصل بحيث تتلقى كل خلية وليدة عضوًا واحدًا من كل زوج. ومع ذلك، في بعض الأحيان تفشل الكروموسومات في الانفصال أثناء الانقسام الاختزالي الأول أو الثاني، وتتلقى خلية واحدة 24 كروموسومًا بينما تتلقى الثانية 22 كروموسومًا. وعندما تشارك الخلية التناسلية المكونة من 24 كروموسومًا (نسختان من 21) في عملية الإخصاب، يصبح المولود مصابًا بالتثلث الصبغي 21.
ويمكن أن تحدث متلازمة داون عندما يتم نقل (إرفاق) الكروموسوم 21 إلى كروموسوم آخر قبل أو عند الحمل. ويحمل الأطفال نسختين عاديتين من الكروموسوم 21 بالإضافة إلى النسخة المنقولة. ويكونوا بذلك ثلاثيّ الجسيمات، ومع ذلك، يكون لديهم عددًا إجماليًا يبلغ 46 كروموسومًا. ويمكن لخلاياهم الجرثومية أن تحقق الانقسام الاختزالي، وبالتالي، يمكن توريث هذه السمات البنيوية غير المعتادة. ويُشار إليه باسم التثلث الصبغي 21 العائلي وهو مسؤول عن 4٪ من حالات متلازمة داون.
تنتج النسبة النهائية التي تبلغ 1٪ من حالات متلازمة داون بسبب الفسيفساء البدنية الناتجة عن الحمل ثلاثي الذرات متبوعًا بفقدان النسخة الزائدة من الكروموسوم 21 أثناء الانقسامات الفتيلي للبويضة المُلقحة. وتظهر على الأطفال المصابين بالفسيفساء أشكال مختلفة من أعراض متلازمة داون وفقًا لتناسب وتوطين الخلايا ثلاثية الصيغ.
بالإضافة إلى الأسباب الوراثية التي تقف وراء هذه الحالة، فإن بعض الآباء يكونون أكثر عرضة لخطر إنجاب ذرية مصابة بمتلازمة داون، ويؤدي عمر الأم دورًا مهمًا في زيادة المخاطر الكامنة. ويبلغ معدل انتشار متلازمة داون واحدًا من كل 2,000 مولود للنساء دون سن 25 عامًا. ويزداد المعدل مع تقدم عمر الأم ليصل إلى واحد من كل 300 مولود لدى الأمهات من عمر 35 سنة، وواحد من كل 100 مولود لدى الأمهات في عمر 40 سنة. ويعتبر الآباء والأمهات الذين لديهم طفل مصاب بالمتلازمة أو تاريخ عائلي من الإصابة بالتثلث الصبغي 21 معرضين بشكل كبير لخطر إنجاب مزيد من الأطفال المصابين بمتلازمة داون.
وتوجد الآن طرق لعلاج متلازمة داون، ولكن من الممكن الحد من هذه الحالة. ويجب على الآباء استشارة متخصص في الأمراض الوراثية، يمكنه تقييم المخاطر قبل الحمل واقتراح اختبارات فحص ما قبل الولادة في المراحل المبكرة من نمو الجنين. وهناك حاجة لإجراء المزيد من الاختبارات المتعمقة، مثل فحص السائل الأمنيوني أو أخذ عينات من خلايا المشيمة، لتحديد النمط النووي للجنين والتحقق من عملية التشخيص.
يحتاج الأطفال المصابون بمتلازمة داون إلى رعاية خاصة لمنع تفاقم الإعاقة. ويجب أن تتوفر لهم متابعة طبية منتظمة، لأنهم قليلو الشكوى ولا يمكنهم تحديد آلامهم أو التعبير عنها أو توصيف مشكلاتهم البدنية بصفة دائمة. ويمكن أن تعوض جلسة علاج النطق أو النشاط الحركي والعقلي أو العلاج الطبيعي تأخر النمو وضعف العضلات، ولكي تكون فعالة، يجب أن تبدأ هذه الجلسات في أول سنة من عمر الطفل. ويمكن للكثير من الأطفال الذهاب إلى المدارس العادية عندما تتوفر بها وحدات التعليم الشامل، مثل الفصول الصغيرة المكونة من 5 إلى 10 أطفال يعانون من تأخر إدراكي. ويستطيع القليل من هؤلاء الأطفال حضور الفصول الدراسية العادية عندما تتوفر لديهم قدرات إدراكية كافية، وإذا تمت مساعدتهم بشكل صحيح، فسيتمكنوا من النمو والتطور في بيئة اعتيادية.
ويستطيع بعض المرضى تطوير مهاراتهم وصولاً للاعتماد على أنفسهم في مرحلة البلوغ. وقد يكون أكثر من نصف المصابين قادرين على العمل والعيش بمفردهم. وهناك أمثلة لقصص نجاح عظيمة، ومنها ماريان أفيلا، عارضة الأزياء الإسبانية التي تتمتع بمسار مهني متميز في عالم الأزياء، والممثل البلجيكي باسكال دوكوين، الحائز على جائزة أحسن ممثل في مهرجان كان السينمائي لعام 1996 عن دوره لشخصية جورج، وهو الصبي الذي يعاني من نفس الإعاقة.